مع تصاعد معدلات تهريب المخدرات من لبنان إلى عدة دول في المنطقة والعالم، وتحول منطقة البقاع اللبناني إلى قلب زراعة الحشيش ومهدها، بدأ العديد من الباحثين بإطلاق وصف “أفغانستان الشرق” على لبنان، الذي كان يوصف لعقود ماضية بأنه سويسرا الشرق، لاسيما مع تحول بنوكه في فترة من الفترات إلى مركز مالي في الشرق الأوسط.
يشار إلى أن دول بينها اليونان وإيطاليا والأردن والسعودية قد أعلنت خلال السنوات والأشهر الماضية عن ضبطها كميات هائلة من شحنات المواد المخدرة، مصدرها لبنان، كان آخرها في السعودية، التي أحبطت دخول كميات كبيرة من المواد المخدرة إلى أراضيها، كانت مخبأة في شحنة فاكهة، ما دفع حكومة الرياض إلى إصدار قرار بحظر دخول المنتجات الزراعية اللبنانية إلى أراضيها قبل أسابيع قليلة.
ضريبة 7 أيار و14 شباط
التحول الكبير في وضع لبنان العالمي، يرتبط بحسب ما يراه المحلل السياسي، “ميشال بوصعب” بمتغيرات سياسية قادت إلى ما وصل إليه لبنان حالياً، لافتاً إلى أن أهم حدثين ساهما في ذلك التحول هما اغتيال رئيس الوزراء الأسبق، “رفيق الحريري” في 14 شباط 2005، والذي فقد به لبنان أحد أهم شرايين علاقاته مع دول العالم، والثاني هو أحداث 7 أيار 2008، والتي مهدت لسيطرة ميليشيات حزب الله شبه المطلقة على البلاد، خاصةً بعد التحالف بينه التيار الوطني الحر.
يذكر أن المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بلبنان، أدانت العام الماضي، القيادي في حزب الله “سليم عياش” بجريمة اغتيال “الحريري” عام 2005، وسط رفض الحزب تسليمه، معتبراً أن القرار مسيس.
كما يشير “بوصعب” إلى أن وضع حزب الله يده على الدولة أدى إلى عدة نتائج كارثية ليس فقط على المستوى السياسي فحسب وإنما حتى على المستوى الأمني والمالي والمعيشي وعلى مستوى الحريات العامة، موضحاً أن “سيطرة الحزب على مفاصل الدولة جعلته يتصرف وكأنه الدولة وربما أقوى من الدولة، يدخل متفجرات ويصفي خصوم ويوجه علاقات الدولة الخارجية ويقر الحرب بالإضافة إلى تطويع القوة المالية للبلاد ومخزونها من الدولار والقطع الأجنبي لدعم سياساته وتحالفاته، بعيداً عن مشاريع التنمية أو تحسين الدخل المحلي”.
يشار إلى أن حزب الله قد نشر في 7 أيار من العام 2008 قواته في لبنان وتحديداً في العاصمة بيروت، احتجاجاً على قرار رئيس الحكومة اللبنانية آنذاك، “فؤاد السنيورة”، بمصادرة شبكة الاتصالات التابعة لسلاح الإشارة الخاص بحزب الله وإقالة قائد جهاز أمن مطار بيروت الدولي، العميد “وفيق شقير”.
هنا يقول “بوصعب”: “حزب الله منذ ذلك الوقت دخل في مرحلة تحدي الدولة والذي يبدو أنه تمكن من الفوز به، بتحويل لبنان إلى دولة تديرها ميليشيات مسلحة تفوق في قوتها الأجهزة الرسمية بكافة مستوياتها، وبالتالي بات لبنان فعلياً وعملياً، أفغانستان جديدة ولكن بشكل أكثر تطوراً”، لافتاً إلى أن حزب الله ومنذ 2008 أدار بندقيته إلى لبنان لفرض تبني سياسات وتحالفات إقليمية، عنوانها الأبرز “تصدير الثورة الإسلامية في إيران”.
مقاومة الحشيش
الجانب الاقتصادي والمعيشي كان من بين أكثر الجوانب تضرراً في لبنان جراء المتغيرات التي شهدها خلال نحو 15 عاماً، بحسب ما يقوله المحلل الاقتصادي “منير شاهين”، لافتاً إلى أن أول المؤشرات على التدهور الاقتصادي الرسمي يبدأ من حجم الدين العام، الذي ارتفع من 38 مليار دولار في العام 2005 إلى 92.2 مليار دولار في نهاية نيسان 2020.
كما أرجع “شاهين” هذا الارتفاع المهول إلى مجموعة من العناصر، أولها الفشل الحكومي الناجم عن هيمنة طيف واحد على المعادلة السياسية في البلاد، سواء من خلال التحالفات واستغلال المحاصصة الطائفية الواردة في اتفاق الطائف أو من خلال استغلال قوته التسليحية في إشارة إلى ميليشيات حزب الله، لافتاً إلى أن حالة التزاوج السياسي بين حزب الله والتيار الوطني الحر كانت أكبر كارثة على لبنان واقتصاده، كونها وضعت كافة إمكانيات البلاد بيدهما، تحديداً بعد وصول “ميشال عون” إلى سدة الرئاسة.
في السياق ذاته يضيف “شاهين” أيضاً عوامل أخرى للأزمة الاقتصادية في لبنان خاصةً بعد 2011، واندلاع الثورة السورية، موضحاً: “مع حالة الانهيار الاقتصادي للنظام السوري وتورط الحزب بالحرب هناك بدأ الأخير ومن خلال سيطرته على وزارة المالية وقطاع الصيرفة والمعابر الحدودية غير الشرعية، باستنزاف القطع الأجنبي المتوفر في البلاد لدعم عملياته العسكرية وحليفه النظام السوري، لا سيما مع تراجع قدرة إيران المالية ووقوعها بأزمة بفعل العقوبات المفروضة عليها، وهو ما أوصل لبنان إلى أزمة فقدان الدولار، التي كانت قاصمة لظهر المواطن”.
مع تواصل حالة الاستنزاف المالي للبنان وبدء عمليات الحصار الدولي بسبب سياسات حزب الله، خاصةً مع تصنيف الحزب على قوائم الإرهاب في الولايات المتحدة وأوروبا وبعض الدول العربية، لم يبق أمام الحزب إلا تحويل لبنان إلى مزرعة حشيش لتغطية نفقاته، بحسب ما يقوله، الباحث في الشؤون اللبنانية، “زين العوض”، معتبراً أن الحزب استفاد في ذلك من سيطرته على الحدود السورية – اللبنانية وانتشاره القريب من الحدود السورية -الأردنية، وسيطرة الميليشيات المدعومة من إيران على الحدود السورية – العراقية، إلى جانب هيمنته على المعابر الحدودية والموانئ والمطار في لبنان، ليعزز عمليات التهريب.
ويضيف “العوض”: “صورة لبنان الحالية، من حيث سيطرة ميليشيات على الحكم، وارتفاع معدلات الفقر والحاجة وتحوله إلى مزرعة حشيش، كل هذا يجعل منه أفغانستان جديدة في الشرق الأوسط، الدولة اللبنانية الآن محاصرة وغير قادرة حتى على تشكيل حكومة أو إشباع مواطن”، لافتاً إلى أن كل ذلك سببه ما وصفه بـ “مقاومة الحشيش”.
يذكر أن معدلات الفقر في لبنان قد وصلت نهاية العام الماضي إلى 54 في المئة بحسب برنامج الأمم المتحدة، مبيناً أن 25 بالمئة من اللبنانيين يعيشون في فقر مدقع وغير قادرين على تأمين تكاليف أبسط مستلزمات الحياة.
شيكاغو.. جريمة ودعارة
غير بعيد عن الملف الاقتصادي، وربما كواحدٍ من منعكسات الأزمة الاقتصادي، تبرز مخاوف من إمكانية ارتفاع معدلات الجريمة في البلاد، وفقاً لما يقوله “العوض”، لافتاً إلى أن البيئة التي يعيش بها اللبنانيون وغياب قانون الدولة ووجود قوى لبناني تحمي الفاسدين وتمنع معاقبتهم، كلها عوامل تساعد في تحول لبنان إلى شيكاغو تنتشر فيها العصابات.
يذكر أن آخر إحصاءات منظمة Fe-Male في لبنان كشفت عن ارتفاع نسبة جرائم القتل خلال العام 2020 بنسبة 59 بالمئة عن عام 2019، حيث سجل في العام الماضي 171 جريمة مقابل 100 جريمة عام 2019، بمعدل 18 جريمة قتل في الشهر.
كما كانت الإحصائيات الرسمية قد كشفت أيضاً عن ارتفاع معدلات سرقة السيارات بين عامي 2019 و2020 بنسبة 117 بالمئة وجرائم السرقة العادية ارتفعت من 1439 إلى 2252 بنسبة 56 بالمئة.
في ذات السياق، يضيف “العوض”: “مع استمرار الأزمة وتفاقمها فإن كل تلك الجرام ستستمر بالإرتفاع بشكل مطرد، فلبنان الآن لم يعد آمناً لا لشعبه ولا للاستثمارات ولا لضيوفه، وهذا ظهر فعلياً مع ظاهرة انطلاق قوارب اللاجئين اللبنانيين عبر البحر باتجاه قبرص”، لافتاً إلى أن الدعارة أيضاً باتت تتلقى الحماية من قبل متنفذين كونها عامل جذب للمال، مذكراً بعملية الكشف عن واحدة من أكبر شبكات الدعارة في تاريخ لبنان، والتي تم الكشف عنها عام 2016.
يشار إلى أن قوات الأمن اللبنانية أعلنت في عام 2016 عن تفكيكها لأكبر شبكة للدعارة في البلاد والتي تضم 75 امرأة، مشيرةً إلى أن النساء تعرضن للضرب والاغتصاب، كما حملت بعضهن آثار تمزق أجزاء من أجسادهن، وأنه تم الإفراج عنهن.
أمام كل تلك المعطيات، يصف “العوض” لبنان بأنه شيكاغو المفخخة، لافتاً إلى أن انفجار مرفأ بيروت، الذي خلف 200 قتيل و6 آلاف جريح و300 ألف مشرد، أضاف على الوضع المأساوي في لبنان، خطر آخر قد يودي بحياة اللبنانيين في أي لحظة.