يهدف البحث إلى عقد مقارنةٍ اجتماعيةٍ ثقافيةٍ بين المذهب الدرزي والطرق الصوفية؛ وأظهر مسار البحث تعقيداتٍ أبعد من هذا العنوان. فلم تكن الصوفية واحدةً، ولم تكن الطرق في التفاصيل متشابهةً، حتى أن تاريخها وجمهورها ليس واحداً، كما أن قربها ودورها في السياسية لم يكن واحداً لذا جرى وضع معايير يتم على أساسها انتقاء الطرق التي سعت هذه الدراسة إلى مقارنتها. وكانت هذه الطرق تمثل مواقفاً سياسيةً واجتماعيةً، كالطرق التي تعارض الدولة أو التي تؤيدها أو التي لا تتدخل بها ولها أثرٌ اجتماعيٌ وثقافيٌ على المجتمعات؛ لذا كانت الطرق الثلاثة: البكتاشية، النقشبندية، والمولوية هي الطرق التي تم التطرق لها في البحث إلى جانب الدرزية في طبيعة الحال.
قد يظن البعض بأن الدرزية تعتبر مذهباً مستقلاً في الإسلام أو طائفةً، إلا أنه وبعد دراسة الطرق الصوفية بدى أن الدرزية هي أقرب منها إلى الطرق الصوفية من أن تكون مذهباً خالصاً. كذلك من الطبيعي أن يكون هناك تقارباً بين الصوفية والدرزية بحكم أن المنطقة الثقافية كانت تتمازج دينياً وثقافياً وسياسياً لحقبٍ طويلةٍ، لكن الاختلاف في الفرض الذي يقول أن الصوفية تتشابه في بعض مناحيها مع الدرزية ليس بسبب التأثير المباشر بين الاثنين؛ إنما لأن الجذر الذي انطلقا منه كان واحداً. وكما يذكر البحث فإن باقي العناصر المتشابهة كانت غالباً بحكم الخليط الثقافي بين الجماعات الدينية والعرقية والحضارية والعسكرية التي مرت وتفاعلت على أرض البقاع الجغرافية في منطقتنا.
اللافت أن غالب الكتابات حول هذه الطرق والمذاهب كانت تأخذ طابع الحكم القيمي عليها؛ من باب التقييم الديني أو الأثر السياسي والعسكري، ويبقى الجانب الاجتماعي والثقافي خطاً ضعيفاً موازياً لهذا العرض. وبالتالي كانت الصعوبة في الوصول إلى دراساتٍ سوسيولوجيةٍ خالصةٍ أمراً لا يخلوا من الصعوبة، أيضا الجانب الآخر من الصعوبات تحدد في أن الدراسات الموضوعية كانت غالباً أنثروبولوجية، ويلاحظ أنها كانت غربية عموماً.