روسيا، والصين، وإيران، المعسكر الشرقي الجديد، والذي ينظر إليه الغرب بعين الريبة والقلق، بينما المحيط الهندي، وبحر عمان، تلك الجغرافية التي ربطت العالم، ما زالت تحت أطماع الدول المشرفة عليها، وتحت مراقبة الدول البعيدة عنها.
تطمح الدول الكبرى المطلة على المحيط الهندي وبحر عمان للاستفادة قدر الإمكان من هذا الممر المائي الضخم، ومن قدراته الاستراتيجية في مراقبة تحركات الدول الكبرى في الشمال والجنوب، حيث تتزعم هذه الدول الصين، التي تتقارب معها روسيا لتشكل تكتلاً يوازي التكتل الغربي الأمريكي، وللتمكن عبر هذا التقارب من الوصول إلى المحيط الهندي، وبحر عمان، ترغب الاثنتان بضم القوة النووية الإيرانية التي تشكل قلقاً للغرب ولأمريكا إلى صفهما، وهذا ما بدأ يحدث، تحت أنظار الغرب وأمريكا، التي تشكل الصين بالنسبة لها القوة المنافسة الصاعدة، بينما روسيا هي العدو القديم الجديد، وإيران صلة الوصل والقطع.
وفي هذا الإطار تمكنت روسيا والصين وإيران، ولأول مرة في تاريخ هذه البلدان من التنسيق والاتفاق على إجراء مناورات بحرية في المحيط الهندي وبحر عمان، ما يجعل التكتل الجديد أمراً قائماً بذاته.
حيث أعلن مساعد قائد القوة البحرية الإيرانية لشؤون العمليات الأدميرال “غلام رضا طحاني” انطلاق المناورات البحرية الكبرى بين إيران وروسيا والصين في شمال المحيط الهندي صباح اليوم الجمعة، بحسب وكالة الأنباء الإيرانية -إرنا-.
كان الناطق باسم الجيش الإيراني البرجادير جنرال “أبو الفضل شكارجي”، قد أعلن أول أمس الأربعاء أن المناورات البحرية المشتركة سوف تستمر أربعة أيام في شمال المحيط الهندي وبحر عمان.
وأضاف “شكارجي”، أن هذه المناورات هي لتبادل الخبرات بين القوات المسلحة للدول الثلاث، وكذلك من أهدافها الأخرى مواجهة الإرهاب والقرصنة البحرية، بحسب -إرنا-.
وتابع أن المحيط الهندي وبحر عمان من المناطق التجارية المهمة عالمياً وأن الكثير من الدول مطلة عليها، لذلك فإن استقرار الأمن والسلام في هذه المنطقة الحيوية مهم جداً.
حروب الظل
لم تعد الحروب هي عبارة عن حروب مواجهة بين القوى العسكرية والجنود، ولكنها انتقلت لتجري في الخفاء، وفق مصالح وقوى ضغط قائمة على المعلومات، وعلى الشخصيات البارزة، لذا فإن مثل هذه الحروب، وإن كانت صامتة فإن لها أثراً مدمراً مخيفاً.
وتعتمد حروب الظل المشتعلة اليوم في أكثر من ساحة من ساحات العالم، على المصالح التي تقود الدول للتكتلات، التي لن تكون بريئة، و أبرز ساحاتها الفضاءات الإلكترونية، والفضاءات الخارجية، مثل تلك التي حدثت عندما تدخل الروس في الانتخابات الأمريكية، دون أن يتمكن أحد من إمساك الدليل القاطع على ذلك، ومثال آخر على حروب الظل الشرسة، حرب التسابق العلمي والفضائي بين أمريكا والصين.
فروسيا والصين، يخوضان حرباً شرسة ضد الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، غير معلنة صامتة، لكن آثارها تظهر بقوة وبشكل جلي في سوريا، والآن في ليبيا، أي في عالمنا العربي على الأقل.
ويقول “جيم سكيتو” مؤلف كتاب “داخل العمليات الروسية والصينية السرية لهزيمة أمريكا”: “يرى القادة العسكريون الأمريكيون ومسؤولو الأمن القومي ومحللو الاستخبارات بشكل قاطع أن موسكو هي عدو واضح لدولتهم”.
فبما يخص روسيا؛ يعرض سكيتو فكرته ويشير إلى استطلاعات الرأي التي تشير إلى أن الجمهور الأمريكي لا يستوعب هذه الحقيقة بشكلٍ كامل، خاصة وأن الرئيس “دونالد ترامب” لم يتصرف أمام الأمريكيين وفق تلك الحقيقة، ولم يعترف بأن تصرفات روسيا تمثل تهديدًا محدقًا بالدولة الأمريكية”.
ويرى خبراء سياسيون أن الحالة الروسية الأمريكية، هي نوع من الحروب الصامتة التي لم يتمكن الأمريكيون من الجزم بحقها، ويرى “سكيتو”، أن هذه الحالة من عدم اليقين هي جزء أصيل من خطة الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، حيث إن الارتباك الأمريكي هو نتاج وهدف رئيسي لنوع جديد من الحرب النوعية التي تشنها موسكو، وهي حملة تستهدف بشكل منهجي “المجتمع الأمريكي الديمقراطي” المُنقسم سياسيًّا، والذي يعتمد اقتصاده وبيئته الإعلامية وأنظمة التصويت لديه على تقنيات إلكترونية ضعيفة، على حد قول المؤلف.
لكن الصين القوة الصاعدة التي تخيف الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية أيضاً، تنتهج سياسية متقاربة مع السياسية الروسية في الحرب ضد الولايات المتحدة الأمريكية، حيث لا يرغب أحد في الدخول مباشرةً بصراع قوى مع الدولة الأقوى في العالم، لكن للحروب الصامتة دور يماثل في قوته الحروب العسكرية المباشرة، إن لم يكن أقوى.
بدأت الصين حروبها الصامتة مع الولايات المتحدة الأمريكية، من سرقة الأسرار التجارية والحكومية للولايات المتحدة، إلى ضم مساحات من بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه إلى سيادتها، بل وعسكرته، ووصولًا إلى نشر أسلحة هجومية في الفضاء.
ويتهم سياسيون أمريكيون إدارة الرئيس السابق “باراك أوباما”، والأسبق “جورج بوش” الابن، بالتقصير في التعامل مع الهجوم الصيني، لكنهم يعترفون بجهود أجهزة الاستخبارات الأمريكية في تجديد أساليبها للتعامل مع الوضع الجديد.
أسوأ من الحرب العالمية الأولى
تقترب الصين وأمريكا من أعتاب حرب باردة وفق ما يراه وزير الخارجية الأمريكي الأسبق “هنري كسنجر”، الذي قال إنها ستكون أسوأ من الحرب العالمية الأولى.
ويرى “كسنجر”، أنه إذا واصل الطرفان –الصين وأمريكا- النظر إلى “كل قضية في العالم على أنها نزاع بينهما”، فقد يكون ذلك “خطيراً على البشرية”، لكنه استدرج وأكد، بما أن النزاعات بين الولايات المتحدة والصين كانت دائماً “غير فعلية” قد لا تكون النتائج كذلك، لكن “كيسنجر” حذر من أن واشنطن لا تملك إطاراً للتعامل مع بيجين “كقوة عسكرية”.
وقال كيسنجر: “من وجهة نظري، فإن هذه الحقيقة تجعل من المهم بذل جهد حقيقي لفهم الأسباب السياسية لفترة التوتر الحالية، وأهمية التزام الطرفين بمحاولة التغلب على هذه الأسباب… والوقت لم يتأخر تماماً لكي نقوم بهذا الجهد؛ لأننا ما زلنا على أعتاب حرب باردة”.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.