د. بشار الحاج علي
مع سقوط نظام بشار الأسد وهروبه من دمشق، أصبحت غرفة ردع العدوان بقيادة العمليات العسكرية التي تديرها هيئة تحرير الشام هي السلطة الفعلية في العاصمة السورية.
هذا التطور يضع الهيئة أمام تحدٍّ كبير؛ فهي الآن في موقع يمكّنها من توجيه البلاد نحو مرحلة انتقالية تمهّد لبناء سورية الدولة، دولة القانون والحقوق والواجبات.
التحدي الأساسي: هل هي سلطة مؤقتة أم دائمة؟
الانتقال من الفوضى إلى الاستقرار يتطلب من غرفة ردع العدوان وقيادة العمليات العسكرية أن تبتعد عن السعي لترسيخ نفسها كسلطة دائمة أو حاكمة.
إن تجربة الشعب السوري مع الأنظمة المستبدة والفصائلية؛ تجعل من الضروري أن تتبنى الهيئة نهجاً قائماً على التشاركية والتكامل مع مختلف المكونات السياسية والاجتماعية.
ولكن؛ ما المهام الوطنية الملقاة على عاتق غرفة ردع العدوان:
هناك عدة مهام عاجلة على إدارة غرفة ردع العدوان القيام بها؛ ومنها:
١- أنْ تكون إدارة مؤقتة وليست بديلاً دائماً:
دور غرفة ردع العدوان يجب أن يكون محصوراً في الإشراف على المرحلة الانتقالية دون الانخراط في محاولات لإقامة سلطة مطلقة أو أحادية. هذا يتطلب: حماية العاصمة وضمان الأمن والاستقرار أولاً؛ وتسهيل عودة الخدمات الأساسية للسكان بعيداً عن الحسابات السياسية الضيقة.
٢- إشراك الجميع في العملية الانتقالية:
القيادة العسكرية مطالبة بتأسيس شراكات مع القوى المدنية والسياسية الوطنية، بما يضمن تمثيلاً عادلاً لكل أطياف المجتمع السوري. هذه الشراكات ضرورية لتجنب تكرار أخطاء الماضي، حيث سيطرت قوى أو جهات بعينها على القرار السياسي.
٣- الانتقال إلى مظلة وطنية جامعة:
كإنشاء هيئة انتقالية وطنية تضم شخصيات عسكرية ومدنية، تتولى مسؤولية التحضير لمرحلة جديدة تُبنى على دستور يضمن الحقوق المتساوية للجميع. وسليم الملف العسكري تدريجياً إلى جيش وطني موحد يخضع للسلطة المدنية.
وأما المسؤوليات السياسية والقانونية فتتمثل بمايلي:
١- ضمان سيادة القانون:
على الهيئة أن تعمل على تعزيز العدالة، وعدم السماح لأي جهة أو فصيل بفرض أجنداتها الخاصة. وهذا يتطلب وضع آليات قانونية واضحة لمحاسبة كل من يرتكب انتهاكات أو يستغل السلطة.
٢- تحييد الأيديولوجيا عن الحكم:
إذا كانت الهيئة تدير العمليات العسكرية، فإن هذا لا يمنحها الحق في فرض رؤية أيديولوجية أو سياسية على الشعب السوري؛ إذ أنّ بناء دولة القانون يتطلب احترام التنوع الثقافي والفكري والسياسي.
٣- تمكين مؤسسات الدولة المدنية:
إن الإدارة الناجحة للعاصمة تتطلب تقوية المؤسسات المدنية؛ لتكون قادرة على تقديم الخدمات الأساسية للسكان. يجب أن تكون هذه المؤسسات مستقلة وغير خاضعة لهيمنة عسكرية.
نحو سورية الدولة: الفرصة التاريخية
إن تحول هيئة تحرير الشام من فصيل عسكري إلى جهة تسهم في بناء الدولة هو تحدٍّ تاريخي بعد سقوط النظام، وكون العاصمة دمشق بيدها، لكن السؤال الأكبر هو:
كيف يمكن استخدام هذه السلطة لتحقيق انتقال حقيقي نحو دولة القانون والمواطنة؟
على الهيئة أن تدرك أن تحقيق هذا الهدف لن يكون بالسلاح فقط، بل ببناء الثقة مع الشعب السوري والمجتمع الدولي، عبر خطوات واضحة، منها:
- الدعوة إلى حوار وطني شامل.
- وضع جدول زمني محدد للانتقال السياسي.
- التعاون مع القوى الدولية لضمان استقرار البلاد واستعادة سيادتها.
ختاماً
إن موقع غرفة ردع العدوان كسلطة فعلية في دمشق يضعها أمام خيارين: إما أن تكون جزءاً من الحل الوطني الذي يُخرج سورية من أزمتها، أو أن تغرق في تكرار نماذج الحكم الأحادي التي عانى منها الشعب السوري لعقود.
وأما الخيار الأول فيتطلب شجاعة سياسية ورؤية وطنية تتجاوز الحسابات الفصائلية، وتسعى إلى بناء سورية التي يحكمها القانون، الحقوق، والواجبات.