انجلى غبار المعركة، وبدأت ملامح الخريطة الجديدة للتفاهمات الدولية في سوريا، تتضح شيئاً فشيئاً، حيث تمكن النظام السوري بعد سنوات من العودة إلى شمال البلاد، وولدت المنطقة الآمنة بعملية عسكرية تركية ومراقبة أمريكية، وضوء أخضر دولي رغم غياب التبني الظاهري له.
فبعد العقوبات الأمريكية، على وزراء أتراك وترقب أوروبي لمجريات الأحداث في شمال سوريا، أعلن صباح اليوم الثلاثاء، الرئيس التركي “رجب طيب أروغان”، عن انشاء المنطقة الآمنة شمال سوريا.
وأوضح “أردوغان”، أن المنطقة الآمنة تمتد بعمق 32 كم وبطول 444 كم ضمن الأراضي السورية.
وكان الرئيس التركي، قد أعلن بداية انطلاق العملية العسكرية التركية “نبع السلام” شمال سوريا، أن الهدف الرئيسي للعملية هو إنشاء منطقة آمنة وإعادة اللاجئين السوريين إليها، تزامناً مع تهديده لأوروبا بفتح الحدود التركية الأوربية أمام موجة لجوء أكبر من التي حدثت في عام 2015.
فيما يخشى الشعب السوري، من أن تكون ما تسمى بـ “المنطقة الآمنة” التي ولدت اليوم في سورية بأيدي تركية، نواة لتقسيم البلاد التي أنهكتها الحرب، وكذلك لعب بديموغرافيتها السكانية، خاصة مع ما يحاك لهم تحت الطاولة، من إعادة توطين الذين هجرهم بشار الأسد، في منازل السوريين الذين هجرهم أردوغان.
وأعلن “أردوغان” إنشاء المنطقة الآمنة على هامش أعمال مؤتمر الدول الناطقة بالتركية في العاصمة الأذربيجانية “باكو”، وادعى “أردوغان” أن بلاده قدمت 40 مليار دولار للاجئين السوريين ولإنشاء المنطقة الآمنة، دون الحصول على مساعدة من أي دولة أيدت الفكرة، وقال في هذا الصدد: “الدعم المقدم حتى اليوم لقرابة 4 ملايين من طالبي الحماية في بلدنا معروف، ونفقاتنا تجاوزت 40 مليار دولار، وقلت لجميع القادة تقريبا، هلمّوا لنعلن شمالي سوريا منطقة آمنة، الكل قال جميل، ولكن عند تقديم الدعم لم يخرج ولا قرش من جيوبهم”.
مستقبل مجهول
يخشى آلاف السوريين المقيمين في مدن تركية عديدة، إجبارهم على العودة إلى المنطقة الآمنة في شمال سوريا، كون المكان غير مؤهل ومعرض لخطر عناصر “داعش” الذين هربوا من سجون مليشيات “قسد”، خاصة وأن الكثير منهم أقام في تركيا مشاريع استثمارية صغيرة ومتوسطة لبناء حياة جديدة.
وكانت السلطات التركية قد رحلت في الشهرين الماضيين مئات السوريين إلى شمال سوريا “محافظة إدلب” بعضهم من حاملي بطاقة الحماية المؤقتة “الكملك”.
كما أن البعض منهم يمتلك مشاريع ومحال تجارية في مكان إقامته بتركيا، لكن القرارات التركية المفاجئة أتت على أحلام هؤلاء الهاربين من جحيم الحرب، كما مزقت أسراً بين سوريا وتركيا، وسط تعقيدات وعرقلة في استخراج الأوراق الرسمية المطلوبة لاستصدار “الكملك” أو بطاقة الحماية المؤقتة.
الشارع الأزرق
يرى بعض السوريين، أن الحملة العسكرية التركية في شمال سوريا، لم تكن سوى حصد للتفاهمات الدولية، وقال “محمد الرمح” على حسابه الشخصي في فيس بوك، وهو سوري يعمل في مركز دراسات: “المنطقة الآمنة هي صفقة دولية وحل للدول التي ذاقت ذرعاً بنا، وليست حلاً للنازحين والمهجرين”، ويرى الرمح أن الحل يكمن في عودة السوريين إلى بيوتهم، بحرية وكرامة.
ووصف المؤرخ السوري في فيس بوك “هيثم خوري” عملية “نبع السلام”، وما أسفرت عنه من ادعاء إقامة “منطقة آمنة” بعمل مخابراتي أمريكي: “أعود فاكرر لم أر في حياتي رئيساً وقحا كترامب، ما كانت تفعله أجهزه المخابرات العالمية في السر تعليق الناس ببعضها البعض هو يفعله في العلن”.
وتابع خوري في منشوره الذي نشره على حسابه الخاص في موقع فيس بوك الشهير: “فهو قال لأردوغان أن يدخل سوريا، ثم قال لقوات سوريا الديمقراطيه أن تتفق مع النظام، و أوحى للروس أن يساعدوا النظام في الوصول إلى القامشلي وعين العرب، ومازال وضع منبج معلقا” واختتم قائلاً: ” يعني الأخ علق كل الناس ببعضها عينك عينك وعالمكشوف وفوق كل هذا هو يعد الأكراد بأنه يعمل كل جهده لحمايتهم!!!”.
وادعت السياسية الكردية “عهد الهنيدي” المقيمة في واشنطن، أن “ترامب” عندما طلب من تركيا إيقاف العملية العسكري في سوريا اتصل بداية بقائد قوات سوريا الديمقراطية “مظلوم عبدي” من ثم اتصل بـ “أردوغان” وأبلغه ضرورة إنهاء العملية، دون أن تقدم دليل، وأبدت سخطها من العملية العسكرية التي تمت في مناطق سيطرة “قسد” بعد أن سحبت القوات الأمريكة “حلفاء الكرد” جنودها مخلية المكان للقوات التركية.
وتتوالى التعلقيات الكردية الساخطة على طريقة تعامل أمريكا مع الملف الكردي، بعد أن وصفهم ترامب سابقاً بـ “الحلفاء” بينما طلب أمس في تغريدة له من “نابليون بونابارت” مساعدتهم.
كما علّق السوريون العالقون بين قرارات تركيا وأمريكا على عما يجري شمال بلادهم “نحن داخلين مع أم العروس طالعين مع أم العريس” في إشارة إلى ضياع القرار العربي والسوري خاصة في الأحداث المصيرية التي تجري على حدودهم الشمالية.
وينقسم السوريون بحسب البلد الذي يعيشون فيه بين مؤيد ومعارض للعملية العسكرية التركية وما نجم عنها، باعتبار أنهم الحلقة الأضعف في المجتمعات الجديدة التي باتوا ثقيلي الوجود فيها، بلا دولة مدافعة عنهم وتضمن لهم الحرية والكرامة.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.