بعد أن حققت الحلم القيصري، ووصلت إلى المياه الدافئة في البحر الأبيض المتوسط، وباتت على مقربة من النشاط العسكري الأمريكي فيه، أجرت روسيا التوسعية مناورات عسكرية في المتوسط، ما أثار أسئلة حول مخططات روسيا المستقبلية.
فقد أعلنت وسائل الإعلام الروسية، اليوم الاثنين، عن إجراء مناورات عسكرية روسية، في البحر الأبيض المتوسط، وبحسب ما أوردته وسائل الإعلام تلك، فإن المناورات كانت مشتركة للأسطول العسكري والقوات الجوية الفضائية الروسية، في إطار الاختبار النهائي للاستعداد القتالي، حيث شارك في هذه المناورات أكثر من 5 سفن حربية بالإضافة إلى سفن الإمدادات.
وتحدث قائد القيادة السريعة في منطقة العمليات البعيدة العقيد البحري “سيرغي ترونيف” للصحفيين، أن الميزة الرئيسية للمناورات الحالية تنحصر في مشاركة مجموعة مختلفة جدا فيها ضمت سفن تابعة لأسطولي البحر الأسود وبحر البلطيق.
بالإضافة إلى سفن الإمدادات، ومنظومة “باستيون” الصاروخية الساحلية، والطائرات التابعة للقوات الجوية الفضائية الروسية، والقوارب القتالية لأسطول البحر الأسود.
وقال “ترونيف”: “انتهت حتى الآن المرحلة النشيطة للمناورات . . . وتمت خلالها تجربة تنظيم استخدام الأسلحة الصاروخية والمدفعية، كما تمت تجربة عناصر حماية وحراسة الملاحة في المنطقة المعينة التي تشرف عليها وحدات الأسطول العسكري، وتم تحقيق نتائج إيجابية أثناء المناورات”.
وأضاف العقيد البحري الروسي: “تنفذ هذه القوات مهام ضمان أمن الملاحة والدفاع المضاد للغواصات والطائرات والتخريبات، ومراقبة السفن التابعة للقوات المسلحة الأجنبية المتواجدة شرق المتوسط”.
أصل المسألة
أطماع روسيا في مياه البحر الأبيض المتوسط “الدافئة” هي امتداد لأطماع توسعية، قديمة نشأت منذ عهد روسيا القيصرية، ثم أطلت برأسها بعد الثورة البلشفية عام 1917، فقد كان القياصرة الروس مثل بطرس الأكبر، وكاترين الثانية، يسعون بكل سبيل، للوصول إلى مياه البحر الأبيض المتوسط الدافئة.
حيث طريق الهند، وحيث سواحل شمال إفريقيا.. فقامت روسيا، كمرحلة أولي، بالسيطرة على شواطيء البحر الأسود الشمالية ومعظم سواحله الشرقية حتى جنوبي باتوم -الحدود الروسية التركية الحالية-، وذلك في القرنين الثامن عشروالتاسع عشر، بعد هزيمتها للإمبراطورية العثمانية.
بدأت روسيا بعدها في المرحلة ثانية من أجل الوصول للبحر الأبيض المتوسط، حينها أخذت روسيا تسعي للوصول للمتوسط، عن طريق بحر مرمرة، ومضايق البسفور والدردنيل، لولا هزيمتها أمام ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، وفي وجه هذا الخطر السوفيتي كانت أمريكا وبريطانيا قد سعتا لإقامة أحلاف عسكرية دفاعية مع دول الشرق الأوسط، لحماية هذه الدول أمام الزحف السوفيتي، لحماية مصالح الدول الغربية البترولية والعسكرية، لكن الدول العربية حينها نظرت للأمر على أنه استعمار فرفضت المساعدات الأوربية والأمريكية، ومالت للمعسكر الروسي.
خطط بعيدة المدى
صممت روسيا خططاً للحفاظ على الدول الشرقية في معسكرها، منها احتواء حركات التحرر، والمعارضة مع الاحتفاظ بحبل الود مع القادة السياسيين، فهي تمسك العصا من المنتصف، وهذا ما تفعله اليوم حقيقة في الوضع السوري الراهن، فمع موقفها الصريح والمعلن المنحاز والداعم لرأس النظام السوري “بشار الأسد”.
إلا أنها لم تترك المعارضة وحيدة للأوربيين والأمريكان ولا حتى لتركيا، فأنشأت منصة موسكو ضمت فيها الطيف الأضعف وطنية من المعارضة السورية، كما أنها عملت على استضافة مؤتمرات الحل السياسي، واستمالة ودعمت شخصيات لامعة محسوبة على المعارضة.
كما تعمل روسيا وفق خططها البعيدة المدى، على زرع جيوب عسكرية لها في دول الشرق، وفق معاهدات طويلة الأمد، منها الاتفاقات التي اشترت بموجبها أراضي سورية لمئة عام، وفق المعلومات المسربة حتى الآن، لكن هناك اتفاقات ما تزال سرية.
وتعرف روسيا بأنها مصابة بجنون الحرب، على مبدأ جنون العظمة، فلم تتمكن من نسيان قيصريتها الميتة حتى الآن، وما زالت الأطماع القيصيرية تسيطر على خططها التوسعية حتى الآن.
أمريكا والمتوسط
يعتبر الأسطول السادس قوة الولايات المتحدة الضاربة في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وتتوزع قواعده على عدة مناطق بدول الحوض المتوسطي خاصة إيطاليا وإسبانيا.
ويتمركز هذا الأسطول في وسط البحر المتوسط أو الجزء الشرقي منه ويوجد مقر قيادته بمدينة “نابولي” الإيطالية، وهو يتكون من حوالي 40 قطعة بحرية تشرف عليها قوة بشرية قوامها نحو 21 ألف عسكري.
كما يضم هذا الأسطول حاملة طائرات أو حاملتين –حسب التطورات السياسية أو العسكرية في المنطقة- وثلاث غواصات نووية إضافة إلى نحو 170 طائرة وعدد من الطرادات والمدمرات والفرقاطات الحاملة للصورايخ الموجهة التي يبلغ عددها حوالي عشرين.
ويحوي الأسطول الأمريكي السادس الموجود في البحر الأبيض المتوسط، قطعاً بحرية تشرف على عمليات التأمين والاستطلاع ومروحيات وطائرات للنقل الثقيل والنقل المتوسط وطائرات بدون طيار، ويقع مركز قيادته الرئيسية في مدينة غاييتا جنوبي إيطاليا.
أما مهام الأسطول فتتمثل أساسا في القيام بعمليات في البلدان القريبة من المنطقة التي قد تندلع فيها حروب ونزاعات، والسيطرة على مداخل البحر المتوسط خاصة مضيق جبل طارق في الغرب وقناة السويس، إضافة إلى خلق نوع من الضغط السياسي على دول المنطقة المتوسطية.
وتستطيع قوات الأسطول التحرك نحو أي منطقة في محيط البحر المتوسط والقيام بعمليات إنزال جوية أو برمائية، والقيام بعمليات انتشار للوحدات العسكرية خلال فترة زمنية لا تتجاوز 24 ساعة.
وللأسطول -إضافة إلى قاعدة نابولي الرئيسية- عدد من القواعد موزعة على مناطق عديدة بدول الحوض المتوسطي، ومن أبرزها “ليفورنو” و”إسبيزيا” بإيطاليا و”حيفا” بفلسطين المحتلة و”سودا” باليونان و”سالونيك” بقبرص و”روتا” بإسبانيا. فهل المناورات الروسية كانت تحاكي استعدادات لحرب واقعية محتملة؟.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.