يعرف لبنان كيف يمكن أن يكون النمو المتسارع مهدداً، حيث تشهد البلاد بداية موجة ثالثة من الإصابات بفيروس كورونا. إلا أن آمال القدرة على الحد من العدوى عن طريق التطعيمات منخفضة، فبعد أن حصل البرلمانيون والأشخاص المقربون من الرئيس ميشال عون على جرعات التطعيم بشكل غير قانوني، حان الآن دور السكان، لكن لا يتم حالياً إعطاء أكثر من4000 حقنة يومياً على حد قول رئيس مستشفى بيروت الجامعي فراس أبيض: “يبلغ عدد سكان لبنان حوالي 6.8 مليون نسمة، لذلك لم نصل حتى إلى واحد بالمائة من السكان حتى الآن”.
ومع ذلك، ليس ارتفاع عدد الإصابات هو الذي يسبب حالياً معظم المخاوف في لبنان. حيث أن المنحنى الذي يُظهر سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار الأمريكي أكثر تهديداً، فالرسم البياني، الذي يُظهر انخفاضاً هائلاً في قيمة الليرة اللبنانية منذ شهور، ارتفع بشكل عمودي تقريباً منذ بداية الأسبوع الماضي. وفي بداية مارس/ آذار، كان المتداولون في النقد الأجنبي لا يزالون يتقاضون 9700 ليرة للدولار الواحد، حتى نهاية الأسبوع الماضي 10 آلاف ليرة. الإثنين والثلاثاء الماضيين، انخفضت العملة كل ساعة تقريباً: 13000، 14000، 15000.
ما يعنيه هذا بالنسبة للسكان يمكن ملاحظته في المتاجر: فقد حوصر الكثيرون يوم الثلاثاء، وحاول اللبنانيون المذعورون شراء مخزون من المواد قبل أن تصبح أموالهم عاجزة عن دفع حاجاتهم. منذ ديسمبر 2020 وحده، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 402 في المائة، وفي بعض الأماكن خرج الوضع عن السيطرة وحدثت عمليات نهب.
حتى أن بعض المتاجر لم تفتح لأن أصحابها ببساطة لم يتمكنوا من الحصول على المزيد من السلع: حيث يتعين على لبنان استيراد جميع السلع تقريباً، الأمر الذي أصبح أكثر صعوبة بسبب انهيار العملة.
والليرة، التي حاول البنك المركزي الحفاظ على معدلها مستقراً بشكل مصطنع لفترة طويلة، كانت قيمتها أعلى بما يقرب من عشرة أضعاف بالنسبة لقيمة الدولار في نهاية عام 2019.
لكن بعد ذلك، انهار المخطط الهرمي الذي حاول من خلاله رئيس البنك المركزي رياض سلامة جذب العملات الأجنبية إلى البلاد. حيث سمحت الحكومة لبنوك الدولة بدفع أسعار فائدة هائلة للمستثمرين، لكنها الآن مفلسة. وبالإضافة إلى التمويل، كانت هناك أزمة كوفيد، وأخيراً انفجار ميناء بيروت في آب، الذي دمر عشرات آلاف الفرص لسبل العيش. وعلى إثر ذلك استقالت حكومة رئيس الوزراء حسان دياب، لكنها ما زالت تدير الوضع البائس بعد سبعة أشهر، لأن خليفة دياب المعين، سعد الحريري، لم ينجح بعد في تشكيل حكومة جديدة.
اليوم دياب الذي كان واثقاً من نفسه يعمل من شقته الخاصة، ولا يقتصر الأمر على حواجز الطرق التي أقامها المتظاهرون الغاضبون من الذهاب إلى مكتبه بقدر ما تمنعه التهديدات بالقتل، كما قال لصحيفة فاينانشيال تايمز. كل أسبوع تنتظر فيه البلاد حكومة جديدة هو بمثابة عام ضائع في ضوء تراكم الإصلاح: “نحن نواجه كارثة مالية حادة”.
يمكن ملاحظة ذلك أيضاً في الراتب الذي يتقاضاه رئيس الوزراء، الذي لا يزال في الحكم دون إرادته: فعندما تولى منصبه، كان حوالي 7300 دولار، بينما أصبح اليوم يتقاضى أقل بقليل من 740 دولاراً بسعر الصرف الحالي.
بالطبع دياب لا يجوع، لكن الكثير من مواطنيه يعانون من ذلك. وفقاً للبنك الدولي، يعيش ما يقرب من نصفهم بالفعل تحت خط الفقر، و 22 بالمائة منهم يعيشون في فقر مدقع. أولئك الذين يتقاضون الحد الأدنى للأجور يقدر دخلهم بحوالي 45 دولاراً فقط حالياً. وعلى الرغم من أن الحكومة قررت حزمة دعم للمواطنين المحتاجين في الفترة الماضية، إلا أنها اضطرت إلى الإعلان عن قرارات فظيعة جديدة يوم الثلاثاء: نظراً لانخفاض احتياطيات العملة بشكل خطير، سيتم قطع الدعم. لا يكاد أحد يعرف بالضبط مقدار العملة الصعبة التي لا يزال البنك المركزي يحتفظ بها، ووفقاً لمعلومات من بلومبرج، انخفض احتياطي النقد الأجنبي في غضون عام واحد من 25.1 مليار يورو إلى 13.4 مليار يورو.
لم يقتصر الوضع الاقتصادي الصعب على المواطنون فحسب، بل مؤسسات الدولة أيضاً لم تعد تعرف كيف تدفع فواتيرها. فوزير الداخلية يحذر من أن القوات الأمنية ستضطر إلى تقليص مهامها بنسبة 90 في المائة، ويطالب وزير الطاقة بمليار دولار لمنع الانهيار التام لإمدادات الكهرباء التي تعمل أساساً بشكل جزئي فقط، وكانت قد منحته لجنة برلمانية 20 مليون دولار، ثم انطفأت الأنوار يوم الثلاثاء حتى في المطار الوحيد في البلاد. ويحذر قائد الجيش من أنه لا يستطيع دفع رواتب جنوده للعام الحالي بينما في الوقت نفسه يطرح دبلوماسي لبناني في محادثة سرية الانقلاب باعتباره أحد الحلول الأخيرة الممكنة.
حتى مع تسوية المبالغ الصغيرة، هناك مشاكل كبيرة كان على شركة Combi Lift الألمانية أن تعلم بها، حيث قامت الشركة بتأمين أكثر من 1000 طن من المواد الكيميائية شديدة السمية التي تم اكتشافها في ميناء بيروت بعد الانفجار، لكن لم يتم دفع مليوني يورو التي تم ضمانها لها في العقد الموقع في نوفمبر حتى بعد شهر من اكتمال العمل، لذلك لا تزال 52 حاوية من المواد الكيميائية في الميناء.
ومساء الثلاثاء، فتحت الحكومة اللبنانية “خطاب اعتماد” يؤمن الدفع. وعلّق المدير الإداري لشركة Combi Lift فيلدرهوف باقتضاب: “لقد استغرق الأمر حقاً وقتاً طويلاً”.
الآن سفينة في طريقها لتجميع المواد الكيميائية، على الأقل في هذا الوقت، يتناقص خطر الانفجار في لبنان.