تتخذ المناقشات حول معاداة المسلمين في أوروبا ملامح غريبة ومثيرة للدهشة في الوقت الحالي، حيث يعد المسلمين في معظم البلدان الغربية الأوروبية هم الأقلية. لكن السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه أيضاً هو مالمقصود بكلمة “مسلم”، فالادعاء بمعرفة ماهو المسلم كالإدعاء بمعرفة جميع النباتيين مثلاً.
نشرت مجموعة من الخبراء الألمان الذين اجتمعوا بعد الهجمات القاتلة في مدينة هاناو الألمانية تقريرهم للحكومة الألمانية قبل بضعة أسابيع، حيث يسلط التقرير الضوء على أين تكمن مشاكل التحليل المناسب وكيف يمكن أن تعمل النصائح النفّاذة للسياسة والمجتمع بمصطلحات مختلفة، ويتحدث النص عن “معاداة المسلمين” و”كراهية الإسلام” و”العنصرية ضد المسلمين”. إن إصدار أحكام شاملة على المسلمين بطريقة غير متحضرة وتهديدية يمكن تبريره على انه بسبب التاريخ الاستعماري على الأقل وليس مبنياً على الكراهية الفردية.
إن استُخدم مصطلح “العنصرية ضد المسلمين” بشكل متزايد في الفترة الأخيرة خاصة من قبل القوى الإسلامية المتشددة، كان بغاية الاستفادة منه لتكميم أفواه منتقدي جماعات الإسلام السياسي، مثل جماعة الإخوان المسلمين أو ميلي غوروش. يمكن دائماً استخدام اتهامات العنصرية بنجاح لتحويل الانتباه عن الأنشطة غير الديمقراطية ومحاولة ترسيخ الاتهام بالعداء، وتعتبر وسائل التواصل الاجتماعي الإسلامية جيدة في الترويج لذلك. تصف الدراسة الألمانية المشكلة وتستشهد بتعامل سلمان رشدي ودعوة أردوغان لمقاطعة فرنسا بعد اغتيال صموئيل باتي كأمثلة على ذلك الاستغلال. ولكن الدور الذي تلعبه بعض الجمعيات الإسلامية في تجميل صراع ثقافي منسوب إلى الإسلام والغرب باسم الدين ليس دوراً مشرفاً أيضاً.
إن استخدام المصطلح في الاتجاه المعاكس لا يغير نتائج التقرير، فتأتي البيانات من دراسات وإحصاءات جرائم الشرطة ووثائق من وكالات مكافحة التمييز، وهي تظهر بوضوح شديد كيف يميل كل ألماني بوعي أو بغير وعي إلى الإدلاء بتصريحات معادية للمسلمين، بدءاً من عدم قدرتهم على الاندماج إلى ميلهم للعنف وحتى انتقادهم لتخلف الدين نفسه.
في عام 2017، ذكر 41 في المائة ممن شملهم الاستطلاع في مؤسسة Religionsmonitor der Bertelsmann Stiftung أنهم عموماً “لا يثقون على الإطلاق” أو “حتى قليلاً” بالمسلمين. ورداً على عبارة “لن يكون لدي أي اعتراض على انتخاب رئيس بلدية مسلم في مجتمعي” اختار 22 في المائة أقوى درجة من الاعتراض في عام 2021، وهي “أنا معارض تماماً”. ومن ناحية أخرى ولعقود من الزمن اعترف نصف السكان بشكل ثابت بأنهم يشعرون بأنفسهم “أحياناً كأنهم غرباء في بلادهم بسبب وجود العديد من المسلمين”.. وبجانب ذلك يتم الخلط مراراً وتكراراً بين تيارات الأصولية في ألمانيا، حيث يشكو الشباب المسلمون الحاصلون على درجات علمية عليا من تجارب الإقصاء.
لم يتغير سلوك الألمان كثيراً اتجاه جيرانهم المسلمين على مر السنين، على الرغم من حوادث سولينغن وهجمات 11 سبتمبر وتأسيس مؤتمر الإسلام الألماني وجماعة NSU والإرهاب الدولي. نادراً ما تسود وجهات النظر الأخرى بدلاً من الصور الدائمة للإسلام العنيف والمنتقم والمسيء للنساء، ونادراً ما يتم تعريف المسلمين أنفسهم كضحايا للعنف. وقد سجل التحالف ضد العداء الإسلامي الممول من وزارة شؤون الأسرة الألمانية، 898 حادثة معادية للمسلمين العام الماضي، بما في ذلك الكثير من العنصرية ضد المرأة، و71 إصابة جسدية، و44 تضرر في الممتلكات، وثلاث هجمات حرق متعمد، وتتزايد الهجمات على الشباب والأطفال كل عام. ونظراً لأنه نادراً ما يبلغ أي شخص فمن المحتمل أن تكون الأرقام الفعلية أعلى بكثير مما هي عليه في الإحصاءات.
والسؤال الآن هو ما هي الإمكانيات المتاحة للسياسيين وأيضاً للمجتمع في أوروبا لمكافحة التمييز اليومي والعنف ضد المسلمين بفعالية؟ يصف التقرير الذي أُنجز بتكليف من مجموعة الخبراء الألمانية أن الحياة المسلمة تظهر في وسائل الإعلام الألمانية بشكل أساسي عندما يكون الرجال عدوانيين والنساء منضبطات، حيث ومن الممكن أن نجد هذا التركيز الأحادي الجانب بقوة على شاشة التلفزيون الألماني، وفي كثير من الأحيان في نشرات الأخبار هناك. فالهجمات الإرهابية والتطرف والحرب هي محور الأفلام التلفزيونية، كما تظهر الكتب المدرسية الإسلام في المقام الأول في سياق الصراعات. إن الرسالة ذات الدلالات السلبية هي في صلب الأحداث الإعلامية، ويجب مناقشة التطرف الإسلامي وبنيته. ومع ذلك فإن إجراء مناقشة جادة حول فكرة وجهة النظر غير المتحيزة أمر ممكن فقط إذا لم يتم إعادة إنتاج هذه الأنماط باستمرار. وكلما اكتسبت هذه التحيزات شرعية، كلما زاد احتمال تعرض المتقدمين المسلمين للحرمان عندما يتعلق الأمر باختيار مهنة أو تعليم، فالاختبارات التي يجريها الشباب الذين يحملون أسماء عربية يتم تقييمها إحصائياً بشكل أكثر سلبية مما قد توحي به قدراتهم. ويطالب الخبراء الألمان من مختلف مجالات العلوم بإنشاء مفوض لمكافحة العداء ضد المسلمين، ومجلس من الخبراء ومكاتب للشكاوى والتوثيق ومراكز استشارات. يتعلق الأمر بالتدريب المتقدم لجميع مؤسسات الدولة، بما في ذلك دور الإعلام ومراكز الرعاية النهارية، واستراتيجية لتطوير المشاركة المتساوية، بشكل أساسي: حماية المسلمين في الفضاء العام..
ومن الواضح أن هذه التقييمات تثير العديد من الأسئلة الجديدة في الحياة اليومية. فالمعلًم الذي يسأل تلاميذه المسلمين بشكل نقدي بعد سنوات من الخبرة عن الحرية التي يمنحها لهم آباؤهم، لن يرغب في اتهامه بالعنصرية ضد المسلمين. ينبغي للمرء أن يناقش دور الدين في مجتمع يعد الحجاب فيه موضوع رئيس في نقاشاته حول الإيمان. من المقرر إجراء جرد الخبراء التالي في غضون عامين.
جميع حقوق النشر محفوظة لصالح مركز أبحاث مينا.