هيئة التحرير
مع تسارع التطورات في الملف السياسي اللبناني، تظهر ميليشيات حزب الله، كمحور تدور حوله تلك التطورات، خاصةً ما يتعلق بسلاحه وانتشاره على الأراضي السورية، وفقاً لما يقوله، الباحث في الشؤون اللبنانية، “أحمد عيتاني” بمرصد مينا، مشيراً إلى أن ملف الحكومة والأزمة الاقتصادية والمالية وحتى الملف الأمني، كله بات مرتبطاً بخيارات حزب الله المطروحة أمامه دولياً، وقراره بالخروج من المقتلة السورية.
وكانت مصادر لبنانية، قد تحدثت قبل أيامٍ قليلة، عن بدء ميليشيات حزب الله بسحب نحو 2500 مقاتل من عناصرها من الأراضي السورية وإعادتهم إلى لبنان، دون أن ترسل دفعات بديلة عنهم، كما هو معتاد منذ بداية تورطها بالحرب السورية عام 2011 إلى جانب قوات “بشار الأسد”.
خيارات حاسمة وضرورات تبيح المحظورات
تصاعد الغضب الشعبي في لبنان على سياسات حزب الله وتحميله مسؤولية ما تمر به البلاد، والصغوط الأمريكية المتواصلة والتهديدات الإسرائيلية المتلاحقة، بالإضافة إلى التراجع في قوة الحزب نتيجة ارتفاع عدد قتلاه في سوريا، كلها عوامل، يعتبرها “عيتاني” مؤشراً على إمكانية قبول الحزب بطرح ورقة تفاوضية يخرج عبرها قواته من سوريا مقابل الاحتفاظ بسلاحه على الساحة اللبنانية، واصفاً تلك الورقة بالعرض، الذي قد يلقى أذناً صاغية في الغرب، الساعي للحد من تدخلات حزب الله في الساحة الإقليمية وليس الساحة الداخلية.
ويعيش لبنان منذ تشرين الأول الماضي، على وقع مظاهرات متواصلة احتجاجاً على الأوضاع السياسية والاقتصادية المتردية، والتي زادت حدتها عقب كارثة انفجار مرفئ بيروت في 4 آب الماضي، وسط تحميل الشارع اللبناني، حزب الله مسؤولية كافة الكوارث، التي يعيشيها لبنان منذ 15 عاماً، بسبب سطوته على القرار الحكومي وانخراطه في تحالفات إقليمية أوقعت لبنان في عزلة دولية، مطالباً نزع سلاح الحزب.
تعليقاً على تحليلات “عيتاني” يكشف مصدر مطلع لمرصد مينا، أن أوساط الحزب في الحكومة اللبنانية مهدت خلال زيارة الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون” إلى بيروت، إلى استعدادها لمناقشة الحد من تواجدها في سوريا، في ظل أنباء عن وجود نية لدى قيادة الحزب بالاحتفاظ بقليل من العناصر في مناطق محاذية للحدود السورية-اللبنانية، مشيراً إلى أنها المرة الأولى، التي يبدي فيها حزب الله مرونةً تجاه تورطه في الحرب السورية منذ 2011.
وكان حزب الله قد اعترف عام 2012، بتواجد قوات له تقاتل إلى جانب قوات النظام السوري، كما أعلنت قيادة الحزب قبل أسابيع قليلة سبقت انفجار بيروت، رفضها لمبدأ حياد لبنان، ووصفته بأنه دعم لإسرائيل.
الحديث عن إمكانية أن يضحي حزب الله بوجوده في سوريا مقابل الاحتفاظ بسلاحه، يصفه الباحث في شؤون الجماعات والتنظيمات المتشددة، “عامر جودة”، بأنه خيار منطقي من الناحية العملية، قد يلجأ إليه الحزب، موضحاً: “قيادة حزب الله ومن خلفها إيران، باتت متيقنة تماماً بأن مسألة الاحتفاظ بالوجود العسكري الدائم على الأراضي السورية بات مستحيلاً في ظل الوجود الروسي وسيطرته على مجريات الأحداث هناك، وأن مسألة الخروج من سوريا ليست إلا مسألة وقت، وبالتالي إن فكر الحزب وداعميه الإيرانيين بشكل واقعي، فإن هذا الخيار قد يوفر عليهم المزيد من الضغط ويقلل من خسائرهم في المستقبل”.
كما يشير “جودة” إلى أن تنفيذ انسحاب من قبل عناصر حزب الله لن يكون بالأمر السهل، خاصة وأنه سيخلق فراغاً كبيراً بالنسبة للإيرانيين، ولكنه سبقى أفضل من أن يواجه حزب الله ما تواجهه الميليشيات العراقية، التي بدأ الجيش العراقي بحملة لنزع سلاحها في البصرة، على حد قوله، لافتاً إلى أن نزع سلاح حزب الله في لبنان إن تم فسيعني نهاية كاملة لحلم إيران ومشروعها في الشرق الأوسط.
مطالب واضحة وسلاح ممنوع خارج الحدود
تناولاً لقضية سحب عناصر حزب الله من سوريا، يؤكد مسؤول لبناني سابق، فضل عم الكشف عن هويته، بأن كافة الطلبات الدولية المرتبطة بإعادة المساعدات إلى لبنان، تتمحور حول سلاح حزب الله خارج الحدود اللبنانية، ولم تتناول على الإطلاق مسألة سلاحه على المستوى الداخلي، موضحاً: “حتى الطلبات المتعلقة بالشأن الداخلي، لم تشر إلى نزع سلاح الحزب ولا بإقصائه، واكتفت بمسائل الفساد وبعض الإصلاحات، فالمشكلة ليست بفكرة سيطرته على الحكومة ولا على القرار اللبناني، وإنما في ربط ذلك القرار بالتوجهات الإيرانية”.
وكانت مصادر دبلوماسية قد كشفت قبل أيام عن ما جرى بين “ماكرون” والنائب عن حزب الله في البرلمان اللبناني، “محمد رعد”، حيث دعاه الرئيس الفرنسي إلى تذكر أنهم لبنانيين وليسوا إيرانيين وأن يعملوا لمصلحة بلدهم، كما اعتبر “ماكرون” في تصريحات علنية أن حزب الله هو جزء من النسيج السياسي اللبناني.
أما عن ما يدور خلف كواليس السياسية الدولية في لبنان، يشير المسؤول السابق، إلى أن كافة الاجتماعات البعيدة عن الإعلام لم تتناول مسألة استخدام سلاح لبنان في الساحة الداخلية، مذكراً أن حتى التصريحات العلنية للمسؤولين الغربيين، كانت مرتبطة بترسيخ مبدأ حياد لبنان، وهو ما يجعل من ورقة الانسحاب من سوريا، ورقة قوية بيد الحزب في خطته للاحتفاظ بسلاحه، وفقاً لرأي المسؤول السابق.
ترجيحات وخطوة إلى الوراء
أمام وضوح الرؤية لما يهم المجتمع الدولي في حياد لبنان، يرجح المحلل السياسي، “مروان فقيه” أن يتخذ حزب الله خطوة إلى الوراء في إطار المشروع الإيراني في الشرق الأوسط، من خلال الموافقة على الانسحاب من سوريا، راداً ذلك إلى تيقنه “أي الحزب” بأن روسيا لن تسمح ببقائه، بالإضافة ضرورة الحد من الخسائر البشرية التي يتلقاها في سوريا نتيجة الغارات الإسرائيلية المتكررة، إلى جانب رغبة الحزب باخذ استراحة بعد حرب استنزاف طويلة خاضها لمدة 9 سنوات متواصلة.
وعلى الرغم من مرارة الفكرة بالنسبة لهما، يؤكد “فقيه” لمرصد مينا، أن حزب الله وإيران، أدركوا في وعيهم أو لا وعيهم أن مشروعهم في سوريا سقط، وأن الانخراط في حرب مستمرة منذ 9 سنوات كان خياراً فاشلاً على الرغم من حتميته، لافتاً إلى أن مراقبة الأنشطة الإيرانية في سوريا ومحاولة توجيهها إلى المشاريع الاقتصادية ومحاولة خلق بيئة سورية شيعية حاضنة لها في محيط دمشق، هو دليل على إدراكها بأن مستقبل ميليشياتها في سوريا بات في مهب الريح الروسية، ما قد يدفعها إلى تأييد فكرة أن يخرج الحزب من المعادلة السورية وأن يحتفظ بسلاحه على الساحة اللبنانية.
وسبق لمصادر سورية من داخل محافظة ريف دمشق، أن كشفت لمرصد مينا قبل ما يزيد عن العشرة أيام، تصاعداُ في عمليات شراء المنازل والعقارات في منطقة السيدة زينب جنوب دمشق خلال العام الجاري، لافتةً إلى أن كافة عمليات الشراء تلك تتم لصالح سوريين منحدرين مناطق ذات أغلبية شيعية في كل من ريف حلب وإدلب وحمص، فيما بدا انه مشروع لخلق ضاحية جنوبية جديدةفي العاصمة السورية دمشق، على حد قول المصادر.