تتزايد المؤشرات على أن القطاع الزراعي بات أحد أهم نقاط الضوء المهمة في الاقتصاد المغربي لهذا العام، وسط توقعات متفائلة بفورة غير مسبوقة في إنتاج الحبوب هذا الموسم.
وبينما تتطلع الحكومة المغربية إلى حدوث نمو في إنتاج قائمة تضم 11 منتوجا فلاحيا خلال 2021، وضعت وزارة الفلاحة المغربية تقديرات متفائلة لمحاصيل الحبوب للموسم الحالي، وسط توقعات أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع استهلاك المغاربة بسبب التأثير الإيجابي للموسم الزراعي على مداخيل فئة واسعة من المواطنين خاصة في المناطق القروية. ترافق ذلك مع خطط حكومية جديدة لتطوير أصناف من البذور بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي مستقبلا بعد سنوات من الجفاف بفضل مخطط المغرب الأخضر، كما تزامن مع بدء الحكومة تطبيق رسوم جمركية على واردات القمح، من أجل حماية المزارعين المحليين من المنافسة بعد محصول وفير يُتوقع أن يتضاعف ثلاث مرات مقارنة بالمستوى الذي بلغه العام الماضي. ف
فورة الحبوب
وزارة الزراعة المغربية أفادت أواخر الشهر الماضي بأن المغرب يتوقع بلوغ محصول الحبوب 9.8 مليون طن في عام 2021، وهو ما يزيد 206 بالمئة عن 2020، وتشير توقعات وزارة الفلاحة والصيد البحري إلى نمو الإنتاج الفلاحي خلال العام الحالي مقارنة بالسنة المنقضية، حيث قدرت التوقعات أن يشهد 11 منتجا فلاحيا تطورا إيجابيا مقارنة بالسنة المنقضية.
وتذهب توقعات وزارة الفلاحة إلى نمو إنتاج الحبوب بنسبة 23.9 % مقارنة بموسم 2020، ومن المنتظر إن يتطور انتاج القمح اللين خاصة بـ173.8 %، حيث سيكون الإنتاج في حدود 230 ألف طن مقارنة بـ84 ألف طن في 2020، و188 ألف طن في 2019.
التوقعات الرسمية تشير إلى ارتفاع صابة القمح الصلب بحوالي 15 في % مقارنة بـ2020 وبالنسبة ذاتها سيتطور انتاج الشعير، فيما سيصعد انتاج التريتكال إلى 35 ألف طن بعدما كان في حدود26 ألف طن في 2020 مع العلم أن صابة الحبوب مقدرة بـ1.9 مليون طن مقابل 1.5 مليون طن السنة المنقضية .
المسؤولون المغربيون يعزون هذه الزيادة الكبيرة في إنتاج الحبوب إلى وفرة الأمطار خلال الموسم الحالي، مع درجات حرارة أقل نسبيا من المستويات التي تم تسجيلها بالموسم الماضي، كما يعتبر وزير الفلاحة والصيد البحري “عزيز أخنوش” أن الموسم الحالي أفضل موسم منذ خمس سنوات ومنذ إطلاق مخطط المغرب الأخضر، عازيا هذا الإنتاج إلى انتظام الأمطار والعمل الجاد للمزارعين وسياسة البحث في مجال البذور.
وكالة الأنباء المغربية الرسمية، نسبت إلى أخنوش قوله إن النتائج “مرضية جدا”، مشيرا إلى أن الأمطار الأخيرة سترفع النمو وتحسن الناتج المحلي الزراعي الإجمالي، مما سيسمح بتدارك وامتصاص النقص المسجل خلال السنتين الأخيرتين خاصة في فترات الجفاف.
وتشير بيانات الوكالة المغربية للتنمية والاستثمار، إلى أن الزراعة تعتبر من أكبر قطاعات الاقتصاد المغربي بحصة تبلغ 19 في المئة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وتوفر حوالي 4 ملايين فرصة عمل مباشرة.
في السياق، يتوقع خبراء ومحللون أن يسجل اقتصاد المغرب نموا هذا العام يصل إلى 5.2 في المئة، بزيادة 0.4 نقطة عن توقعات قانون الموازنة.
جهود حكومية لحماية المزارعين
من أجل حماية المزارعين المحليين من المنافسة بعد محصول وفير متوقع أن يتضاعف ثلاث مرات مقارنة بالمستوى الذي بلغه في العام الماضي، قررت الحكومة المغربية اتخاذ تدابير تحفيزية لضمان تسويق “جيد” للحبوب، كما عمدت إلى تحديد سعر مرجعي للقمح اللين بـ29 دولارا للقنطار الواحد، بالإضافة لإعانة جزائية لفائدة الكميات المسوقة من القمح اللين ومنحة تخزين بالنسبة للكميات التي تم تجميعها.
كما كشفت وزارة الفلاحة والصيد البحري، الأسبوع الماضي، عن العودة لتطبيق الرسوم الجمركية على واردات القمح اللين والصلب، وذلك بعد تعليقها في الموسم الماضي إثر انهيار حاد للمحصول، الذي بلغ 30 مليون قنطار، متأثرا بالجفاف الذي عرفته المملكة.
بالإضافة إلى ذلك، قررت الحكومة رفع الرسوم الجمركية على الواردات من القمح اللين إلى 135 في المائة، اعتبارا من منتصف أيار\ مايو الجاري، ورفع الرسوم الجمركية على الواردات من القمح الصلب إلى 170 في المائة اعتبارا من مطلع حزيران\ يونيو المقبل.
فرصة للفلاحين
يرى عضو مجلس إدارة الشركة الوطنية لتسويق البذور “أمين بوجدية”، أن الرسوم الجمركية التي أعلن عنها مؤخرا مهمة ومن شأنها توفير فرصة أمام المنتجين المحليين من أجل تصريف محصولهم، وبالرغم من تحديد سعر مرجعي للقمح اللين، إلا أن الحصول على ذلك السعر يبقى رهينا بقانون العرض والطلب، مؤكدا أن العرض من القمح اللين مهم هذا العام، ومرجحا أن تحرص المطاحن على شراء القمح المحلي في ظل ارتفاع الأسعار في السوق الدولية.
بالإضافة إلى ذلك، يلفت “بوجدية” إلى أن مسألة الجودة التي يراها متوفرة ستكون حاسمة، غير أنه يشدد على أن تحقق الجودة يبقى رهينا بالظروف المناخية بعدما نضجت الحبوب، مؤكدا أنه يجب الحرص على تجميع الحبوب بطريقة تستجيب للمعايير التي تطلبها المطاحن.
يُشار إلى أن تحليل العينات الأولى من محصول سنة 2021، بمنطقة عبدة، من قبل مختبر المكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني، كشف أن مستوى الجودة جيد، من خلال وزن خاص “جيد جدا”، بحوالي 79,9 كلغ/هكتار، أي 3 نقاط أكثر من الوزن القياسي، و82 كلغ/هكتار كحد أقصى، ومستوى جيد من البروتينات بحوالي 13٪.
تخفيف الضغط عن فاتورة الصادرات
يتوقع المحلل الاقتصادي “خالد عبد الحميد”، أن يساعد محصول الحبوب هذا العام في تخفيف ضغط فاتورة القمح والشعير على الصادرات، والتي زادت خلال العام الماضي إلى نحو 1.6 مليار دولار، مقابل نحو مليار دولار في العام الذي قبله، بحسب بيانات مكتب الصرف الحكومي.
يشير “عبد الحميد” إلى أن مشتريات المغرب من القمح، بلغت خلال الربع الأول من العام الجاري، 450 مليون دولار، بزيادة بلغت نسبتها 22.1% عن الفترة نفسها من 2020، مرجحا أن تعاود الانخفاض مطلع شهر آب\ آغسطس المقبل، نتيجة الفائض في انتاج الحبوب عموما والقمح على وجه الخصوص.
ويضيف “عبدالحميد”، سيتوجب على الحكومة المغربية مراقبة أسعار القمح في السوق الدولية، فقد ارتفعت بنسبة 40%، لتصل في سوق باريس (يورونيكست) إلى 247.5 يورو للطن، مسجلة أعلى مستوى لها منذ 2013، كما ستواصل الارتفاع في ظلّ توقعات تراجع إنتاج الحبوب في الدول المصدرة الكبرى، ما يعني أن المغرب قد يتحول من مستورد لمصدر.
يشار إلى أن المغرب يستورد عادة ما بين مليونين وثلاثة ملايين طن من القمح اللين، معظمها من فرنسا، وذلك اعتمادا على حجم الإنتاج المحلي.
يذكر ان المندوبية السامية للتخطيط، كانت قد توقعت أن تواصل أسعار المنتجات الغذائية في الربع الأول من العام الجاري الارتفاع بنسبة 20%، خصوصاً الحبوب والزيوت والشاي والسكر، في سياق زيادة الطلب العالمي بسبب المشتريات الاحترازية.
وكان المغرب قد عمد، في سياق تراجع حاد في المحصول خلال العام الماضي، إلى تعليق الرسوم الجمركية عند الاستيراد من أجل الحفاظ على سعر كلفة مقبول وتمكين المستوردين من الاستفادة من فرص السوق العالمي وضمان التجديد المستمر للمخزون لمدة لا تقل عن 4.5 أشهر من حاجيات الاستهلاك.