الأمّةُ الدّيمقراطيّةُ والواقِعُ السّوريّ
دراسة تنقد نظرية أوجلان ومشروعه في مفهوم الأمة الديمقراطية وتطبيقه في الواقع السوري والإقليمي وتظهر مدى الهوة بين النظرية والتطبيق عندما تمكن حزب الاتحاد الديمقراطي من السلطة في مناطق شمال شرق سوريا من خلال المحاور الآتية:
- إلى ماذا استندت نظرية أوجلان؟
- ما هي الأمة الديمقراطية في مشروع أوجلان؟
- لماذا يخالف حزب الاتحاد الديمقراطي نظرية زعيمه في (روج آفا)؟
- نقد شروط بناء الأمة في نظرية أوجلان.
- نقد مفهوم الديمقراطية العصرانية عند أوجلان.
- لماذا انقلب أوجلان على فكرة إقامة دولة كردية؟
- نقد مفهوم الأمة عند أوجلان.
- ما سبل حل الأمة الديمقراطية.
- نظريّة الأمّة الدّيمقراطيّة والتّجربة السّوريّة.
المدخل
مشروع عبد الله أوجلان
ينطلقُ أوجلان في التّأسيسِ لأمته الديمقراطيّة من الإنسانِ الأول، إذ تُسيّره الطبيعةُ المجتمعيّة، وتتطور فيه ومعه، بتناسقٍ تام مع البيئة بما يفي حاجته ولا يضر بها، وذلك قبل أن يتطور المجتمع وتتدخل فيه المدنّيةُ فيبدأ انقسامُه إلى مستغِلّين حاكِمين، ومستَغَلّين مَحكومين، ثم يتصاعدُ هذا التدخّل فيرقى إلى مستوى الدولةِ التي ضمّت على الدّوام شريحتَين تقتاتُ العُلْوِيَّةُ منهما على دماءِ السُّفلِيَّة وشقائها، تلك التّي مافتئت تقاوم متّخذةً أشكالاً شتّى، كان أحدُها الاعتصامَ في جبالِ طوروس وزاغروس حيث استمرت الطبيعةُ بروحها وأخلاقها المجتمعيّة، في الوقت الذي فسدتْ فيه الثانية وتطورتْ استغلالاً وجشعاً دمويّاً، إلى أن جاء عصرُ الرّأسمالية التي لا يعتبرها أوجلان مجتمعاً حالَ علماءِ الاجتماع، بل مرضاً لا بدّ من تطهير المجتمعِ منه.
كانت الرأسمالية وراءَ تأسيس الدُّول القوميّة في القرنَين الأخيرَين، لأن هذه الأخيرةُ تحقق قانونَ الرّبحِ الأعظميّ منْ خلال خلقِ مجتمعٍ نمطيٍّ من لونٍ واحد.
وهكذا قُسّمَ الشرقُ الأوسطُ إلى دولٍ عربيّةٍ وتركيّةٍ وفارسيّةٍ، وبالمقابلِ اندثرتْ ثقافاتٌ اجتماعيةٌ معمّرة، كرديّةٌ وسريانيّةٌ وأشوريّة، عاشت آلافِ السّنين، وكانت أصلَ الإنسان الأوّل ومفجّر ثورتهِ الزّراعية في مهدِ العالمِ القديم حيث بلاد مابين النهرين Mesopotamia.
ولإعادةِ إحياء هذه الثقافات لا بدّ من تركِها وطبيعتِها المجتمعيّة التي جُبِلتْ عليها، في إدارةٍ شبهِ مستقلّة، لتعيشَ كسابقِ عهدها جنباً إلى جنب في أمّةٍ ديمقراطيّة تكونُ منارةً للحريّةِ والمساواة، ومثالاً للمجتمع الحرّ، المتخلصِ من عُقَدِ القوميّة والجّنسويّة، في عصرانيّة ديمقراطيّة متوائمةٍ مع الطبيعة والبيئة.
وتأتي نظريةُ أوجلان في العصرانية الديمقراطية في مواجهةِ الحداثة التي تطرحها الرأسمالية للخروج من مأزقها، وتتضمن ثلاث وسائل هي الأمّة الديمقراطية، والاقتصادُ المجتمعيّ، والصناعة الصديقةُ للبيئة، فما هي الأمة الديمقراطية؟
الأمّـــــــــــــــــة
يعرّف أوجلان الأمّة اصطلاحاً بأنها شكلُ المجتمعِ الذي يَلي تحولَ العشائر وقبائل القربى إلى كيانات، كالقومِ والملّة والشّعب الذي غالباً ما يُميزُ ذاتَه باللّغة والثّقافة[1]، ويرى أنّها في أوسع أشكالها عالمٌ ذهنيّ وثقافيّ مشترك.
فالأمةُ لديهِ إمّا قوميّة أو شعبويّة أو ملّية دينيّة أو مذهبيّة، فهو بذلك لا يفرقُ بين الأمّة والإثنيّة التي تعتمد أساساً على أبعادٍ ثقافية، ولا بينها وبين القوميّة التي تضمُ مجموعةً من الناس يتكلمونَ لغةً واحدة وما يصاحبُ ذلك من ثقافة ومشاعرَ وتقاليد، ولا حتّى بينها وبين المذهبيّة أو الدينيّة التي يمكنها أن تُكوّنَ أمةً بحسب تعريفهِ شرط توافر الحالة الذهنيّة المشتركة فيها.
وإذا ما عُدنا إلى مفهومهِ عن الثقافةِ[2] واللغةِ[3] نجدهُ يطابقُ بينهما “بالإمكان تعريفُ اللغة بمعناها الضيّق على أنها الثقافةُ أيضاً”، وبذلك يبتعد عن المفهوم الشائع للأمةِ خصوصاً عندما يقتطعُ منه سِمَتَيّ الوطن والمصالح المشتركة[4] كونهما عاملين مادييّن، ويدلل على ذلك باليهودِ بوصفهم أمّة عاشت ردحاً من الزّمن بلا وطن، وفي الحالةِ الكرديّة فإن الأمّة الكرديّة لديه تتكون من الكُرْد، والأمّةُ العربيّة من العرب، والأمّة اليهوديّة ممّن يدينون بالدّين اليهودي، فالأمّة لديه ليست ذاتُ طابعٍ قوميّ محضّ.
وهذا التعريفُ للأمّة هو ما يمارسهُ عمليّاً حزبُ الاتّحادِ الدّيمقراطي PYD الذي يستلهمُ نظريةَ أوجلان، فأعضاء الحزب وقياداته وكوادره كلهم ينتمون إلى القوميّة الكردية، ولا يمكن أن ترى بينهم أيّ عضوٍ ينتمي إلى قوميةٍ أخرى، على الرغم من خلوِّ اسم الحزب من أيّ كلمةٍ تشيرُ إلى انتمائهِ القوميّ.
وفي ما يتعلقُ بسوريا أيضاً قد يكون مفيداً نقل ما كتبته عام 2016 مراسلة تريبيون نيوز نقلاً عن أمينة أوسي وهي نائبة مدير الشؤون الخارجية في الحزب وآلدار خليل، من أن حزبها “يرى إمكانية لقيام خمس ولايات فدرالية داخل البلاد: الأولى هي روج آفا وشمال سوريا، بما في ذلك الرقة إذا ما جرى تحريرها من أجل ضمان عدم عودة داعش إليها، أما الولايات الأربع الأخرى فهي جبل الدروز، واللاذقية التي تُعتبر معقل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد، والمنطقة السنيّة الرئيسة التي تشمل حماه وحمص والعاصمة دمشق، ويحلم آلدار خليل بـ اتحادٍ شرق أوسطي، على غرار الاتحاد الأوروبي، تربط فيه بين المناطق الكردية الفدرالية في تركيا وسوريا والعراق علاقاتٌ قوية، ويضيف قائلًا: كلا، إننا لا نريد كردستاناً واحداً كبيراً[5]“
ومن هنا فما يسميهِ حزب الاتحاد الديمقراطيPYD بـ “فدرالية شمال سوريا” مخالفٌ لنظرية أوجلان أصلاً، إذ لا يمكنُ أن تكونَ الجغرافية محدداً للأمّة الديمقراطية وفق النظرية، والصّحيح هو إنشاء إدارةٍ ذاتية لكلّ مكونٍ أو مجتمعٍ سوريٍ تجمعهُ ذهنيةٌ ثقافيةٌ مشتركة، وبهذا الشكل سوف يكون لدينا إدارةٌ ذاتيةٌ تخصّ العرب، وأخرى تخصّ الكُرد، وثالثةٌ للمسيحيين ورابعةٌ للإيزيديين والعلويين أيضاً، وهو ما يبدو واضحاً وصريحاً أكثر في حديث مراد قره يلان رئيس منظومة المجتمع الكردستاني لمجلة الشرق الأوسط الديمقراطي “في سوريا لا داعي أن يحيا الكردُ بشكلٍ منفصل بل بإمكانهم العيشُ مع التعدديات والأقوامِ الغنيّة جميعها الموجودة فيها استناداً إلى مفهوم الأمة الديمقراطية، ولكن يجب أن يتمكن هذا الشعب إحياء ثقافته وممارسة لغته وإدارة نفسه بنفسه كالشّعب العربيّ، وكذلك على الشعوب والعقائدِ المختلفة الأخرى كالعلويين والدّروز أن تحيا وتمارسَ عقائدها وثقافاتها بحرّية[6]” وهكذا… فكل مجتمعٍ له الحقُّ في إنشاء إدارتهِ الذّاتية شبه المستقلّة.
الدّيمقراطيّة
أمّا الدّيمقراطية فيعتمدُ في تعريفها المعنى الحَرْفِيّ لعبارةِ إدارة الشّعب نفسَه بنفسه من دون انتخابٍ أو تفويضِ ممثلينَ عنه، ويمثّلُ لها بإدارةِ المجموعاتِ العشائريّة والقبائليّة التّي لم تكنْ تعرفُ السّلطة أو الدّولة قديماً، والإداراتِ الذاتيّة الباقية خارجَ حكم السلطة والدولة إلى حدٍّ ما في وقتنا الحالي[7].
أمّا مجتمعاتُ الدول فلا يرى فيها أيّ ديمقراطية، على الرغم من أنها تتضمنُ إداراتٍ ديمقراطية، غير أن هذه الأخيرة في نظره متداخلةٌ مع الإداراتِ الاستبدادية للدولة القوميّة، ومن ثم فهي فاسدة.
ولذلك فهو لا يعترفُ بالدّيمقراطية التمثيليّة الليبرالية، ويرى أنها محض زينةٍ تضعها الحداثةُ الرأسمالية لتخفي وجهَها القبيح، ذلك أن السّلطةَ سوف تسعى دائماً إلى تحجيمِ الدّيمقراطيّة.
ينطلقُ أوجلان في تفسيراته كلها من فرضيّة وجود الصّراع بين أي شيئين ليسا متطابقين، طبقاتِ المجتمع، الرجلِ والمرأة، الدّولةِ والمجتمع على سبيل المثال، لذلك فالصّراع الطّبقي لديه هو ما دفعَ الدّولة إلى الحَدّ من نطاقها عبرَ الدّساتير التّي تحد في الوقت نفسه من نطاق المجتمعِ بالديمقراطية التمثيلية، وذلك كلّه بهدف تطويعِ الاشتباكاتِ المحتملة بينهما، وإتاحة الفرصة للعيش معاً.
وبذلك فهو لا يضع تعريفاً للديمقراطية بحدّ ذاتها، بل بما تنتجهُ من إدارةٍ ذاتيّة شبه مستقلّة أو إدارة حكمٍ شبه مستقل، فالديمقراطية لديه ليست وسيلة وإنما هي ناتجٌ يعني مباشرةُ الشعبِ إدارة نفسه بنفسه، من دون تفويض ممثلين، وذلك عبر انخراطه في تنظيماتٍ مناطقية، وأخرى مهنية، وثالثة خدميّة، وهكذا.
الأمّةُ الدّيمقراطيّة
بناءً على ما سبقَ فإنّه من أجلِ بناءِ الأمّة الدّيمقراطيّة، لا بد من توافرِ شرطَين أساسيّيْن:
الأوّلُ: هو وجودُ الأمّةِ المتشاركةِ ذهنيّاً وثقافيّاً، أو المشتَقّة منْ أمّةِ الثّقافة أو اللّغة، أي الأمّة الكرديّة.
والثّاني: هو وجودُ طِرازِ الإدارةِ الدّيمقراطيّةِ شِبْهِ المستقلّة الذّي يعتبرُه الركنَ الأساسَ فيها.
ولذلك فهذه الأمّةُ –بحسب رأيه– مثاليّةً وأقربَ إلى الحريّة والمساواة، لأنها تلجمُ الاستغلالَ والقمعَ، وتُشكلُ بديلاً من حكم الدولة، وتقدمُ حداثتَها الدّيمقراطيّة مترافقةً باقتصادٍ مطهّرٍ من الاحتكار، وتعاملٍ تقنيّ “إيكولوجي” بيئيّ صديقٍ للإنسان والطّبيعة، ولذلك فهو يسمّيها بالعصرانيّةٌ الدّيمقراطيّة.
ومثلما أنّ الوطنَ والسّوقَ المشتركةَ ليسا سِمتين محدّدتين للأمّة الدّيمقراطيّة، كذلك فإنّ اللّغةَ ليست محدداً لها على الرغم من أهميّتها، بل أكثر من ذلك فإن الأمّة الدّيمقراطيّة بحدّ ذاتها ليست شيئاً مقدّساً، فهي قابلةٌ للنمّاء والاتّساع، ويمكن الانتماءُ إلى أممٍ عدة في آنٍ واحد، أو كما يقول “قد تُعاش قومياتٌ مختلفة متداخلة[8]“.
ونموذجَ الأمّة الديمقراطيّة يفعمُ الهويّات المتباينة[9]، ومنه يمكننا القولُ إنّ الأمّةَ الدّيمقراطيّةَ التّي يسعى أوجلان إلى تصنيعِها ما هي إلا تجمّعٌ من قومياتٍ وإثنياتٍ أو أديانٍ ومذاهبَ عدة، يعمل كلٌ منها على إنجازِ إدارته الذاتية الديمقراطية شبهِ المستقلّة، ثم يتحّدون مشكّلين الأمّة الديمقراطيّة التي تتجسد في “الكونفدرالية الديمقراطية التي لا تمس الحدود السياسية القائمة”، وبذلك تكون أيضاً الكونفدرالية الديمقراطية الكردستانية بديلاً من جمهورية كردستان الموحدة[10]، ويمكن أن يكونَ الأمر أكثر وضوحاً في مثال الاتحاد الأوروبّي الذي يطرحه نموذجاً يسيرُ نسبيّاً في هذا الاتجاه[11]، لكن لا بدّ من تطويره.
ويختمُ أوجلان بالتحذير من تطابقِ الأمّة الدّيمقراطيّة مع سلطةِ الدّولة ومن تحولّها إلى دكتاتوريّة شعبيّة، ويرى أنّ عليها بناء ذاتها من دون الانصهار في بوتقة الدولةِ القائمة، أو استهدافها بالهدمِ والتّطلع بالمقابل إلى التدّول، وذلك من دون أن يضعَ حدوداً أو وسائلَ تحولُ دون ذلك.
غير أن ما حذّر منه قد حصل، وما المحاكمُ الشعبية التي تنظمها الإدارات الذّاتيّة التابعةُ لحزب الاتحاد الديمقراطيّ PYD في الميادينِ العامة، إلا دكتاتوريةً بروليتاريّة واضحة، وليس هناك ما يضمنُ تجاوزَها باقي المحاذير.
وعلى الرغمَ من أنّ أوجلان وضع نظريته في العصرانية الديمقراطية في مواجهة الحداثة الرأسمالية، إلا أنه لم يبيّن السبلَ الكفيلةَ بحماية هذه الأمة من تغوّل الرأسمالية مرةً أخرى، وتخيّلها جزيرةً معزولة.
وهو يعزو المشكلات كلها؛ الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة إلى الحداثة الرأسمالية أي إلى الخارج، متجاهلاً أن جزءاً كبيراً من هذه القضايا ذاتُ أسبابٍ داخليّة، وأنّ البيتَ الواحد فضلاً عن المجتمعِ الواحد أو الأمّة الواحدة قد يمارَسُ فيه الاستغلالُ والقمعُ إذا لم تكنْ هناك ضوابط رادعة، وأن صلاتِ القربى وحدها غير كافيةٍ لمنع حدوثه أو إيقافِ تمدّده.
لماذا انقلب أوجلان على فكرة إقامة الدولة الكردية
في مدى ربعِ قرنٍ قاتلَ العمالُ الكردستانيّ الذي قادهُ أوجلان في سبيل إقامة الدّولة الكرديّة الموحدة، متبنّياً الاشتراكيّة المشيدة على غرار الاتّحاد السّوفياتي، إلا أنّه انقلبَ عليها وانتقدها واتّهمها بأنها نسخةٌ أخرى من الرأسمالية، فما هي الأسباب التي دعته إلى ذلك؟
يحاولُ أوجلان تسويغَ هذا التّحولِ بانهيار الاشتراكيّة المشيدة في الاتّحاد السّوفياتي عام 1990، والأزمةِ الأيديولوجيّة التي أفرزتها على صعيد الدّولة القوميّة المكلفةِ بإنشاء الاشتراكية، غير أن هذا التّسويغ لا يبدو مقنعاً، وبخاصة إذا علمنا أنّه استمرّ في تبنّي الأيديولوجية ذاتها حتى اعتقاله سنة 1999، وأنّ تسعَ سنواتٍ كانت كافية لتقديم مراجعاتِه، ولذلك تبدو الأسبابُ الأخرى أكثرَ إقناعاً.
فاليأسُ الذي وصلَ إليهِ و حزبُه بعد اعتقالِه، وفشلُ الوصولِ إلى الدّولة القوميّة، والانشقاقاتُ التي حصلتْ داخل الحزب، وتململُ الكوادر بما فيهم القُدامى، وتنامي حالاتِ الفرار، وظهورُ التّكتلات والتّصفيات، إضافةِ إلى وضعِ الحزب على قائمةِ المنظماتِ الإرهابيّة أوروبيّاً وأمريكيّاً، ومن ثم وصولُ PKK إلى حافة الانهيار، هو ما دفعهُ إلى هذا التحوّلِ الذي يبدو لأول وهلة جذريّاً، بَيْدَ أنّه لم يكنْ أكثرَ من إعادةِ هيكلةٍ للجانب الأيديولوجيّ في حين بقيَ الجانبُ العمليّ على حاله، في محاولةٍ لاستعادةِ قواه والوقوف على رجليه، وإيجادِ إجابات آنيةٍ عن الأسئلة المُحرجة التّي كانت تعصفُ به، في ما يشبهُ تماماً تغييرَ اسمِ PKK إلى KADEK وONGRA GEL بدءاً من عام 2002، ثم العودة إلى اسم PKK مجدداً في بداية عام 2004، وهو تنفيذ لمقولتهِ “لا يسودُ في الشّرقِ الأوسط إلّا التّكرارُ وطلاءُ الحمار بلونٍ آخرَ لبيعه مجدداً لصاحبه”[12].
إنّ تجربة الحلّ الديمقراطيّ التي يحاول أوجلان التنظيرَ لها، ويعتبرها مفتاحَ الحلّ للقضيّة الكرديّة، تأتي مرحلةٍ وسطية بين تجربةِ الاشتراكية المشيدة التي انهارت وبانَ عُوارُها، والدّيمقراطية اللّيبرالية التي يكرهُها ليس لأنّها تعتبر انقلاباً من دينٍ إلى آخرَ كما يحاولُ إيهامَنا، بلْ لأنّ هناك تيارٌ كرديٌ قديم يتبنّاها ويمارسُها في العراق، ومن ثم لن تكونَ لنظريّته الجديدة فرادتُها، ولن يسجلَ اسمهُ بين الفلاسفةِ العظماء، ولن تسجّلَ نظريتُه بوصفها جيلاً جديداً من الاشتراكيّة.
ومن ثم فهي مزجٌ بين الأيديولوجيّتين ليس على أساسٍ الأكثر تميزاً أو الأنفعِ للفرد، بل على أساس ماينفعُ المجتمعَ وفق نظرةٍ مثاليةٍ تُنكرُ على الليبرالية حقوقَها الفرديّة، وتزجّ المجتمعَ في وحداتٍ “كوموناتٍ” اشتراكيّة، يقودُها حزبُه بوصفه طليعة ثوريّة في سبيل بناء الأمّة الدّيمقراطيّة التي لن تحكمها سوى أيديولوجيته، على ألا تصلَ حدّ الدولة القومية، غير أنه لا يلبث أن يقع في مطبّ هذه الأخيرة، فيستدعي الليبرالية لاختيار مجالسه القيادية في المستويات العليا، وفق الديمقراطية الليبرالية التمثيلية التي يمقتها.
وعلى الرغم من اعترافه بأنه لم يكن كثير الإيمان بواقعية شعار “كردستان مستقلة وموحدة وديمقراطية[13]” الذي طالما ردده أتباعه خلال العقود السابقة، إلا أنه لا يمكن الوثوق في آرائه فهو قادر على تسويغ انقلابه في أي لحظة.
حزب PKK يقودُ عمليّة الانقلاب
يرى أوجلان أنّ الكردَ ولدوا قوميّاً أوّل مرةٍ مع إعلان PKK في ثمانينيات القرن الماضي، ثم ولدوا ثانيةً خلال السّياق الممتد حتى بداية القرن الحالي بوصفهم شعباً يعبر عن نفسه، أما الولادة الثالثة فهي مع إعلان الأمة الديمقراطية التي على PKK أن يقودها أيضاً، لأن الأحزاب الاشتراكية مكلفة تاريخيا بصوغ حداثة بديلة للحداثة الرأسمالية بحسب قوله.
ومنه على PKK أن يتدمقرط ويتحولَ إلى نموذجٍ أوّلي للمجتمعِ السياسيّ الحرّ، ويجعلَ نفسه نظاماً بديلاً للحداثة الرأسمالية، عبرَ ممارسة الحداثة العصرانية بعناصرها الثلاثة في حياته.
وبهذا الشكل يتحول إلى قوةٍ طليعية[14] بلوَرَتْ نظرياً وعملياً الأمّة الديمقراطية، ويمكنه أن يعرضَ نفسَه نموذجاً مبدئيّاً لها، في سبيل تحويلِ المجتمع الكردي إلى الأمّة الديمقراطية، ولذلك فالحاجة إلى الكوادر والقادة سوف تكون مضاعفة، وبالتأكيد فإن أوجلان مطمئنٌ وبلا ضمانات إلى أن PKK لن يتحول إلى حزبٍ فاشي لأنه لا يهدف إلى بناء دولة قومية.
وعلى PKK أيضاً أن يأخذَ على عاتقه أداء دورٍ مهم لحماية الهويّة الكرديّة وطموحات الحياة الحرّة[15]، لأنها إذا كانت تفتقرُ إلى أيّ ضماناتٍ قانونيّة واقتصاديّة وسياسيّة ودفاعيّة قد تُقمع وتُسحق أو تُعرّض للمجازر على يد أعدائها في كلّ لحظة.
غير أنّ أوجلان أهملَ نقطةً مهمةً في نظريتّه، تتعلقُ بالأحزاب التي سوف تأخذُ على عاتقِها بناءَ الأممِ الديمقراطيّة للشعوب الأخرى كالعربية والسّريانية والأشورية المجاورة والمتعايشة مع أمّته، وربما فَطِنَ لها إلا أنه لم يخطرْ في بالهِ أن تُتاحَ لحزبه فرصةً لحكمِ هذه المكونات مثلما هو قائمٌ في سوريا.
سبل حلّ الأمة الديمقراطية
يضع أوجلان سبيلين[16] لإنجاز حلّ الأمّة الديمقراطيّة، الأوّلُ سلميّ يجري بالاتفاق مع الدول الأربعة “المحتلة لكردستان” وهي سوريا وتركيا وإيران والعراق، والثّاني هو الحرب التي سوف تقودها قوات PKK وستشمل المناطق كلها في اللحظة نفسها، في الأرياف والمدن، فإما سلامٌ مشرف أو حربٌ شاملة سترتكزُ هذه المرة على “صون الوجود ونيل الحرية بالقوة الذاتية[17]“.
وهو ما يصفه بالتطبيق أحاديّ الجانب من دون موافقة الدول القومية، إلى أن تفرزَ الحربُ وِفاقاً ما أو يتوطدَ الاستقلال[18].
وفي هذه الحالة سوف يفرض PKK نفسه ويطبق مخططه كقوة إداريّة وسيادةٍ نافذة سواءً داخلَ المجتمع الكرديّ أم بين الشّعوب والمجموعات الأخرى التي تشاطره العيشَ في كردستان[19].
ويرفض أوجلان الحقوقَ الفرديّة والثّقافية، بحجة أنها تأتي ضمنَ مخطط التخلّص من PKK، حالها حال الدّويلة الفدراليّة الكردية في شمال العراق، لأن حريّة الفرد بحسب رأيه تأتي مع حريّة مجتمعه.
الحياةُ داخلَ الأمّة الدّيمقراطيّة
سوف يقسمُ المجتمع إلى وحداتٍ “كمونات” ويجدُ فردُ الأمة الديمقراطية حريتَه في “كومونيّة” المجتمع، أي في الحياة على شكل مجموعاتٍ صغيرة أكثرَ فاعلية، لذا “فلا فردانيّة لمن لا كمونة له، أو لا حياة كمونالية له”، وبإمكانه العيش ضمن أكثر من كمونة أيضاً[20].
ومن هنا فإن إنسان الأمّة الدّيمقراطيّة لديهِ عاقلٌ ومفعمٌ بالمشاعرِ والعواطفِ، يشعر بالآخر ويتقمّصه عاطفياً، عبرَ تحجيم علاقاتِ الاستغلال المطعّمة بالعنف، وإتاحةِ الفرصة لمجتمعٍ أكثرَ حريّة ومساواة.
ويمكن أن يكون الفرد عضواً في الدولة القومية وفي الأمة الديمقراطية في آنٍ واحد، وتمنحُ هويّات مواطنةٍ بحجمٍ معقول تتضمنُ رمزاً وطنياً، ومن الممكن تمثيلُ المواطنتين كلتيهما في آنٍ واحد.
وفي حال قبول الدول القومية بحقوقهم وواجباتهم في الأمّة الديمقراطية، فبإمكان الكرد عندها قبولُ حقوقهم وواجباتهم الأساسيّة ضمن إطار الدول القوميّة[21].
وفي شؤون الحياة الأخرى فيرى أن التناسلَ غريزةٌ متناقضةٌ مع الوعي، ومن هنا فلا بدّ من وقف التّكاثر البشريّ، أمّا مفهومُ الشّرف المستندِ إلى المرأة فيدّل في الحقيقة على حالةٍ بعيدة البعدِ كله عن معنى الناموس، “إنّ التّعصّب لشرف المرأة مغالى فيه، هو تعبيرٌ عن اللاشرف الاجتماعي المغالي في قطيعته”، وأن الشرف للمجتمع وليس للمرأة[22].
أمّا الأمنُ والدّفاع فيتولاه PKK، وفي ما عدا الأمنَ القوميّ المشترك تجاه الخارج فإنه يتعين أن يدبر المجتمعُ الكرديّ بنفسه الشؤون الأمنية الداخلية، وفي حال رفضت الدول القومية (تركيا، سوريا، إيران، العراق) ذلك فيقوم بذلك من تلقاءِ نفسه بإجراءٍ أحاديّ الجانب، لأن وجود كردستان والكرد وحريتهما مستحيلان من دون دفاعٍ ذاتيّ[23].
وعلى الرغم من أن أوجلان لم يتطرق إلى موضوعِ تشكيل الأحزاب داخل الأمّة الدّيمقراطيّة، إلا أنه يمكن فهمُ موقفه السلبيّ منها عبرَ تكليفه PKK بإنشاء الأمّة، واعتباره تطور المجتمعيّة يتناسب عكساً مع التحزّب ويفقده معناه[24]، وأن مفهومَ التحزب يتنافى مع الإصرار على الحريّة والمساواة الذي يمكن تسميته الاشتراكية[25].
ومع ذلك فإن حزبَ الاتّحاد الديمقراطي PYD وعبرَ إدارته الذّاتية أقرّ قانوناً للأحزابِ يتناسبُ شكلاً مع الدّول الديمقراطية، إلا أنه أفقدَها مضمونَها حين غمزَ في مادّته الثالثة إلى أن تؤسسَ على أساسِ أيديولوجيةِ الأمّة الدّيمقراطيّة، ثم أتبعها بعبارةٍ صريحة في مادّته الرابعة بألّا تتعارَض مع العقدِ الاجتماعيّ المستمدِّ أساساً من عقيدةِ الأمّة الدّيمقراطيّة.
ومنه فإن إيمانَ الأحزابِ بالأمّة الدّيمقراطيّة شرطٌ أساس لترخيصها، وقد يبدو ذلك أوضح في تصريحٍ لممثل PYD في شمال العراق غريب حسو لموقع ولاتي في 12/1/2015 “المجلسُ الكرديّ لا يؤمنُ بالكانتونات ولا بالأمّة الدّيمقراطيّة”، فما فائدةُ تشكيل الأحزاب الأخرى إذا كان مطلوباً منها أن تؤمنَ بعقيدة حزب السّلطة.
وأما توقيت انتهاء عملية إنشاء الأمّة الدّيمقراطيّة فيرى محض السّؤالِ عنه سذاجةٌ لا داعي لها، لأن موضوع الحديث هو إنشاءٌ لن يكتملَ ما دامت البشريّة قائمة[26].
نظريّة الأمّة الدّيمقراطيّة والتّجربة السّوريّة
يروّج أتباعُ أوجلان أنّ نظريتهم وُضعتْ حلاً لقضايا الشرق الأوسط، غير أنّ عنوان الكتاب الذي ضمّنه إياها “منفستو الحضارة الديمقراطية – القضية الكردية وحلّ الأمّة الدّيمقراطيّة – دفاعاً عن الكرد المحصورين بين فكّي الإبادة الثقافية” يوضح أنّها خاصةٌ بالكُرد عموماً وفي تركيا خصوصاً، وهو ما يمكن قراءتُه في مواقعَ كثيرة من الكتاب.
وبحكمِ اندلاع الثورة السورية فقد قُدّر لهذه النظرية أن تَختبرَ أولى عملياتِ تطبيقها على الأرض، فأعلنَ حزب الاتّحاد الديمقراطيّ PYD إدارته الذّاتية التّي لم تلبثْ أن تطورتْ شاملةً السّلطات كلها؛ التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائيّة، في تقاربٍ تامّ مع سلطةِ الدّولة التي حذّر منها أوجلان.
وإذا عدنا إلى تعريفِ الدولة لدى أوجلان “بأنّها شكلٌ من أشكال السّلطة إلا أنها تفضُلها بأنّها خاضعةٌ للرقابة أكثر، وتتمثلُ بقواعدَ تتحولُ لاحقاً إلى قانون، وتشرعنُ نفسها[27]” فما الذي يمكنُنا أن نطلقَه على سلطةٍ شرعنَتْ نفسها بعِقدَين اجتماعيّين ومجموعةٍ لا حصر لها من القوانين؟ وبخاصة عندما تكون الوظيفة الأولية للقانون بحسب قوله هي تعزيزُ سلطة الدولة، ومن ثم تحجيم الميدان الاجتماعي أكثر فأكثر، وأن أي القانون أداةُ الشّرعنة الأساسيّة للحداثة الرأسمالية.
ومن الجدير بالذّكر أن أوجلان ومن منطلقٍ أيديولوجي تاريخيّ قدّمَ نظريته في مواجهة الحداثة الرأسمالية التي تقودها أمريكا الآن، إلّا أنّ مسار الأحداث في الثورة السوريّة أظهرَ عكس ذلك، فحزب الاتحاد الديمقراطي PYD لم يقاتل حرّاً أبداً، إنما قاتل مرةً بإمرة الدّولة القوميّة المتمثلة بنظام الأسد، ومرةً أخرى بغطاء التحالف الغربيّ الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.
أمّا عن حجتها في مكافحة الإرهاب فمدحوضةٌ لأن الفوضى العارمة الناتجة من مشكلات الدولة القومية هي المصدر الأول للعنف والإرهاب والحروب[28] بحسب النظرية، والإرهاب الذي طال الشعوب كلها بما فيها المسلمين هو أحدُ نتاجات الحداثة الرأسمالية[29]، وأن من يسميهم هذا النظام “إرهابيين إسلاميين” ليسوا سوى عملاءَ خلقوهم بأيديهم[30]، وبخاصة إذا علمنا أن للولايات المتحدة مساهمةٌ كبيرة في محاولات تصفية PKK واعتقال أوجلان، ودفع تركيا إلى الهجوم على سوريا في تسعينيات القرن الماضي[31]، وأن تنظيم القاعدة وطالبان ما هما إلا أدواتٍ في يدِ هذا النظام لإتمام سيطرته على البلدان الإسلامية[32].
غير أنّ أوّل مخالفةٍ لمبادئ الحريّة والمساواة والشّعور بالتّعاضُد وتَقمُّص الآخر الذي ترمي إليه النظرية كان من أوجلان نفسه، فهو الذي وجّهَ حزبَه إلى لقاء الأسد[33] والتّصالح مع النظامين السوري والإيراني[34] إبّان انطلاق الثورة السورية.
أضِف إلى ذلك أنّ تأسيس المجلس التشريعي فيه مخالفةٌ واضحةٌ للنظرية، فهو فضلاً عن أنه انزلاقٌ نحو السلطة، اقتداءٌ عملي بالديمقراطية النيابية الليبرالية التي تُستَخدمُ من قبل حزبه في تشكيل المجالس المحلية في المدن والمناطق عبر الاقتراع السّري المباشر، إضافة إلى أن تشكيل هذه المجالس هو مخالفة أخرى للنظرية، كونها تحول الإدارات الذاتية إلى إداراتٍ محلّية بصلاحياتٍ شكلية تنفي عنها روحَ المجتمعيّة، وتركّز السلطة في مستوياتٍ أعلى تجعلها أقرب إلى سلطة الدولة منه إلى سلطة المجتمع.
وحظْرَ اللّغة العربيّة[35] وفرضَ منهاجٍ كرديّ في المدارسَ الواقعة تحت سيطرة الحزب، ينسفُ النظرية من أساسها، فكيف لمن عانى الصّهر والإبادة الثقافية وشعر بالظّلم أن يعيد إنتاجهما عندما يملك القوة؟
خاتمة
حين وصل إلى يدي عام 2005 أولُ منشورٍ لهيكليّة الأمة الديمقراطية تصفحتُه جيداً، فقد كان مخطّطاً شجريّاً يتضمنُ خطةَ بناءِ هذه الأمّة، التي تبدأ من تنظيمِ المجتمع ضمن لجانٍ للأحياء والبلدات والمدن والمحافظات، إضافة إلى جمعياتٍ للأطباء والمحامين والمهندسين والعمال، وجماعاتٍ للقضاء والمصالحة واللغة والثقافة والفلكلور، وأذكر انني قمت بإحصائها فكانت 29 فرعاً ليس من بينها هيئةُ الدّفاع الذّاتيّ، وحين ناقشتُ بعض الأصدقاء علمت أنّه لم يبق في قاموس العمال الكردستانيّ ما يشيرُ إلى الدّولة القومية، ذلك أنه بات يسعى إلى تنظيمِ المجتمعِ الكرديّ في لجانٍ مجتمعيّة، تحقق له أهدافه بما لا يتجاوز الحدودَ السياسية للدول، ولا يتعارض مع الأنظمة القائمة، ولا يتصادمُ معها.
كان من الواضح أن المنشورَ جاء نتيجةً لتهالك التنظيم شعبياً، وتقهقرهِ سياسيّاً وعسكريّاً، وحتى أيديولوجياً، وبات الحزب مُقاطَعاً من أغلب مؤيّديه، فامتنعوا عن دفع التّبرعات “الأليكارية”، ودخل الحزب في فقرٍ مدقع، انعكس حتّى في قدرته على النّشاط والتّجنيد، وانعكست معه أحوالُ PKK فبات الفرارُ من قنديل ديدنُ المقاتلين اليوميّ، خصوصاً مع تفهّمِ النظام لوضعهم آنذاك وتسوية أمورهم، فدخلَ الحزبُ في النّزاع الأخير لولا انطلاق الثورة السورية التّي أعطته جرعةَ حياة.
حاول الحزبُ حينَها تنفيذَ هيكليّته المُقتَرَحة فلم يتعاون معه أحدٌ باستثناء ثلةٍ صغيرة من البُسطاء وكبار السّنّ، وأحجمت الأغلبيةُ عن اقتناءِ كتاب “الكونفدرالية الديمقراطية” لعبد الله أوجلان الذي وزّعه الحزبُ مع المنشور مقابل 500 ل س، ولم يكنْ على الحزبِ حينها سوى احترام إرادتهم لأن ليس باليدِ حيلة، وبقيت الأمّة الدّيمقراطيّة طيّ النسيان حتى عام 2012.
كثيرةٌ هي النّظريات الفاشلة التّي دفع البشرُ أثماناً باهظةً من دمائهم لقاء تنفيذها، أو ذهبت دماؤهم بريئةً بلا ثمن في مسارها، وأغلبُها تلمعُ كشرارةٍ في لحظةٍ ما، قبل أن يقومَ الفيلسوفُ بتأطيرها ومقارنتها بغيرها ويستخلص منها نظريّة ربّما لا يقرؤها إلا واحدٌ هو الدّكتاتور الذي وجد نفسه في غفلةٍ من الزّمن يتسلّم عرش السّلطة، فيعكف على تطبيقها كأهمّ شيءٍ قرأه أو اطّلع عليه، أو ربّما يكون الكتابُ الوحيدُ الذي اقتناهُ طوال حياته، أو أهداه إياه أحدُ مثقّفي الغَفْلة.
غير أن مجرى الحياة الطبيعيّ يعودُ ثانيةً متدفّقاً فيلقي بالدكتاتور في مزبلة التاريخ، ويرمي النظريّة في أقربِ حاويةٍ للقمامة، أما الفيلسوف فتلتصقُ به اللّعنة أجيالاً عدة.
وهكذا تستمرّ الحياة مع متفلسفٍ جديد ودكتاتورٍ جديد، وأمةٍ جديدة، ويعيدُ التّاريخ نفسَه، ولا يملّ البشرُ من سفكِ دماءِ بعضهم.
مراجع
[1] – منفستو الحضارة الديمقراطية، المجلد الخامس، عبد الله أوجلان، ص48.
[2] – المصدر السابق، ص24.
[3] – المصدر السابق، ص25.
[4] – المصدر السابق، ص49.
[5] – موقع الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سورية http://www.dimoqrati.info/?p=36834
[6] – مفهوم الأمة الديمقراطية والشرق الأوسط، من لقاء لمجلة الشرق الأوسط الديمقراطي 19/8/2017 مع مراد قره يلان. https://goo.gl/Q68iYh
[7] – منفستو الحضارة الديمقراطية م5، ص33.
[8] – المصدر السابق، ص52.
[9] – المصدر السابق، ص52.
[10] – المصدر السابق، ص576.
[11] – المصدر السابق، ص53.
[12] – دفاع عن شعب، أوجلان، ص296.
[13] – منفستو الحضارة الديمقراطية م5، ص521.
[14] – المصدر السابق، ص438.
[15] – المصدر السابق، ص442.
[16] – المصدر السابق، ص445.
[17] – المصدر السابق، ص450.
[18] – المصدر السابق، ص484.
[19] – المصدر السابق، ص490.
[20] – المصدر السابق، ص486.
[21] – المصدر السابق، ص488.
[22] – المصدر السابق، ص495.
[23] – المصدر السابق، ص514.
[24] -المصدر السابق، ص442.
[25] – الدفاع عن شعب، أوجلان، ص310.
[26] -منفستو الحضارة الديمقراطية، ص537.
[27] – المصدر السابق، ص28.
[28] -المصدر السابق، ص46.
[29] – المصدر السابق، ص130.
[30] – المصدر السابق، ص554.
[31] – المصدر السابق، ص341.
[32] – المصدر السابق، ص552.
[33] – من لقاء أوجلان مع محاميه 13 نيسان 2011.
[34] – من لقاء أوجلان مع محاميه في 18 أيار 2011.
[35] – ملاحظة: عارض العرب والكرد حظر اللغة العربية وفرض المنهاج الكردي في المدارس.
هذه المادّة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.