أقامت تركيا بداية عام 2017، 12 نقطة مراقبة داخل محافظات إدلب وحماة وحلب بالاتفاق مع الجانب الروسي والإيراني بهدف تطبيق ما يعرف باتفاق خفض التصعيد في المناطق التي كانت تفصل بين القوات الحكومية السورية والمعارضة، من ثم ارتفع عدد تلك النقاط أكثر من ثلاثة أضعاف.
وعملت تركيا لاحقا على تعزيز هذه النقاط التي تحولت إلى ما يشبه قواعد عسكرية حقيقية داخل الأراضي السورية مثل تلك الواقعة قرب بلدة مورك وسط سوريا، والتي تضم مئات الجنود وتقع على بعد 88 كيلومترا من الحدود التركية، كما تحتفظ تركيا بعدد من القواعد العسكرية في مناطق الباب وجرابلس واعزاز وعفرين.
وفي نهاية آب الماضي تعرض رتل تركي تتقدمه سيارة عسكرية تابعة للمعارضة السورية المدعومة من أنقرة، لغارة جوية من طيران حربي يعتقد أنه روسي، ما تسبب بمقتل المقاتلين السوريين المرافقين للرتل، لكن أنقرة لم تقم بأي رد على الهجوم الروسي حينها.
الجنود والآليات التركية في الشمال السوري
حولت تركيا نقاط المراقبة تلك إلى نقاط عسكرية، حيث تواجد فيها ضباط وصف ضباط وجنود أتراك، إضافة إلى أولئك المتواجدين في جرابلس والباب واعزاز، وبحسب الأخبار المتوفرة فإن تركيا أرسلت إلى الشمال السوري، ولغاية الصيف الماضي، نحو 166 دبابة و278 عربة مدرعة و18 راجمة صواريخ و173 مدفع هاون و73 سيارة مزودة برشاش ثقيل و41 قاعدة صواريخ مضادة للدبابات، لكن الرقم تضاعف كثيراً في الشهر الماضي، بعد التوتر الروسي-التركي في ليبيا وأثره على الملف السوري، وبناءّ على الدخول العسكري المستمر إلى الشمال السوري.
وحديثاً خلال شهر ونصف مضيا، ضاعفت أنقرة عدد جنودها وآلياتها العسكرية في الشمال السوري، حتى وصل عدد القوات التركية المنتشرة اليوم داخل منطقة خفض التصعيد الرابعة بين 8000 و10000 مقاتل، وهي تعادل بتصنيف الجيوش الشرقية أكثر من لواءين مدرعين بالإضافة لفوج قوات خاصة.
ومنذ 22 شباط الماضي؛ باتت القوات البرية التركية تحظى بمساندة من الطائرات بدون طيار “بيرقدار TB2″، وتستطيع التحليق لمدة 24 ساعة متواصلة، وقادرة على حمل قرابة 100 كيلوغرام، وكذلك طائرات “عنقاء” القادرة على حمل ذخائر يصل وزنها لـ 200 كيلوغرام.
قتل نحو 40 جندي تركي في الشمال السوري، في هجمات نفذتها القوات العسكرية التابعة لجيش الأسد، أو المدفعية أو الطيران الروسي، فيما بلغ عدد المصابين أكثر من 50 مصاب، وذلك في الأسبوع الأخي، بحسب الأرقام التي أعلنت عنها تركية.
نقاط المراقبة.. وكيف تحولت إلى نقاط عسكرية؟
وتنتشر في الشمال السوري نقاط مراقبة تركية، إذ بدأت تركيا في تشرين الأول 2017 إقامتها في إدلب في إطار اتفاق أبرمته مع روسيا وإيران في أستانا عاصمة كازاخستان في أيلول 2017.
ولم تكن تركيا قادرة على إدخال جنودها وإقامة تلك النقاط دون الحصول على موافقة الطرف الذي يسيطر على الأرض هناك وهو “هيئة تحرير الشام”؛ حيث كان مقاتلوها يرافقون الضباط الأتراك عند القيام بمهام الاستطلاع لإقامة النقاط؛ كما أن كل القوافل التركية التي تقوم بتموين نقاط المراقبة تمر عبر حواجز الهيئة، وتتوزّع “نقاط المراقبة” التركية في سوريا كما يلي:
النقطة الأولى: قرية صلوة بريف إدلب الشمالي، دخلتها القوات التركية في 12 تشرين الأول 2017.
النقطة الثانية: قلعة سمعان بريف حلب الغربي، دخلتها القوات التركية في 23 تشرين الثاني 2017.
النقطة الثالثة: الشيخ عقيل بريف حلب الغربي، دخلتها القوات التركية في 27 تشرين الثاني 2017.
النقطة الرابعة: تلة العيس بريف حلب الجنوبي، دخلتها القوات التركية في 5 شباط 2018 .
النقطة الخامسة: تل الطوقان بريف إدلب الشرقي، دخلتها القوات التركية في 9 شباط 2018 .
النقطة السادسة: الصرمان بريف إدلب الجنوبي، دخلتها القوات التركية في 15 شباط 2018.
النقطة السابعة: جبل عندان بريف حلب الشمالي، دخلتها القوات التركية في17 آذار 2018 .
النقطة الثامنة: الزيتونة في جبل التركمان شمال اللاذقية دخلتها القوات التركية في 4 نيسان 2018.
النقطة التاسعة: مورك في جنوب إدلب دخلتها القوات التركية في 7 نيسان 2018.
النقطة العاشرة: الراشدين الجنوبية بريف حلب الغربي دخلتها القوات التركية في 9 أيار 2018.
النقطة الحادية عشر: شيار مغار بريف حماه الغربي دخلتها القوات التركية في 14 أيار 2018.
النقطة الثانية عشر: أشتبرق في جسر الشغور بمحافظة إدلب في 16 أيار 2018.
لكن زادت هذه النقاط مؤخراً في الأشهر الأربعة الماضية لتفوق الأربعين نقطة، حيث عمدت القوات التركية إلى إنشاء نقطة عسكرية في بلدة باتبو بريف إدلب بالقرب من الحدود الإدارية مع محافظة إدلب، ودخلت آليات عسكرية مدرسة البلدة، وانتشرت عشرات الآليات هناك.
وبذلك، يرتفع عدد النقاط التركية في منطقة “خفض التصعيد” إلى 40، وهي: (صلوة وقلعة سمعان والشيخ عقيل وتلة العيس وتلة الطوقان والصرمان وجبل عندان و الزيتونة ومورك والراشدين الجنوبية وشير مغار واشتبرق”، بالإضافة إلى نقاط مستحدثة وهي :(عندان والراشدين ومعرحطاط) ونقاط في سراقب والترنبة والنيرب والمغير وقميناس وسرمين ومطار تفتناز ومعارة النعسان ومعرة مصرين والجينة وكفركرمين والتوامة والفوج 111 ومعسكر المسطومة وترمانين والأتارب ودارة عزة والبردقلي ونحليا ومعترم وبسنقول والنبي أيوب وبزابور وباتبو.
ماذا حدث مؤخراً؟
اعتمدت تركيا مؤخراً على نقاط مراقبتها تلك كنقطة علام لتحذير الأسد من مناطقها التي يحظر عليه دخولها، وأمهتله حتى نهاية شباط الماضي لينسحب إلى ما وراء نقاطها، الأمر الذي لم يحدث، ما دفع أنقرة إلى إعلان حملتها العسكرية الأخيرة في الشمال السوري “درع الربيع” والتي أسقطت في أول أربعة أيام لها 4 طائرات لنظام الأسد.
في منتصف شباط الماضي كانت الأمور تبدو عكس ما تبدو عليه اليوم، حيث استرجع جيش الأسد عشرات القرى والبلدت بريفي حلب وإدلب، وعاد مطار حلب للعمل، وانطلقت أول رحلة بين دمشق وحلب بعد انقطاع دام نحو 7 سنين، لكن اليوم بدا أن أنقرة مصممةً أكثر على استرجاع المناطق لما بعد نقاط تمركزها، وإن كانت ضرباتها موجهة بشكل أساسي لإنهاك جيش الأسد، وإبراز قوتها العسكرية أمام الروس.
وفي أحدث تصريحاته نقلت وكالة الأنباء الروسية الناطقة بالعربية اليوم الأربعاء عن رأس النظام السوري “بشار الأسد” قوله؛ لا وجود للخلافات مع أنقرة، وكل ما يحدث أمر غير منطقي”، في تصريحات متلفزة استعصت على الفهم.
حيث قالت قناة روسيا اليوم، إنّ رأس النظام السوري “بشار الأسد” قال اليوم الأربعاء، إن بلاده لم ترتكب أي أعمال عدائية ضد تركيا، وإن الخلافات الحالية غير منطقية.
وبحسب ما نقلته القناة عن الأسد، فقد قال الأخير: ما هي الأعمال العدائية الكبيرة أو الصغيرة التي ارتكبتها سوريا ضد تركيا؟ ليس هناك أي أعمال عدائية . . . هناك عائلات سورية تركية، وهناك مصالح مشتركة حيوية. التداخل الثقافي المتبادل حدث تاريخيا، وبالتالي فمن غير المنطقي أن يكون بيننا وبينهم خلافات جدية”.
تفريغ المنطقة من المقاتلين
تمر إدلب آخر معاقل المعارضة السورية بمرحلة حرجة وحساسة، حيث يتنازع عليها الأسد ومن ورائه روسيا، مع المعارضة السورية المسلحة التي تدعم أنقرة قسم منها، وبالرغم من ذلك عمدت أنقرة إلى تفريغ المنطقة من مقاتليها.
في بداية العام الحالي تأكدت صحة الأخبار حول إرسال أنقرة مقاتلين سوريين من المعارضة إلى ليبيا للقتال مع حكومة الوفاق الوطني التي يتزعمها “فايز السراج”، وأكدت مصادر خاصة لمرصد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مقتل العديد منهم هناك بسبب عدم معرفتهم بتضاريس الميدان، وجبهات القتال التي ينبغي أن يقاتلوا فيها، وتلك التي يجب أن يبتعدوا عنها.
في تلك الفترة تمكن الأسد من اختراق الجبهات التي بدت خالية من المقاومة ومن المقاتلين الذين كانوا يقاتلون ويموتون على جبهات طرابلس.
تزامنت عملية التفريغ تلك باتهامات من قبل الناشطين السوريين لجبهة تحرير الشام بسحب الآليات الثقيلة وملاحقة المقاتلين المتمركزين على جبهات التماس مع جيش الأسد، كل تلك الأمور أتاحت الفرصة لقوات الأسد ومن ورائها روسيا بالتقدم في الشمال السوري الذي كان محررًا، والدخول إلى مناطق لم يدخلوها منذ 7 سنوات، لتبرز تركيا فيما بعد بدور البطل الذي يدخل لنصرة المظلومين، وتحرير الأرض.