هيئة التحرير
تفويض جديد يصدره رئيس الحكومة العراقية، “مصطفى الكاظمي”، للجيش العراقي بفرض الأمن والقضاء على ظاهرة انتشار السلاح المنفلت في الجنوب العراقي وتحديداً في البصرة، هو خطوة استثنائية، يرى فيها الخبير الأمني، “صلاح الباجه جي”، تأسيساً لوضع جديد في العراق قوامه الجيش، لافتاً في حديثه مع مرصد مينا، إلى أن حكومة “الكاظمي” ترسم علاقة جديدة بين الأجهزة العسكرية وبين الميليشيات، مختلفةً تماماً عن ما كانت عليه طيلة 17 عاماً ماضية.
وكان الجيش العراقي قد بدأ أمس، السبت، عملية عسكرية واسعة لجمع السلاح في البصرة، مؤكداً أنه لن يتهاون مع الانفلات الأمني وانتشار السلاح الخارج عن سلطة الدولة، بحسب ما أعلنه المتحدث باسم العمليات المشتركة، اللواء “تحسين الخفاجي”، وهو ما تبعه صدور قرار من “الكاظمي”، اليوم الأحد، بتوسيع صلاحيات الجيش في كامل مدن الجنوب العراقي.
ضرب في البصرة وألم في طهران
أهمية الخطوة الحكومية العراقية، بحسب ما يفسرها الخبير “الباجه جي”، تأتي من المنطقة العمليات من الناحية الجغرافية، جنوب العراق، وتحديداً مدينة البصرة، التي تعتبر المعقل الرئيسي للعديد من الميليشيات العراقية الموالية لإيران، لافتاً إلى أن بدء الجيش عمليته من البصرة يعني في كواليسه استهداف لسلاح الميليشيات في عقر دارها، حتى وإن لم يعلن ذلك صراحةً.
وتعتبر مدينة البصرة ذات الغالبية الشيعية، من أكبر المدن، التي يسود فيها حكم الميليشيات، والتي شهدت خلال الأشهر الأخيرة، سلسلة عمليات اغتيال للناشطين المعارضين للميليشيات ولإيران، بالإضافة إلى شن عناصر الميليشيات هجمات طالت خيام المعتصمين والاعتداء عليهم.
إلى جانب ذلك، يعتبر “الباجه جي” أن العملية كشفت عن تحولٍ في دور الجيش، في المشهد العراقي، خاصةً بعد إلغاء قرار رئيس الحكومة السابق، “عادل عبد المهدي”، الذي حد من مهام الجيش الأمنية في الجنوب، لافتاً إلى أن الجيش وقيادته طيلة 17 عاماً كانت ترتبط بالميليشيات وكان عملها يحكم بما تفرضه مصلحة تلك الميليشيات، خاصة مع وصول شخصيات مثل “نوري المالكي” و”ابراهيم الجعفري”، أشد الموالين لإيران، إلى الحكم في العراق.
غير بعيد عن التحليل الأمني، يشير الباحث في الشؤون العراقية، “عبد الله الدليمي” إلى أن ضرب الميليشيات في البصرة يقابله ألم في طهران، مضيفاً لمرصد مينا: “الجيش العراقي ولو بشكل نسبي بدأ بممارسة مهامه السيادية في البلاد ودوره في الحد من التدخلات الخارجية، وحماية الحدود، ولنقل بشكل أكثر وضوحاً، أن مجرد تحرك الجيش بهذه الطريقة يعني نجاح الكاظمي في أولى خطوات تطهير الدولة العراقية وأجهزتها من التبعية الإيرانية”.
وسبق “للكاظمي” أن أصدر خلال الأسابيع القليلة الماضية، عدة قرارات أقال خلالها عدد من المسؤولين العسكريين والأمنيين المقربين من إيران، كان أبرزهم رئيس هيئة الحشد الشعبي، “فالح الفياض”، الذي أقاله من منصبي مستشار الأمن القومي ورئيس جهاز الاستخبارات الوطنية.
خطوات متزامنة وسير على الطريق الصحيح
اتساع مهمة الحكومة الحالية، لتشمل ملفات شائكة، على رأسها ملف السيادة، يقتضي منها تحركات متزامنة، كونها تعالج عقود من الهيمنة والسيطرة الميليشيوية، وفقاً لما يقوله الخبير الأمني، “الباجه جي”، معتبراً أن مسألة السيادة تمر من نقطتين محوريتين، وهما تحرير الجيش والأجهزة الأمنية من الطابور الخامس الإيراني المنتشر فيها وبكل أجهزة الدولة، وثانيها الحد من القوة العسكرية للميليشيات، بما تمكن الحكومة من اتخاذ خطوات وقرارات أكثر جرأة.
كما يؤكد “الباجه جي” أن خطوتي الحد من السلاح وتطهير الأجهزة الحكومية من الوجود الإيراني، لا يمكن أن تتما إلا في وقت متزامن دون أن تسبق إحداهما الأخرى، لا سيما مع تلويح الميليشيات، بحرب أهلية في حال اتخاذ الحكومة العراقية أي إجراءات للحد من قوتها.
وسبق لحزب الله العراقي، الذي كان يتزعمه نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، “أبو مهدي المهندس” والذي قتل في عملية اغتيال “قاسم سليماني”، أن هدد “الكاظمي” بالتحرك العسكري ضد القوات الحكومية والأمنية، بعد أن اعتقلت الأجهزة الأمنية العراقية، خلية تابعة للحزب في البصرة، على خلفية اتهامها بالقيام بأعمال تخريبية.
في السياق ذاته، يعتبر المحلل السياسي، “بيان العيساوي”، أن كافة ملفات العراق من الفساد والسيادة والفقر وإعادة الإعمار، كلها مرتبطة بنجاح مهمة الحكومة بقطع يد إيران المسيطرة على القرار العراقي، لافتاً إلى أن كافة أزمات العراق جاءت من دعم إيران للفاسدين واللصوص في الدولة العراقية، والذين منعوا بقوة سلاح الميليشيات قيام أي حكومة وطنية خارجة عن العباءة الإيرانية، قادرة على بناء العراق المدمر منذ 2003، على الرغم من المخزوزن النفطي الهائل للبلاد.
وكانت البيانات الرسمية قد أشارت إلى أن معدل الفساد المسجل في العراق من عام 2003 وحتى نهاية العام 2019، بلغ نحو 500 مليار دولار، وسط تصاعد معدلات الفقر والجوع والبطالة، ما أشعل حركة احتجاجات واسعة في الشارع العراقي، تركزت في مدن الجنوب الشيعي، والتي لا تزال ممتدة من تشرين الأول الماضي وحتى اليوم، مطالبة بإسقاط الأحزاب السياسية والميليشيات والحد من النفوذ الإيراني ومعالجة قضايا الفساد والفقر والبطالة.
إلى جانب ذلك، يوضح “العيساوي” أنه منذ سقوط نظام صدام حسين وتشكيل ما كان يعرف بمجلس الحكم الانتقالي وصولاً إلى حكومة “عادل عبد المهدي”، مروراً بالحكومات المتتالية، خاصة حكومتي “إبراهيم الجعفري” و”نوري المالكي”، كانت كافة مفاصل القرار العراقي الرسمي بيد إيران، والتي وصلت إلى حد تشكيل الحكومات واختيار الوزراء في طهران، معتبراً أن تلك السيطرة المطلقة على العراق، مؤشراً على الدور الحقيقي للنظام الإيراني في ما وصل إليه العراق خلال تلك السنوات، وتحديداً الفساد وويلاته.