وصلت مرحلة الصدام بين النظام السوري (أو أحد كبار المسيطرين) وبين أحد أركانه السابقين مرحلة اللا عودة، وفق ما يظهر من مجريات تمس أملاك ونفوذ رجل الاقتصاد السوري القوي، رامي مخلوف.
مخلوف الذي كان – في زمن مضى – متحكمًا باقتصاد سورية، مالكًا لكل تفاصيله الدقيقة ومحركًا لمداخيله ورساميله لصالح عائلة الأسد وكبار متنفذي الطائفة.. يبدو أن عهد أيامه ذاك قد ولى مع ما تقوم به سلطات قريبه الأسد من مصادرات وحجز على الأموال ومنع لحركة البضائع وتحصيل ضرائب وما إلى ذلك خلال الشهور الماضية..
ومؤخرًا، كشفت مصادر إعلامية سورية عن قيام وزارة مالية النظام السوري، بحجز أموال شركة تابعة لرامي مخلوف، ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد.
حيث نشر موقع “سناك سوريا” نص قرار الحجز لشركة “آبار بتروليوم سيرفيس” المسجلة في بيروت، والتي اختصت في صفقات نقل الوقود والمواد النفطية.
يذكر أن اسم هذه الشركة، جاء في قائمة العقوبات الأميركية. وبحسب القرار، فإن الحجز الاحتياطي جاء ضمانًا لحقوق خزينة الدولة من الرسوم والغرامات المتوجبة في قضية تعود إلى عام 2019.
بدوره، نفى مخلوف ارتباطه أو أي علاقة له بالشركة. ليفترض الموقع أن “قرار الحجز الجديد يظهر أنه لا تزال هناك رسوم وغرامات لم يتم تسديدها، ما استدعى الحجز على أموال الشركات والأشخاص الواردة أسماؤهم في القضية”.
إجراءات متتابعة
اتخذت المديرية العامة للجمارك السورية قرارًا بالحجز على أموال مخلوف، ضمن سلسلة إجراءات اتخذتها سلطات دمشق ضد شبكات وشركات تابعة لمخلوف في نهاية العام الماضي.
ومؤخرًا، نقل موقع صحيفة المدن الالكترونية أخبارًا عن مصادر إعلامية تؤكد أنّ “حرب تصفية حسابات” بدأت بين خال الأسد المقيم في روسيا، محمد مخلوف، وابنه المقيم في دمشق رامي، من جهة، وبين أسماء الأسد، زوجة رئيس النظام السوري بشار الأسد، من جهة ثانية.
تدابير وخطط مضادة
لم يقف رامي مخلوف ورجاله مكتوفي الأيدي في الصراع والهجمات التي يتلقونها من قبل جناح زوجة الرئيس.. فقد أكدت المصادر الإعلامية من داخل كواليس دمشق، أنّ “فضح” شركة “تكامل”، العائدة ملكيتها الى ابن خالة أسماء، مهند الدباغ، واستغلالها للسوريين، “جرى بخطة من آل مخلوف”، الأمر الذي دفع وزير التجارة السوري، عاطف النداف، إلى أن يعلن في الأسبوع الماضي منع “تكامل” المصدرة للبطاقة الذكية في سوريا من التدخل بتوزيع الخبز.
لتضيف المصادر وفق ما نقلته المدن، أن “انتقام” مخلوف يعود إلى ما سبّبه تدخل السيدة الأولى في توزيع “كعكة” الاقتصاد السوري منذ تعافيها من مرض السرطان في العام الماضي، ووضع يدها على استثمارات رامي مخلوف، وفي مقدمتها جمعية “البستان الخيرية”، والوصاية على شركتي الاستثمار الخلوي في سوريا “سيرياتيل” و”إم تي إن”، وتعيين مديرين من قبلها، بعد مصادرة الوثائق والدفاتر المحاسبية والحواسب من مقرّ شركة “راماك” في المنطقة الحرة في دمشق.
“فضيحة” أخرى انتشرت في سورية، مثلها شراء رأس النظام بشار الأسد، لوحة فنية لزوجته بمبلغ 30 مليون دولار، يبدو أنها جاءت ضمن خطة “تعرية” أسماء الأسد وردّ الصفعات التي وجهتها إلى أسرة محمد مخلوف وتقليص دورها الاقتصادي في سورية.
يذكر هنا أن صحيفة “غوسنوفوستي” الروسية كشفت قبل أيام، أن الأسد، قد اشترى لوحة بقيمة 23.1 مليون جنيه إسترليني كهدية لزوجته، لتزين أحد جدران قصورها. وتعود اللوحة للفنان البريطاني ديفيد هونكي، وتحمل اسم “سبلاش”، وقد “بيعت لشخص لم يكشف عن اسمه كوكيل عن بشار الأسد” في أحد مزادات العاصمة البريطانية، لندن.
حروب الأسد الاقتصادية
بدأ الخناق الاقتصادي يضيق على نظام الأسد في سورية لعوامل عدّة متداخلة، فعمل النظام السوري على اتخاذ إجراءات جديدة وضعها ضمن سياسات “معالجة ملف الفساد” اطلق خلالها عمل “لجنة مكافحة غسيل الأموال”. اعتبر أنها اجراءات لا تستهدف عائلة مخلوف بشكل خاص، باعتبار أنها مسّت رجال أعمال آخرين بعضهم منافس لرامي مخلوف، الشخصية المالية الأولى في البلاد.
لكن، وبعد التسريبات التي وصلت لكواليس الأسد وعائلته، من الواضح أن مخلوف اعتبر أنه وعائلته المستهدف الحقيقي من قبل الأسرة الحاكمة، وأن إدراج أسماء أخرى ضمن إجراءات اللجنة التي تؤكد المصادر أن أسماء الأخرس، زوجة بشار الأسد، هي من تديرها، لم تكن سوى محاولة للتغطية على الهدف الحقيقي، وهو ازاحة آل مخلوف من الواجهة وتقويض سيطرتهم على اقتصاد البلاد.
اللجنة التي كانت بالفعل قد أعلنت حجزها الاحتياطي أموال العديد من رجال الأعمال الداعمين للنظام والمقربين منه، بينهم أيمن جابر، الذي تتبع له ميليشات صقور الصحراء، ومحمد حمشو، أحد أركان النظام الاقتصادية، بل وحتى طريف الأخرس والد أسماء الأسد، بحجة “استيفاء أموال عائدة لخزينة الدولة”، قال النظام إنه تم دفعها، أُريد منها تخفيف حدة التوتر بين عائلتي الأسد ومخلوف، ولم تنجح تلك الجهود على ما يبدو.
أسباب واحتمالات
لا تزال أبعاد الصراع ومجريات ما يحدث غير مفهوم بالنسبة للكثيرين، بل ومفاجئ بطبيعة الحال للجميع، الأمر الذي تسبب بقراءات متنوعة وتفسيرات متداخلة في مقاربتها بين سبب عائلي محض، إلى سبب يرى البعد السياسي هو محرك ما جرى ويتصل بالصراع على السلطة والتنافس بين المحورين الروسي والإيراني للسيطرة على البلاد.
مصادر صحيفة المدن المتنفذة داخل أروقة السلطة في دمشق، اعتبرت ببساطة أن ما يحصل سببه الرئيسي شعور عائلة الأسد بتنامي نفوذ رامي مخلوف وأشقائه داخل السلطة، إلى حدٍ يمكن أن يشكل تهديدًا للهيمنة المطلقة التي يفرضها بشار وشقيقه ماهر على النظام، شعور بدأ مع تطور الدعم المالي الذي كانت مؤسسة البستان الخيرية قد بدأت بتقديمه للمنتسبين للجيش وقوات الأمن من أبناء الطائفة العلوية خلال السنوات الماضية.
حيث أكدت المصادر أن مجابهة ذلك الخطر، لم تبدأ خلال العام الماضي فقط، بل قبل ذلك بوقت أطول، فقد شملت إجراءات اقتصادية وإدارية وسياسية أيضًا، على رأسها تسلم الفرقة الرابعة في الجيش، التي يقودها ماهر الأسد، مهام الإشراف على “مؤسسة المناطق الحرة” بدلاً من إيهاب مخلوف، وتعويم رجال أعمال جدد منافسين لشقيقه رامي، بل واستدعاء آخرين كانوا قد اضطروا إلى مغادرة البلاد قبل ذلك بسبب ممارسات رامي مخلوف.
رأي مغاير
بناءً على تقاطعات تحملها مؤشرات السابقة، رأى بعض المراقبين أن المواجهة تندرج ضمن صراع النفوذ المحتدم بين روسيا وإيران في سورية، ويجدون أن تسلم الفرقة الرابعة، التي تعتبر موالية لإيران، الاشراف على مؤسسات ومشاريع اقتصادية كانت تحت سلطة آل مخلوف المقربين من روسيا، دليل واضح على ذلك.
وتأكيدًا لوجهة نظرهم، يربط المراقبون أن الإجراءات العقابية الحقيقية استهدفت إلى جانب عائلة مخلوف، رجال الاعمال الذي تتركز استثماراتهم الرئيسية في حقلي النفط والغاز المهيمن عليهما من قبل موسكو، مثل سامر الفوز وأيمن جابر، وهم من المحسوبين على روسيا بشكل أو بآخر، الأمر الذي يؤكد سعي عائلة الأسد الواضح لمعالجة هذه الخاصرة الرخوة التي باتوا يشعرون أنهم يعانون منها، خاصة بعد التهميش المتكرر والاساءات العديدة التي مارسها الروس بحق النظام، بما في ذلك تلك التي وجهت لبشار الأسد ذاته.