مع الترحيب الكبير من قبل الإدارة الأمريكية باجتماع فيينا الخاص بملف إيران النووي، إلا أن ما يأتي من واشنطن حول الاجتماع لا يتناسب طرداً مع ذلك الترحيب، لا سيما في وقتٍ تستبعد فيه المتحدثة باسم البيت الأبيض، “جين ساكي” أن تتم مفاوضات مباشرة بين الغرب وإيران حول برنامجها النووي.
وتقول “ساكي”: “البيت الأبيض يرى المحادثات غير المباشرة مع إيران في فيينا خطوة بناءة على الأرجح، لكن هناك أيضاً متطلبات دبلوماسية أخرى، لذا لا يتوقع البيت الأبيض وإدراة الرئيس بايدن إجراء محادثات مباشرة حاليا مع الجانب الإيراني”.
قلة تفاؤل أمريكي واتفاق ليسوا بحاجة إليه
تعليقاً على الاجتماع في فيينا، يشير الباحث في الشأن الإيراني، “حسام يوسف” إلى أن الولايات المتحدة غير متفائلة بالجدية الإيرانية للوصول إلى اتفاق مع الدول الغربية، لا سيما وأن النظام الإيراني يهدف إلى استخدام البرنامج النووي لأهداف عسكرية وليس فقط على الجانب المدني كما هو معلن، وهو ما لا يقبل المجتمع الدولي، معتبراً أن كافة الاجتماعات والدبلوماسية ستكون من وجهة النظر الأمريكية عقيمة في ظل التعنت الإيراني.
إلى جانب تصريحات “ساكي” يلفت “يوسف” إلى تصريحات المبعوث الأميركي الخاص بإيران، والتي أكد خلالها أن مفاوضات الاتفاق النووي المقبلة صعبة، وهو ما اعتبره مؤشراً على قناعة أمريكية بأن المستقبل القريب لن يحمل اتفاقاً مع إيران.
ويضيف “يوسف”: “منطقياً الولايات المتحدة حالياً ليست بحاجة ماسة للاتفاق مع إيران حتى تقبل باتفاق منقوص، خاصة وأن واشنطن تمنح ملفي الترسانة الصاروخية والسياسات الإيرانية في الشرق الأوسط أولوية كونها تمثل الخطورة الآنية وليس الملف النووي، وهذا ما يعكس إصرار الولايات المتحدة على أن تكون المفاوضات شاملة وتضم الملفات الثلاثة”، مشيراً إلى أن إيران تستغل تلك النقطة لعرقلة انطلاق المفاوضات وترك الوضع الراهن على ماهو عليه وسط رفع مستويات تخصيبها لليورانيوم.
يشار إلى ان وزارة الخارجية الأمريكية استبعدت الجمعة، حدوث انفراجة سريعة بشأن الاتفاق النووي الإيراني، لافتة في الوقت ذاته إلى أنها ستتعاون مع روسيا والصين وأوروبا لإنقاذ الاتفاق.
كما يعتبر “يوسف” أن كلا الطرفين الأمريكي والإيراني لا يريد الوصول إلى اتفاق في الفترة الحالية، على اعتبار أن الأمريكيين يريدون اتفاق شامل فيما يحاول الإيرانيون اللعب على وتر الوقت، لافتاً إلى أن العقوبات الأمريكية عملياً لم تؤثر على رؤوس النظام الإيراني مثل المرشد وقيادات الحرس الثوري والهيئة الدينية، وإنما أثرت على الدولة الإيرانية والشعب الإيراني، بدليل أن ثروة المرشد “علي خامنئي” تقدر بمليارات الدولارات، وبالتالي فإن العقوبات حدت من إمكانية جمع رؤوس النظام للمزيد من الأموال وزيادة ثرواتهم لكنها لم تؤثر عليهم بشكل خاص ومباشر، حتى يرضخوا للشروط الدولية على حد قوله.
أدوات متاحة وأوراق تتحرك في الشرق الأوسط
المرحلة الحالية وكما يصفها المحلل السياسي “إحسان موسوي” هي مرحلة لطرح أوراق القوة وليس للتفاوض، مشيراً إلى أن كلا الطرفين سواء إدارة “بايدن” أو النظام الإيراني، حاولا أن يطرحا ما لديهم من قوة على الأرض في المنطقة، وهو ما ظهر جلياً من خلال تصاعد الهجمات في العراق على القواعد الأمريكية وزيادة معدل الهجمات الحوثية على الأراضي السعودية وزيادة الانتشار العسكري في سوريا، وهو ما رد عليه الأمريكان بغارات جوية مكثفة ضد الميليشيات الإيرانية على الحدود السورية – العراقية.
كما يلفت “موسوي” إلى أن المجتمع الدولي وتحديداً الولايات المتحدة تدرك تماماً حقيقة قدرة إيران على تنفيذ هجمات من عدمها، موضحاً أن “الولايات المتحدة تعرف أن إيران أضعف حالياً من القيام بأي مغامرة عسكرية غير محسوبة أو تنفيذ هجمات عسكرية قد تعرضها لتحالف عسكري دولي، كما تعرف الولايات المتحدة أن المخابرات الإيران والجبهة الأمنية داخل البلاد أضعف من أن تحبط أي هجمات استخباراتية قد تنفذها الولايات المتحدة أو إسرائيل، وهو ما تبين من خلال عمليتين على الأقل، الأولى مطلع العام 2017، عندما سرق الموساد الإسرائيلي أطنان من الوثائق شديدة السرية من قلب إيران، بالإضافة إلى عملية اغتيال العالم النووي فخري زادة في قلب العاصمة الإيرانية”.
إلى جانب ذلك، يشير “موسوي” إلى أن حقيقة الوضع بالنسبة للنظام الإيراني من كافة النواحي، لا يفرق كثيراً عن أوضاع نظام “صدام حسين” قبل سقوطه عام 2003، سواء من الناحية الاقتصادية أو العسكرية وحتى من الناحية الشعبية، مضيفاً: “إيران تعيش حصاراً مشدداً منذ سنوات أفقدها مئات المليارات وضرب اقتصاد البلاد ورفع معدلات الفقر والجوع، كما أن الجيش الإيراني ومستوى تسليحه على الرغم من الفارق في مسألة المنظومة الدفاعية الجوية لا يخوله دخول مواجهة أمام تحالف دولي، بالإضافة إلى حالة التفكك بين الأجهزة العسكرية سواء من جهة العلاقة بين الجيش النظامي والمخابرات العامة من جهة وبين الحرس الثوري من جهة أخرى، وأنا أؤكد هنا أن مجرد قيام حرب ضد النظام الإيراني فإن آلاف الضباط والجنود في الجيش النظامي وحتى في الحرس سيفرون كمان أن الملايين من أبناء الشعب الإيراني سيبادرون بمهاجمة مراكز النظام أيا كانت، وهو مشهد معتاد في أي دكتاتورية في العالم”.
بناءاً على ذلك، يشدد “موسوي” أن الولايات المتحدة لا تعير أي اهتماماً لإمكانية وجود تحرك إيراني، على اعتبار أنها على دراية كاملة بالوضع الداخلي الإيراني
يذكر أن التحقيقات الإيرانية في قضية اغتيال العالم النووي “زادة” أكدت أن العنصر الأساسي في العملية هو عنصر سابق في الحرس الثوري وفر من البلاد قبل تنفيذ العملية.
نقطة الصفر والسقوط المدوي
كل المعطيات السابقة، وبحسب الباحث “يوسف” تتغير في لحظة معينة، ويبدأ الصبر الأمريكي بالنفاد ويتحول الوضع إلى تحرك ملموس ضد إيران، موضحاً: “الولايات المتحدة ستتحرك ضد إيران بشكلٍ جدي عند نقطتين، الأولى اقتراب إيران من القدرة على انتاج سلاح نووي، والثانية تعميق التحالف مع روسيا أو الصين في جبهات جديدة في الشرق الأوسط، وهنا يجب التذكير أن دعم قيام جمهورية إسلامية في إيران عام 1979، كان له هدف أساسي هو الحد من المد الروسي في الشرق الأوسط والحدود الشرقية لأوروبا، لذا فإن انتقال إيران كلياً إلى المعسكر الصيني أو الروسي، يعني أن النظام فقد مهمته الأساسية بالنسبة للمجتمع الدولي”.
تعليقاً على نظرة “يوسف”، يشير الخبير في شؤون الشرق الأوسط، “عمرو عبد العاطي” أن حالة التقارب الإيراني من روسيا والصين ستكون بمثابة خط أحمر بالنسبة للدول الغربية والولايات المتحدة ، خاصة إذا حاول النظام الإيراني الحصول على منظومة دفاع جوي روسية إسوة بتركيا، مشدداً على أن فكرة تبني إيران للخط الديني لن تعوقها من إنشاء تحالف مع روسيا والصين ذات الأنظمة غير الدينية، تحت بند المصلحة السياسية وضرورات المرحلة.
يشار إلى أن إيران أعلنت خلال الفترة الماضية، عن توقيعها اتفاقية تعاون مشترك مع الصين لمدة 20 عاماً، ما فجر موجة من الجدل على اعتبار أن عدد كبير من بنود الاتفاقية لا يزال غير معلن، وسط تحذيرات دولية من تحويل إيران إلى مستعمرة صينية كون الاتفاقية تحدثت عن وجود قواعد صينية على الأرضي الإيرانية.