قال نتنياهو أنه ليس وحده المسؤول عن سوء السلوك الفاسد المزعوم أمام القاضي، لكن “معسكر اليمين بأكمله يخضع للمحاكمة”، مفترضاً أيضاً أن هذا الجزء من لائحة الاتهام كان له “نكهة سوفيتية”.
يبدو أن نتنياهو قد نسي أنه هو من عيّن المدعي العام وكبار المسؤولين في القضاء. وقد تظاهر أنصاره الغاضبين لكن دون عنف أمام المحكمة، وكانوا يصرخون ويُظهرون منشورات على فيسبوك يقرؤون فيها “حقيقة” يُزعم أن وسائل الإعلام تخفيها: هناك مؤامرة شبيهة بالمافيا ضد معبودها، رئيس الوزراء.
وحتى يومنا هذا، رفض نتنياهو تقديم استقالته، ولا توجد عملية عزل كما هو الحال في الولايات المتحدة، وإن كان هناك أوجه تشابه واضحة. ففي العام الماضي، رفض الليكود لفترة طويلة الاعتراف بنتيجة الانتخابات، والتي لم تعطِ الحزب أغلبية، إذا لم تتم إعادة فحص العملية في كل مركز اقتراع فردي.
وبالمثل طالب ترامب بعد خسارته في الانتخابات، وكانت الذروة من خلال المظاهرات الغوغاء التي احتشدت في واشنطن، واقتحام مبنى الكابيتول.
في القدس، قَلبَ رئيس الحكومة الأمر مقارنة مع الأحداث الأمريكية كإجراء احترازي: فلم يكن هو من يحرض، بل خصمه السياسي. وفي اليوم التالي لأعمال الشغب في العاصمة، قال زعيم حزب الليكود إن المتظاهرين أمام مقر إقامة رئيس الوزراء الإسرائيلي، والذين يطالبونه بالاستقالة كل يوم تقريباً، يشكلون تهديداً أكبر للديمقراطية من اقتحام مبنى الكابيتول في واشنطن. ليس الأفراد المتحرضين فحسب، بل المعارضين الذين نزلوا إلى الشوارع في إسرائيل أمام مكتب رئيس الوزراء من أجل الحفاظ على الديمقراطية. وقد أُفاد أن نتنياهو نُقل إلى مكان آمن خلال إحدى هذه المظاهرات المسائية.
وفي الوقت الراهن، أجرت صحيفة “معاريف” استطلاعاً سألت فيه الإسرائيليين، هل يمكن أن يكون هناك شغب في إسرائيل كالذي حصل في واشنطن، والذي حرض عليه رئيس الحكومة؟ وكانت النتيجة أن 23 في المائة من المستطلعين يعتقدون أن ذلك ممكن بالتأكيد، بينما قال 33 في المائة إنه محتمل.
ومؤخرا اتهم وزيران سابقان منشقان من حزب الليكود نتنياهو بـ “عبادة الشخصية” في خطابات استقالتهما. كما وصف رئيس الوزراء السابق إيهود باراك، كلاً من ترامب ونتنياهو بـ “التوأم السيامي السياسي” فكلاهما “كاذب متسلسل”، يحتقر أتباعه ويحرض ضد النظام القضائي.
ومع ذلك، فقد سمح رئيس الوزراء السابق لحزب العمل نفسه لأن ينجرف بالفعل إلى تصريحات ليست بعيدة عن تصريحات ترامب، حيث قال باراك: إذا فاز نتنياهو في الانتخابات، فإن مليون إسرائيلي سيخرجون إلى الشوارع “لعرقلة تدمير الديمقراطية بأجسادهم” كما زعم.
وقد قام متبرعون مجهولون بوضع ملصقات في منطقة تل أبيب الكبرى، تُظهر نتنياهو إلى جانب ترامب، مع شعار من حملته الانتخابية السابقة: “نتنياهو: تحالف آخر”. وفي ضوء ما حدث في واشنطن، فإن هذه الكلمات التي استخدمها في السابق تنقلب ضده الآن.
لا يزال هناك شكوك حول ما إذا كان تحالف نتنياهو مع ترامب يضره محلياً، صحيح أن إسرائيل ستصوت في آذار/مارس، لكن ثلاثة أرباع الإسرائيليين أيدوا ترامب وسياسته في الشرق الأوسط. وعلى عكس ترامب، لم يتم انتخاب نتنياهو قط من قبل أكثر من ثلاثين بالمائة من الناخبين، لكن ذلك كان كافياً بالنسبة له لرئاسة الائتلافات الحاكمة منذ عام 2009. بعد كل شيء، اتصالاته السياسية معروفة منذ فترة طويلة للإسرائيليين. وفي يوم حشد واشنطن، غرد نتنياهو أن “القنوات الدعائية تخفي الحقيقة عنكم”، ونشر نظرية مؤامرة تتعلق بالمدعي العام، الذي يزعم أنه متحيز ضده.
في إسرائيل، بعد فترة طويلة من قادة الأحزاب الأخرى، توصل نتنياهو إلى تفسير لما حدث في واشنطن. حيث قال بأنها أعمال شغب “مخزية” يجب إدانتها بشدة، و”إن الخروج على القانون والعنف هما عكس القيم المشتركة بين الأمريكيين والإسرائيليين”. ولم يذكر اسم ترامب إلا عندما شكر حكومة الولايات المتحدة على اتفاقيات السلام مع الدول العربية قائلاً: “شكراً على كل ما فعلته وما تفعله من أجل السلام”.
ومن حيث السياسة الخارجية، من المرجح أن يكون الوضع مختلفاً. فمن الآن وصاعداً، ستخيم سحابة سوداء فوق كل ما فعله ترامب، كما صرح مايكل أورين، السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة، مضيفاً: “أنا قلق للغاية من أنه بالإضافة إلى كل الأشياء الرمزية التي قام بها من أجلنا، مثل الاعتراف بالقدس والجولان، فإن هذا سيؤثر أيضاً على الاتفاق النووي مع إيران”. فقد أعلن الرئيس القادم جو بايدن عودة محتملة إلى المعاهدة، بينما لم يخلق ترامب تهديداً عسكرياً ضد طهران قبل ذلك أيضاً.
يبدو من الواضح أن قرارات ترامب، التي اتُخذت معظمها قبل فترة وجيزة من الانتخابات في إسرائيل، ساعدت نتنياهو في حملته الانتخابية، والآن عليه أن يفعل ذلك بدون صديقه المعلن.