وحدة الرصد والمتابعة في مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي
على الرغم من بدء عودة الحياة إلى طبيعتها تدريجياً في مدينة “الرقة” شرق سوريا، إلا أن ملف “المقابر الجماعية” بات يتصدر واجهة الأحداث اليومية لقاطني تلك المدينة.
يعثر الأهالي -بحسب أنباء مصادر أهلية من داخل المدينة- بشكل شبه يومي على “مقبرة جماعية” خلفها تنظيم داعش، تضم رفات عدد من الجثث لضحايا قتلوا أثناء معركة السيطرة على المدينة التي دارت بين تنظيم “داعش” وقوات “قسد” المدعومة من طيران التحالف الدولي.
وأعلنت قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في (20 تشرين الأول/ أكتوبر 2017)، سيطرتها على مدينة “الرقة” وطرد تنظيم داعش منها، بحسب بيان نشرته تلك القوات على موقعها الرسمي عبر الإنترنت.
“هيومن رايتس ووتش” توثق
وتحدثت منظمة “هيومن رايتس ووتش” وهي منظمة دولية غير حكومية معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان والدعوة إليها، مقرها مدينة نيويورك، في تقريرها الصادر على موقعها الرسمي في (3 حزيران/ يونيو الحالي) عن المقابر الجماعية المنتشرة في مناطق سيطرة تنظيم “داعش” السابقة.
وقالت “برايانكا موتابارثي” مديرة قسم الطوارئ في النيابة في المنظمة ذاتها:
“في مدينة الرقة 9 مقابر جماعية على الأقل، في كل منها عشرات الجثث إن لم تكن مئات، ما يجعل استخراج الجثث مهمة غير سهلة”.
وأشارت المنظمة في تقريرها إلى أنه “مع وجود عدد غير معروف من المقابر الجماعية في مدينة الرقة والمناطق المحيطة بها، وآلاف الجثث التي لم تُستخرج بعد، تكافح السلطات المحلية التابعة لـ”مجلس الرقة المدني” لمواجهة التحديات اللوجستية المتمثلة في جمع المعلومات وتنظيمها حول الجثث التي جرى العثور عليها، وتوفيرها للعائلات التي تبحث عن أقارب مفقودين أو متوفين. تحديد الأشخاص المفقودين والمحافظة على الأدلة للمحاكمات المحتملة سيكون لهما آثار في العدالة في سوريا ككل”.
ولفتت المنظمة في تقريرها إلى احتجاز داعش آلاف الأشخاص خلال سيطرته على المنطقة، من يونيو/ حزيران 2014 إلى أكتوبر/ تشرين الأول 2017، عندما استعادت المدينة مجموعات مسلحة على الأرض مدعومةً من طيران التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا، الأمر الذي دفع بأقارب بعض المعتقلين الذين ما زالوا في عداد المفقودين إلى تنظيم حملة في أواخر عام 2017 باسم: “أين مختطفو داعش؟” لطلب مساعدة التحالف في تحديد مصير معتقلي داعش ومكانهم، إلا أنهم لم يتلقوا حتى الآن أيّ استجابة.
مقابر بالعشرات داخل الرقة
صفحة “الرقة تذبح بصمت” على الفيسبوك التي تهتم بتوثيق أخبار الرقة وريفها، أفادت بعثور الأهالي على مقبرة جماعية كبيرة داخل “ملعب الرشيد” في وسط المدينة، تضم رفات أكثر من 300 جثة متفسخة جرى انتشالها من الجهات المحلية التي عثرت بدورها على عدد من المقابر الجماعية قرب “جسر الرقة القديم” وفي الشارع الواقع خلف “بناء الجميلي” داخل المدينة، في حين تشير مصادر حقوقية إلى وجود ما يقارب “114” نقطة موزعة ما بين منزل كبير وبناء مدمر يوجد في داخلها جثث لمدنيين لم تُنتشَل بعد.
وأشارت صفحة “لجنة إعادة الإعمار في مجلس الرقة المدني” على الفيسبوك، إلى الجهد الذي يبذله “فريق الاستجابة الأولية” على صعيد انتشال الجثث من المقابر الجماعية التي يجري اكتشافها من خلال تبليغ السكان عن أماكنها في المدينة، وذكرت أن الفريق وفي المدّة الواقعة ما بين شهري “حزيران وتموز” من العام الحالي، انتشل عدداً من الجثث من عدد من المقابر التي جرى العثور عليها في “حارة البدو، والأراضي الواقعة قرب صالة التاج، وقرب جسر الرقة القديم، وفي المنطقة الواقعة قرب جامع الفردوس”.
“محمد الصالح” الناطق باسم “صفحة الرقة تذبح بصمت” قال في حديثه لمرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي: بالنسبة إلى المقابر الجماعية داخل مدينة الرقة عددها بالعشرات وكل حديقة وكل مساحة فارغة داخل المدينة باتت مقبرة جماعية، فعلى سبيل المثال هناك مقابر اكتشفت في “ملعب ثانوية الرشيد، وعلى أطراف حديقة الرشيد، وفي حديقة 7 نيسان، وفي حي البدو، وفي الحديقة المرورية، وفي أكثر من مكان في الرقة تتوزع المقابر الجماعية، مضيفاً أنه حتى منصفات الطرقات أصبح فيها مقابر جماعية إضافة إلى أكثر من مكان أصبح فيه تجميع للجثث، مشيراً إلى أن “حديقة المشفى الوطني” سابقا شهدت عمليات دفن للشهداء أثناء الحملة العسكرية على الرقة، مؤكداً أن المقابر تركزت في أحياء المدينة كلها.
بعد اشتداد القصف على المدينة أصبح هناك صعوبة في نقل الجثث إلى المقابر، إن كان إلى “مقبرة حطين” أو حتى إلى” مقبرة البيعة” وهي مقابر أساسية، وعلى الرغم من أن إحداها تبعد عن مركز المدينة نحو 4 كم، والأخرى تقع في داخل المدينة قرب حي الرميلة، إلا أن الأهالي كانوا يجدون صعوبة في التنقل بمسافة تتراوح ما بين 100 إلى 150 متر، لذا أصبح الناس يدفنون الجثث في أقرب مكان نظراً إلى صعوبة الدفن.
وذكر “الصالح” أن أعداد الجثث التي انتشلت من المقابر الجماعية كبير جداً، فمثلاً في “ملعب ثانوية الرشيد” انتشل نحو 554 جثة، مشيراً إلى أن أعداد الجثث التي انتشلت قبل 3 أشهر وصلت إلى نحو 1500 جثة، مبيناً أن العدد في تزايد، في حين رجحت تقديرات لصحيفة” واشنطن بوست” إلى أن أعداد الجثث في مدينة الرقة قد يصل إلى ستة آلاف جثة لقتلى من المدنيين.
مقابر جماعية تضم جثث قتلى لقوات النظام
وتحدثت مصادر أخرى عن اكتشاف مقابر جماعية تضم بداخلها جثث قتلى من عناصر قوات النظام، وقالت “منظمة صوت وصورة” التي تغطي أخبار المنطقة الشرقية، إنه جرى اكتشاف أربع مقابر جماعية، وذلك في النصف الثاني من العام 2014، في ريف الرقة الغربي، ضمت جثث جنود للنظام ممن اعتقلهم “داعش” خلال سيطرته على مطار الطبقة، وهناك أيضاً مقبرة واحدة في الريف الشمالي اكتشف فيها وجود جثث لعناصر تتبع للنظام ممن اعتقلوا على يد داعش أثناء سيطرته على الفرقة 17.
بينما قالت “صفحة الرقة تذبح بصمت”: إن النظام نبش عدداً من المقابر التي تحتوي على جثث قتلاه، في ريف محافظة الرقة الغربي، جرى قتلهم على يد تنظيم “داعش”.
مقابر جماعية اكتشفت في محافظة دير الزور
لم تكن مناطق سيطرة داعش في محافظة دير الزور بمنأى عن ملف “المقابر الجماعية” وبخاصة في قرى “عشيرة الشعيطات” في ريف دير الزور الشرقي. ووثقت “منظمة العدالة من أجل الحياة” في تقرير لها صدر في شهر حزيران/ يونيو الحالي، جرائم تنظيم داعش ضد قرى عشيرة الشعيطات في دير الزور، وحمل التقرير عنوان “قتلوهم ليكونوا عبرة”.
ويغطي هذا التقرير حالات إعدام بلا محاكمة واعتقال وتهجير أهالي قرى الشعيطات من قبل تنظيم داعش، إذ اعتمد التقرير على شهادة لـ 14 شخص وزعت على الشكل الآتي: 7 شهادات في محافظة دير الزور، وشهادة في إدلب، وأربع شهادات في ولاية أورفا التركية، وشهادة في ولاية غازي عنتاب التركية، وذلك من خلال زيارات قام بها باحثو منظّمة العدالة من أجل الحياة، إضافة إلى شهادة في ولاية الأزيغ التركيّة عن طريق السكايب.
وقال “جلال الحمد” مدير المنظمة في تصريح لمرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي: أثناء عمليات التوثيق التي قامت بها منظمة العدالة من أجل الحياة بعد خروج داعش من محافظة دير الزور، عملنا على تقرير مطول بعنوان (قتلوهم ليكونوا عبرة) تحدث التقرير عن مجازر قام بها داعش في قرى عشيرة الشعيطات وهي 3 قرى.
وتابع: إن الشهود الذين التقينا بهم وتقاطعت شهاداتهم تكلموا عما لا يقل عن عشر مقابر جماعية اكتشفت لعشرات القتلى فقط في هذه القرى الثلاث، مضيفاً أن عدد القتلى عام 2014 وصل إلى المئات، يضاف إلى ذلك مئات المفقودين في سجون التنظيم الذين حتى الآن لم يعرف عنهم أي شيء، سواء في مناطق استعادها النظام أم استعادتها قوات سوريا الديمقراطية.
وأضاف: إنه بالاستناد إلى هذا العدد الكبير من المعتقلين والمفقودين، وبالاستناد إلى شهادات الشهود من قرى الشعيطات حول اكتشافهم عشرة مقابر لعشرات القتلى، يبقى السؤال هنا أين باقي الجثث؟ معرباً في الوقت ذاته عن اعتقاده أن يجري اكتشاف مزيد من المقابر خلال المرحلة المقبلة، لافتاً إلى أنه ربما يكون هناك بعض المقابر التي اكتشفت ولم يعلن عنها.
وقال “الحمد”: نحن نتكلم في تقريرنا فقط عن مقابر عشيرة الشعيطات ضمن تقريرنا الذي أخذ وقتاً قرابة 8 أشهر، وأثناء عمليات التوثيق قال لنا الشهود إن هناك عدداً كبيراً من الضحايا لم يجرِ التعرف إليهم قد يكونون من مناطق أخرى قتلوا على يد داعش، ومن ثم لا بد من دعم العمل المحلي ومجموعات مختصة محلية لاستخراج الجثث من المقابر الجماعية، والتعرف إليها وحفظ الأدلة ما يساعد في عملية التوثيق.
بدورها، وثقت “شبكة فرات بوست” الإخبارية، اكتشاف عدد من المقابر الجماعية في محافظة دير الزور تضم أشخاصاً مدنيين وعناصر تتبع لداعش وأخرى تضم رفات عناصر من الجيش السوري الحر أعدمهم تنظيم داعش.
وقال المتحدث باسم الشبكة في تصريح للمرصد: اكتشفت أربع مقابر جماعية في ريف دير الزور الشرقي في مدينة الشعيطات، وكل مقبرة تضم أكثر من 150 جثة تعود إلى أشخاص مدنيين، قُتلوا بطرائق مختلفة على يد تنظيم داعش بعد سيطرتها على دير الزور وتهجير عشيرة الشعيطات في أواخر 2014، واكتشفت مقبرة جماعية تضم عناصر تابعين للتنظيم في أواخر عام 2017، يوجد فيها أكثر من 400 جثة يرجح أن التنظيم قام بتصفيتهم عندما حاولوا الفرار منه، ليجري اكتشاف مقبرة أخرى في بداية 2016 تضم رفات 40 شخصاً تعود إلى الجيش السوري الحر أعدمهم التنظيم في ريف دير الزور الشرقي.
المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية مطالبةٌ بتحمل مسؤولياتها
حذرت شبكات التوثيق وصفحات الأخبار التي تعنى بنقل أخبار المنطقة الشرقية في تقارير لها، من مخاطر انتشار “المقابر الجماعية” التي لم يجرِ اكتشافها بعد في المناطق التي خرج منها تنظيم “داعش”، إن كان في الرقة أو غيرها من المناطق، نظراً إلى بدء انتشار الروائح وبخاصة في فصل الصيف ومع ارتفاع درجات الحرارة.
وقال “محمد الصالح” الناطق الرسمي باسم “صفحة الرقة تذبح بصمت”: إن مخاطر انتشار الجثث كبيرة، ومدينة الرقة قبل 4 أشهر كان هواؤها فاسداً بسبب انتشار الروائح، وأتوقع وجود أكثر من 1000 جثة تحت الأنقاض خصوصاً أن 60 في المئة من مدينة الرقة مدمرة ولا أحد يعرف ماذا يوجد تحت الأنقاض.
وأضاف، إلى الآن ما تزال تفوح رائحة الجثث وبخاصة في مدّة الظهيرة، محذراً من خطورتها على السلامة العامة من ناحية انتشار الأمراض والحشرات، مؤكداً أن الوضع مخيف ولا بد أن يكون هناك تدخل من أطراف ومنظمات دولية للإسراع في عملية انتشال الجثث ودفنها، ولا بد من تدخل منظمات صحية للحد من مخاطر الأمراض التي من الممكن أن يتسبب بها انتشار الجثث.
وطالبت منظمة “هيومن رايتس ووتش” المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الجهات الأخرى، بدعم المجموعات المحلية في المناطق التي طرد داعش منها، في جهدها ذي الصلة بالكشف عن تلك المقابر، وتقديم المساعدة الفنية لها للمحافظة على الأدلة على جرائم محتملة والتعرف إلى الرّفات.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.