تعالت الأصوات المبشرة برحيل بشار الأسد على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية في الأسبوع الفائت بما لم يسبق أن حدث، وذلك عقب تصريحات ومواقف من الصحافة الروسية اعتبرها بهجت سليمان أحد اعمدة النظام الأمنية (اختراقًا اسرائيليًا للإعلام الروسي)، وكان الموقف الروسي غير المباشر الرافض لتصريحات ومواقف الأسد، قد ظهر منذ فترة أبعد من اليوم، فقد سبق وأن ظهر رئيس النظام السوري بشار الأسد في مقابلة على قنواته الحكومية نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ليعبر عن تنصُّل نظامه من مسار العملية السياسية وحدّها الأدنى المتمثل باللجنة الدستورية، وتسخيف دورها المنتظر، وبعد هذه التصريحات بأيام، انتقدت وكالة الأنباء الروسية الحكومية “تاس” الأسد صراحةً، لموقفه المتنصل من اللجنة الدستورية، واتهمت النظام بعرقلة أعمال اللجنة، لأنه “لا يريد أن تحقق اللجنة نجاحاً وتصل إلى غايتها في إجراء انتخابات رئاسية حرة بإشراف أممي”.
هذا وكانت صحيفة “زافترا” الروسية، قد وجهت في مقال ترجمته روسيا اليوم النسخة العربية وأعادت نشره، انتقادات لاذعة وأكثر صراحة إلى رئيس النظام السوري، الذي اعتبرت تصريحاته “غير مقبولة” في ما يتعلق باللجنة الدستورية.
وذكّرَت الصحيفة الأسد بأن روسيا لعبت دوراً رئيسيّاً في تثبيته بالحكم، وأن روسيا، في نفس الوقت، لا يمكنها أن تضمن بقاءه في منصب الرئاسة إذا ما جرت انتخابات رئاسية جديدة تتمتع بالشفافية وتحت إشراف أممي، لأن الأسد لن يتمكن هذه المرة من الفوز بالانتخابات بنسبة عالية كما في السابق، وذهب إلى القول بأنه “قد لا يفوز إطلاقاً”، مؤكّدة أن غالبية السوريين يريدون تغييراً كاملاً في شكل النظام في سوريا.
أما صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” المقربة من الكرملين، فقد وجهت نقداً مزودجاً، شمل نظام الأسد وإيران، التي رأت الصحيفة أن الأسد سمح لها بإجراء تغييرات ديموغرافية عديدة في عدة مناطق ذات غالبية سنية، فيما مارس النظام جميع أشكال القمع بحقّ بعض القبائل المحلية، كما أهمل سلطة شيوخ العشائر.
وحذّرَت الصحيفة من أن النظام السوري في حال لم يغيّر سياسته هذه، فإن روسيا لا يمكنها حمايته من جميع الأخطار المحدقة به في كل مرة.
وكان كتاب ومحللون قد رافقوا الحملة الروسية ليرى الكاتب العربي محمود عثمان بأن “الأسد يدرك جيداً أن الروس قد باعوه وعرضوه سلعة منذ كانوا يستدعونه إلى موسكو بطريقة مهينة دون مرافقة أو استقبال رسمي، مجرداً من كل شيء” مستطرداً: “أيضاً لا أحد ينسى مظهره في قاعدة حميميم عندما يوقفه ضابط روسي ويمنعه من التقدم والذهاب إلى جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين”.
ويضيف عثمان في حديث لـTRT عربي، أن “كل هذه الصور علمها العالم ورآها من خلال تسريبات روسيا نفسها، وقُرِئَت على أنها عرض روسيا بشار الأسد للبيع مقابل ثمن سياسي، لكن الأمريكيين لم يُبدُوا أي حماسة لشراء هذه البضاعة البائرة، فأبقى الروس على الأسد، وهكذا يستخدمونه ورقة للضغط وللوجود على الطاولة السورية”.
ويبدو أن الخلاف بين الأسد وروسيا يتعدى مسألة اللجنة الدستورية ومسار العملية السياسية برمتها إلى ما هو أعمق وأكثر مساساً بمصالحها، إذ يحاول الأسد تجاوز روسيا أحياناً مستنداً إلى الأجندة الإيرانية.
فالهجوم الإعلامي الروسي على الأسد كان مرَدُّه آنذاك “إدراك روسيا نقطة مهمة، هي سيطرة إيران على قرار بشار الأسد، بخاصة أن الحرس الثوري الإيراني دخل مؤخراً على خط المعارك في ريف اللاذقية، في حين تعمل روسيا على التزام بتفاهماتها مع تركيا حول شمال غرب سوريا”، كما يقول المحلل السياسي السوري فراس فحام.
ويوضح “فحام”، ذلك في حديث لـTRT عربي بقوله: “نظام الأسد يعمل على اللعب على التناقضات بين روسيا وإيران من أجل الاستمرار في الحكم، وروسيا تدرك أنها أمام استحقاقات لا يمكن تجاوزها، لأن المجتمع الدولي يطلب الانتقال السياسي من أجل تمويل إعادة الإعمار في سوريا، ودون هذا التمويل لن تتمكن موسكو من جني أرباح تدخُّلها العسكري في الصراع السوري”.
ويرى “فحام” أن “الأسد ومصيره تفصيل صغير في الصراع السوري، وباعتقادي أن روسيا ستضحي به في لحظة فارقة، لكن بعد أن تستخدمه في إرساء نفوذها بسوريا تحت ستار العقود مع الحكومة الشرعية من أجل شرعنة هذا النفوذ وجعله مُلزِماً للحكومات التالية التي ستأتي بعد الإطاحة بالأسد”.
ويبدو أن روسيا لم تكتفِ بتوبيخ الأسد عبر صحافتها، فرتّبَت مقابلة له مع تليفزيون روسيا اليوم الإنجليزي، ، لم يوجه المذيع إليه خلالها سوى الأسئلة التي تتضمن أصعب الاتهامات وأكثرها إحراجاً لنظامه، في رسالة أخرى لشركاء روسيا مفادها أن تصريحات الأسد خارج الالتزامات والمصالح الروسية لا تعبر عن موقفه العملي الذي يمكن جلبه إليه قسراً عند الضرورة.
المصدر: TRT عربي
* واليوم.. ماقبل تنفيذ قانون قيصر
قانون قيصر والموقع من الرئيس الامريكي يثير قلقاً بالغاً لدى الروس وذلك وفقاً للدبلوماسي السابق ألكسندر أكسيونيونوك، ذلك أن الاتجاه الذي ستتطور فيه الأحداث في سوريا مهم بشكل خاص لموسكو.
إن التحديات الحقيقية لسوريا على المدى القصير تكمن في الاقتصاد ، وليس في التهديد الإرهابي. بين عامي 2011 و 2018 ، فقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنحو الثلثين – من 55 مليار دولار إلى 20 مليار دولار سنويًا. هذا يعني أن تكلفة استعادة سوريا (حسب التقديرات المحافظة تصل إلى 250 مليار دولار) سيكون ما لا يقل عن 12ضعف الناتج المحلي الإجمالي الحالي للبلاد. سقطت حياة 80٪ من السوريين خلال سنوات الحرب تحت خط الفقر ، وتم تقليص مدته بـ 20 سنة. البلد يعاني من نقص المتخصصين المؤهلين. وعلى هذه الخلفية ، تظهر مشاكل جديدة، كما أكدت القيادة الروسية العليا مرارًا وتكرارًا على الافتقار إلى حلول سياسية بديلة وضرورة تحقيق تسوية بين السوريين أنفسهم في الإطار القانوني الدولي.
• الغضب الروسي وقد بلغ أقصاه:
في هذا المناخ كشفت الصحافة الروسية كّمًا كبيرًا من الفضائح المالية التي تلاحق أسماء الأسد زوجة رئيس النظام السوري بشار الأسد، لتتتفاعل تلك المعلومات وسط معلومات متناقلة عن وقوف الروس خلفها، ما يعكس استياء حلفاء الأسد من الطريقة التي يُدار بها ما تبقى من اقتصاد محلي.
ومما لا شك فيه أن الغضب الروسي بلغ أقصاه، مع عجز النظام السوري عن تأمين الاحتياجات الغذائية بالحد الأدنى للسوريين، الأمر الذي يقوض كل ما قامت به روسيا عسكرياً لحماية هذا النظام، بينما ينشغل الأسد وزوجته بشراء لوحات فينة بمبالغ خيالية، وتمكين شركات تعود ملكيتها لشخصيات مقربة منهم.
ويبدو واضحاً أن الصراع بات على أشده بين الحرس الاقتصادي القديم الذي يمثله آل مخلوف، وبين تيار أسماء الأسد التي تسلمت إدارة الملف الاقتصادي من خلال رئاستها ل”الغرفة المالية التابعة للقصر الجمهوري”.
ويؤكد الباحث بالشأن الاقتصادي السوري، يونس الكريم، أن طريقة عمل شركة “تكامل” المتحكمة بما يسمى ب”البطاقة الذكية”، التي فجرت الخلاف وأظهرته إلى العلن، توضح حقيقة الدور الذي تقوم به أسماء الأسد، التي تحاول الاستئثار بمقدرات الدولة الاقتصادية، لصالح عائلتها (زوجها وأولادها).
ويوضح في حديث لموقع المدن، أن آل مخلوف ينظرون إلى “الغرفة” كأداة لتمويل مفاصل النظام الحيوية، لمواجهة أي خطر اقتصادي يهدد بسقوطه، بينما تتعامل أسماء مع “الغرفة” على أنها أداة لزيادة ثروة عائلتها.
وقال الكريم إنه “نتيجة للانقسام الحاصل بين أسماء ومخلوف بدأت تطفو الفضائح إلى العلن، حيث تستحوذ شركة “تكامل” المملوكة لابن خالة أسماء، مهند الدباغ، على مبالغ خيالية (1 في المئة، من قيمة كل معاملة تتم عن طريق البطاقة)”.
* ومع كورونا.. المزيد من الفضائح:
تداعيات كورونا أظهرت بوضوح أبعاد الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها نظام الأسد، الأزمة التي قد تصل بالاقتصاد إلى حد التمزق، وسوء إدارة الأسد لها، قد زاد من حدة الغضب الروسي، على النظام، لتوعز موسكو إلى مصادرها بتسريب بعض الفضائح الاقتصادية، بالاتفاق مع آل مخلوف.
وما أجّج غضب موسكو، عقد الأسد صفقة مع الإمارات لتعطيل التنسيق الروسي-التركي حول إدلب، مقابل تقاضي الأسد ملايين الدولارات من الإمارات، وفق الكريم، الذي أضاف أن روسيا “قامت على الفور بتسريب هذه الفضائح، لإيصال رسائل إلى الأسد وزوجته بالكف عن العبث، لأن هذه الطريقة تعارض مصالح روسيا الاقتصادية، وتحديداً جذب رؤوس الأموال للاستثمار في سوريا”.
كذلك تحاول روسيا من خلال تسريب هذه الفضائح، إجبار الأسد على تقديم تنازلات لصالح العملية السياسية (لجنة الدستور)، وفق الخبير بالشأن الروسي، الأكاديمي محمود الحمزة.
وقال الحمزة ل”المدن”، إن روسيا زادت من وتيرة ابتزازها للأسد، وبدأت تستخدم لهجة شديدة، مع اقتراب العمليات العسكرية في سوريا من نهايتها، مضيفا أنه “لم يبقَ أمام موسكو إلا تفعيل المسار السياسي، غير أن الوضع الاقتصادي المتدهور لا يساعد بحال من الأحوال على ذلك، وخصوصاً أن النقمة الشعبية والتذمر بلغا درجات خطيرة”.
صراع أسماء-مخلوف إلى أين؟
وقال الباحث يونس الكريم: “لا أحد من الطرفين سيقدم تنازلات للآخر، والآن هناك حالة قطيعة كاملة بينهما، وانتصار أي طرف تحكمه العلاقات الدولية، والحلفاء المحليين، وهذا ما سيفسح المجال لزيادة تغلغل روسيا في الاقتصاد السوري”.
وأضاف أنه “من الواضح أن أسماء ستبدأ بالبحث عن حلفاء جدد والصين على قائمتها، بينما سيحاول الأسد إيجاد حل وسطي، ما قد سيؤدي إلى اختفاء شخصيات بارزة عن الواجهة السياسية والاقتصادية، وظهور أخرى”.
تداعيات الصراع الاقتصادي ستكون قوية على السوريين وتحديداً في مناطق سيطرة النظام، فالروس يريدون من النظام سداد ديونه، ويرفضون إمداده بالقمح دون الدفع، فيما تنشغل إيران بمواجهة كورونا، ومتاعبها الاقتصادية.
• معركة الرئاسة السورية التي بدأت:
في إطار هذه الحملة على الرئيس الأسد وزوجته ، ذهب محللون آخرون لتحليل الدوافع الروسية بالتشهير بالأسد إلى القول بأنه “إما أن الرئيس بشار الاسد لم يدفع بدل عقود عمل لشركة “فاغنر” للمرتزقة الروس، أو أنه لم يدفع ثمن القمح الذي إشتراه من روسيا.. ليس هناك من سبب ثالث للاكتشاف الروسي المتأخر بأن نظامه فاسد وضعيف، وبلا مستقبل.
وكان الكاتب ساطع نور الدين قد اعتبر أن معايير السياسة في روسيا ليس لها منطق واضح. “هي تُبنى في الغالب على حسابات الربح والخسارة التي يعتمدها أي دكان صغير، لا أي مؤسسة كبرى، أو دولة عظمى. لذلك فإن الانطباع الاول الذي تكوّن جراء الحملة الاعلامية الروسية المنظمة على الاسد وأسرته ومحيطه، هو الابتزاز والضغط للحصول على المبالغ المستحقة، التي لم تحدد قيمتها الفعلية، ولم يُذكر ما إذا كانت تشمل صفقات السلاح والذخيرة التي كانت إيران ولا تزال تغطيها.” وتابع نور الدين القول:”لا يمكن لأحد أن يتصور ان روسيا، التي زجّت بجيشها ومرتزقتها وسلاحها الجوي والصاروخي في العام 2015 لحماية الاسد ومنعه من السقوط في غضون أسابيع، (حسب التقديرات الروسية والايرانية المعلنة رسميا في ذلك الحين) ، لم تكن تملك تلك المعلومة الراسخة عن أن فساد النظام السوري هو جزء من تكوينه، وتاليا هو الوجه الآخر لوحشيته”.
في تلك الفترة، كانت الفكرة السائدة هي أن إجتماع الفساد السوري مع الفساد الروسي الذي لا يزال يذهل العالم كله، سيؤدي الى حلف مقدس بين جهازين مافويين، يمكن ان يصمد لعقود طويلة، ويساهم في تعزيز قبضة النظامين على البلدين، مع غلبة واضحة للجهاز الروسي الضخم والقوي الذي يمكن ان يبتلع سوريا بسهولة فائقة.
لا دليل حتى الآن على أن تلك الحملة الروسية على الاسد وفريقه، تعني فك ذلك الحلف، بل ربما فقط تغيير بعض رموزه وقواعد عمله وإعادة توزيع مهامه وتقييم مصالحه المشتركة.. مستفيداً من تضاؤل الدور الايراني وندرة الاموال التي كانت طهران تضخها في شرايين النظام السوري، والتي فاقت كل ما دفعته جميع الدول العربية والاجنبية في تدخلاتها السابقة في الحرب السورية.
مقابل عدم التسليم المسبق بان فساد النظام السوري هو مشكلة روسيا الكبرى وهاجسها الاهم في سوريا، لا يمكن إستبعاد فرضية ان موسكو تساوم طهران بشكل غير مباشر على تغطية ديون الاسد المتراكمة، طالما أنها لا تزال تمتلك إحتياطياً نقدياً معقولاً، قدره الاميركيون أخيراً بنحو 110 مليارات دولار، بات النظام الايرانية يضيق في الإنفاق منها على حلفائه ووكلائه في الخارج ، في ظل أزمته الاقتصادية الخانقة التي تفاقمت جراء غزو فيروس كورونا القاتل.
في سياق الحملة الروسية الراهنة على النظام في دمشق ورد تفصيل مثير، وهو إستطلاع الرأي الذي أجراه معهد روسي رسمي مقرب من الكرملين، وأفادت نتائجه أن 23 بالمئة من السوريين فقط يؤيدون إعادة ترشيح الاسد في الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل. هنا أيضاً لا يبدو أن الروس يكشفون سراً دفيناً، يعرفه العالم أجمع، ولم يعد ينكره حتى أشد الموالين للاسد الذين يفقدون ثقته به يوماً بعد يوم.. وهم في الواقع أولئك الذين شملهم وحدهم الاستطلاع وجاهروا بموقفهم من النظام، من دون ان يميلوا طبعا الى المعارضة السورية، التي يدرك العالم أجمع أيضاً أنها لم تعد قادرة على نيل نسبة ال23 بالمئة!
في هذا التفصيل، يبدو أن الكرملين حسم أمره، وتخطى فكرة الابتزاز، أو ربما إرتقى بها الى مستويات أوسع وأشمل وأبعد من حدود سوريا..بناء على واحدة من أهم مفارقات التدخل الروسي في سوريا أن موقف القيادة الروسية من الأسد شخصيا، تدرج من عدم الثقة الى عدم التقدير الى عدم الاحترام وصولا الى الازدراء المعبر عنه أخيراً بطريقة لم يسبق لها مثيل.
ومن الوقائع المعروفة لذلك التدخل الذي لقي تأييداً بل ترحيباً عربياً ودولياً أن موسكو حاولت منذ اليوم الاول المساومة على الاسد، لكن أحداً من العرب والاميركيين والاوروبيين لم يبد إهتماماً. لكنها أوحت أكثر من مرة لجميع هؤلاء ان الاسد لن يكون بالضرورة مرشحها لولاية رئاسية جديدة، بل ربما لن يرشح نفسه للمعركة المقبلة المقررة العام 2021.
لعل هذا هو جوهر ما تقوله الحملة الروسية، التي تطلب من الاسد صراحة أن يستعد من الآن لترك الرئاسة العام المقبل، وتدعو الاخرين الى التفاوض على إسم الرئيس السوري المقبل.