دراسة استطلاعية
الملخص التنفيذي:
نتابع في هذا الجزء وهو الثاني من هذه الدراسة الاستطلاعية؛ أحوال وتصريحات المهاجرين المبعدين من تركيا؛ والإجراءات القانونية التركية الجديدة التي ضيقت الخناق على المهاجرين؛ مما دفعتهم للهجرة باتجاه أوروبا عبر اليونان؛ إما براً أو بحراً في رحلة الموت كما أطلقوا عليها، لنمر على مأساة مسكوت عنها تتمثل بالمهاجرين القصر التي لم تبلغ أعمارهم الثامنة عشر؛ وليس لهم عائلات ترعاهم، بعد أن فقدوا عائلاتهم! والصعوبات التي يواجهها اللاجئون الطلبة الذي يدرسون في الجامعات التركية، مما تجعلهم يفكرون بالهجرة إلى أوروبا، ودور الضغوط التركية على اللاجئين السوريين لترحيلهم إلى الداخل السوري؛ من خلال المحاور التالية:
- لقاءات مع لاجئين مبعدين من تركيا
- ما الإجراءات القانونية التركية الجديدة خلف الهجرة من تركيا؟
- مأساة اللاجئين القُصَّر في تركيا من الذين لا تتوفر لهم عائلات!
- ما صعوبات التي يواجهها اللاجئون الطلبة في تركيا فتدفعهم للهجرة إلى أوروبا؟
لقاءات مع لاجئين مبعدين من تركيا
التقينا عبر مراسلنا في مدينة إعزاز السورية بعدد من المُرَحَّلين إلى الداخل السوري (مدينتي إدلب واعزاز السوريتين) من مدينة أورفا التركية الواقعة جنوب تركيا والقريبة من الحدود السورية، وحدثونا مع طلبهم بإخفاء أسمائهم، أملاً بعودتهم ثانية إلى تركيا عن طريق المهربين، عما حصل لهم، يقول السوري (ج . ع) وهو مرحّل من أورفا التركية إلى إعزاز السورية، أنه يقيم في تركيا بأورفا منذ نحو سنة، ولم يستطع الحصول على بطاقة الإقامة (الكيملك) ونتيجة ظروفه الاقتصادية السيئة؛ بدء بالعمل كنادل في إحدى المقاهي السورية المنتشرة بالمدينة، ولكن شرطة البلدية بأورفا؛ ألقت القبض عليه، وتم ترحيله بتهمة دخول البلاد بطريقة غير شرعية! وأضاف: كنت قد قدمت طلباً للحصول على بطاقة الحماية المؤقتة، ولكني لم أحصل عليها، وهناك سماسرة يستغلون أوضاعنا؛ ويطلبون مبالغ كبيرة لا قِبَل لي بها؛ لمساعدتي بالحصول على بطاقة الحماية من خلال الرشوة، كما أنني استطعت إيجاد عمل في إسطنبول عن طريق أقاربي، ولكن أحتاج إلى مبلغ (200 دولار) حتى أصل إليها عن طريق سيارة؛ تستخدم لنقل العمال من ولاية إلى أخرى بطريقة غير شرعية.
ثم التقينا بشاب سوري (ف . ح) تم ترحيله من مدينة عينتاب التركيا إلى الداخل السوري بتهمة كتابات على صفحته بالفيسبوك؛ انتقدت الممارسات العنصرية لدى بعض الأتراك ضد اللاجئين. والذي تم ترحيله بعد مداهمة الأمن التركي المختص لبيته؛ واقتياده إلى الأراضي السورية مُبْعداً من عينتاب التركية.
وكان لنا اللقاء بشخصية معارضة من طائفة سورية غير سُنية، وصل تركيا منذ عام؛ ولقد سبقته أسرته ويقيمون في إسطنبول؛ ويدعى (ع . ش .ح) أخبرنا بأنه لم يستطع إرسال أطفاله إلى المدرسة هذا العام، لأن القوانين الجديدة؛ لا تسمح لهم بدخول المدارس التركية لكونهم غير حاصلين على بطاقة الحماية المؤقتة بإسطنبول التي أصبح الحصول عليها شبه مستحيل. والغريب والمحزن أن هذا المعارض السوري والمعتقل لسنوات في سجون نظام الأسد أخبرنا؛ بأنه لم يخرج من بيته منذ خمسة أشهر، خوفاً من أن يتم إلقاء القبض عليه من قبل شرطة بلدية إسطنبول؛ ومن ثَمّ ترحيله إلى الداخل السوري حيث تسيطر المعارضة الإسلاموية؛ التي إنْ تمكنت من هذا المعارض المنتمي إلى طائفة معينة، ستتم تصفيته. ([1])
اقرأ أيضاً
إجراءات قانونية تركية جديدة وراء الهجرة من تركيا!
تحدثت دراسات أخرى بأن السوريين هذه الأيام؛ باتوا اليوم في تركيا يعانون من عدم الاستقرار بخصوص الأمور القانونية في تركيا؛ لعدم حصولهم على بطاقات حماية مؤقتة وإقامات وأذونات عمل، فقد شهدت المرحلة الماضية تشديدًا في إجراءات الإقامة، إذ جمدت دائرة الهجرة التركية الكثير من بطاقات الحماية المؤقتة لأسباب أرجعتها إلى عدم تحديث عناوين السكن، ولا يستطيع السوري أن يثبت نفوسه أو عنوان منزله بالعديد من المناطق، حيث أعلنت وزارة الداخلية التركية منع الأجانب الحاملين لكل أنواع الإقامات، والسوريين المسجلين في البلاد تحت الحماية المؤقتة، من تقييد نفوسهم في 16 ولاية تركية و800 حي في 52 ولاية. ([2])
وتتحمل السلطات التركية المسؤولية الأساسية لتلقي وتقييم طلب الحماية الدولية الخاص باللاجئين. فقد جاء على الموقع الرسمي التابع للحكومة التركية حول قبول أو رفض اللاجئين على أراضيها: “خلال تسجيل اللاجئ في المديريات المحلية لإدارة الهجرة، سيُطلب منه تقديم معلومات عن أسباب ترك بلدك الأصلي أو مكان إقامته السابق، وتجربته بعد المغادرة. والأحداث التي أدت به لتقديم الطلب. وفقاً للقانون، ويجب إجراء المقابلة الشخصية في غضون 30 يومًا من تاريخ التسجيل. ومع ذلك، فمن المحتمل إجراءها في وقت لاحق. وعليه الحضور إلى المديريات المحلية لإدارة الهجرة في الموعد المحدد لإجراء مقابلته. ويمكن إجراء مقابلات إضافية عند الضرورة. كما تتطلب القوانين واللوائح الوطنية أن تحترم سرية هوية اللاجئ والمعلومات التي يقدمها. وفقاً للقانون، وسيتم الانتهاء من تقييم طلبه في غضون موعد لا يتجاوز ستة أشهر من تاريخ تسجيله من قبل المديرية العامة لإدارة الهجرة. ولكن يرجى الملاحظة أن هذا قد يستغرق وقتا أطول. وبذلك سيتم اتخاذ القرارات على أساس فردي. وسيتم تقييم الطلبات المقدمة نيابة عن عائلة كاملة كطلب واحد ويشمل القرار المصدر جميع أفراد العائلة. خلال اتخاذ القرار، ستأخذ في عين الاعتبار ظروف اللاجئ الشخصية والشروط العامة الحالية في بلده الأصلي أو مكان إقامته السابق”. ([3])
مأساة اللاجئين القُصَّر في تركيا من الذين لا تتوفر لهم عائلات!
هناك مأساة أخرى مسكوت عنها في قضية اللاجئين إلى تركيا؛ وتتمثل باللاجئين القصر التي وصلوا إليها؛ وليس لهم عائلات؛ إنما هم يتامى دون أولياء أمور، “غالبية هذه الشريحة بما نسبته 57% جاءت إلى تركيا بسبب الوضع المعيشي والاقتصادي السيئ في سوريا، ورغبة في الحصول على فرصة عمل لتأمين دخل لهذه الشريحة وعائلاتها بالدرجة الأولى، ثم للتَهَرُّب من الخدمة العسكرية الإلزامية والبحث عن الأمان، ثم الاستقرار هرباً من المعارك والعمليات العسكرية في سوريا بهدف السفر إلى أوروبا أو لتلقي العلاج.
وقد وصلت غالبية هذه الشريحة بعمر أكبر من 12 سنة؛ حيث إن النسبة الأكبر بينهم كانت بأعمار 15، 16، 17 سنة، وهو ما يعني أنهم قضوا سنوات المراهقة دون عائلاتهم وفي بيئة تختلف ثقافياً واجتماعياً عن البيئة التي قدموا منها، ودون وجود أي رقابة أو توجيه.
وتشير نتائج الاستبانة إلى أن 84% منهم ما يزالون شباباً عازبين؛ 5% متزوجون، ولكن عائلاتهم في مكان آخر، و11% أجابوا بـ “أخرى”، وهو ما قد يُقصد به وجود علاقة لم تتحول إلى شكل رسمي، كما أن 22% من هذه الشريحة لم تتلقَّ سوى التعليم الابتدائي، بينما حصل 44% منها على التعليم الإعدادي، و29% حصلوا على التعليم الثانوي. ومن جهة أخرى يتحدث 47% من هذه الشريحة اللغة التركية بشكل جيد، بينما لا يزال 36% آخرون في مستوى متوسط.
وحول الوضع الصحي تشير نتائج الاستبانة إلى أن 85% من هذه الشريحة لا تعاني من أية مشاكل صحية، باستثناء بعض الأمراض البسيطة، بينما يعاني البقية من إصابات حرب بنسبة 8%، وإعاقات حركية بنسبة 3%، وأمراض وراثية بنسبة 4%؛ وبالتالي يحتاج قرابة 16% منها إلى رعاية صحية وأدوية بشكل مستمر، و18% بشكل متقطع.
كذلك فإن نتائج الاستبانة تشير إلى أن 96% من الشريحة المستطلعة آراؤها التحقت بسوق العمل، بينها 44% من هذه الشريحة تعمل منذ وصولها بشكل مستمر، و52% تعمل بشكل متقطع، حيث تتوزع هذه الشريحة العاملة بشكل رئيسي في قطاع الأزياء، تليها الورشات الصناعية وورشات النجارة، ثم البناء والإنشاءات، ثم في قطاع المطاعم والمخابز، ثم في الشركات والمحلات التجارية بنسبة 4%.
وحول ظروف العمل تشير نتائج الاستبانة إلى أن 3% فقط يعملون لمدة 8 ساعات، بينما يعمل 88% من الشريحة المستطلعة آراؤها بين 9-12 ساعة، فيما يعمل 9% أكثر من 12 ساعة، ومع ظروف العمل الطويلة تبدو الرواتب متدنية جداً؛ إذ يتلقى ما يزيد عن 70% من هذه الشريحة رواتب أقل من الحد الأدنى للأجور، بينما يحصل 24% منهم على رواتب تتراوح بين 2500-3500 ليرة تركية شهرياً، و6% فقط يحصلون على رواتب تزيد عن 3500 ليرة تركية. من جهة أخرى يعمل 92% من هذه الشريحة بشكل غير نظامي؛ بينهم 80% من هذه الشريحة لها وضع إقامة قانوني يسمح لها باستصدار إذن عمل رسمي، ويسهم 89% من الشريحة المستطلعة آراؤها بمساعدات مادية يرسلونها إلى عائلاتهم في سوريا بشكل دوري أو متقطع، وهو ما يعني أن هذه الشريحة تعيش بإمكانات اقتصادية متدنية جداً بالنظر إلى رواتبهم وإلى ما يقتطعونه منها لمساعدة عائلاتهم“. ([4])
صعوبات يواجهها اللاجئون الطلبة في تركيا تدفعهم للهجرة إلى أوروبا
في دراسة قام بها مجموعة من الباحثين في مركز حرمون للبحوث والدراسات؛ جاء فيها: “يعاني بعض الطلبة السوريين حالة كراهية من بعض الطلاب الأتراك، وهو أمرٌ ربما يعود أيضًا لصعوبة التواصل بين الطلبة السوريين والأتراك، بسبب حاجز اللغة، وربما يعود لمواقف عنصرية موجودة في أسر هؤلاء الطلبة، تنعكس سلوكات مسيئة لبعض الطلبة السوريين. ومن الصعوبات التي يعانيها السوريون صعوبة معادلة الشهادات العلمية، فهي تستغرق وقتًا طويلًا يمتد أحيانًا سنوات، وقد قال 47 % من أفراد العينة إن هذه الصعوبة موجودة بنسبة مرتفعة. أما عن تكاليف الدراسة، فيبدو أنها مقبولة نوعًا ما في المدارس، فقد أفاد 14 % من أفراد العينة بأنهم لا يجدون ارتفاعًا في تكاليف الدراسة، و33 % قالوا إن هذه الصعوبة موجودة، ولكن بنسبة منخفضة، وقال 16 % إنها موجودة بدرجة عالية. من حيث الدراسة في الجامعات، يبدو أن تكاليفها تشكل عائقًا مهمًا أمام بعض الطلبة الجامعيين؛ فقد أفاد 30 % من أفراد العينة بأنهم يجدون صعوبة بدرجة مرتفعة، مقابل 9 % فقط قالوا إنهم لا يجدون أن تكاليف الدراسة الجامعية مرتفعة، وبالنسبة إلى محتوى المناهج التركية من اللغات الأجنبية، صرّح نحو 88 % من أفراد العيّنة بأنهم يجدون ضعفًا في تعليم اللغات الأجنبية (عربي، إنكليزي، فرنسي). وأخيرًا بخصوص توفر أماكن للطلاب السوريين في مقاعد الدراسة، سواء المدرسية أو الجامعية، فقد أفاد 13 % من أفراد العينة بأن المقاعد متوفرة، ولا مشكلة في ذلك، مقابل 31 % يرون أن هذه المشكلة موجودة لكن بدرجة منخفضة، و19 % يرون أن هذه المشكلة موجودة بدرجة مرتفعة. ولعل ذلك عائد إلى تجمع السوريين في أماكن محددة، حيث يزيد الضغط على مدارس بعينها، ولا نجد مثل هذا الأمر في الأماكن التي يكون عدد السوريين فيها قليلًا”. ([5])
نتابع في الجزء الثالث من هذه الدراسة الاستطلاعية
المراجع
[1] ـ بعض هذه اللقاءات تمت في مدينة إعزاز السورية وبعضها الآخر في المدن التركية لمراسلينا؛ ولكن تم التحفظ على ذكر أسماء المبعدين حتى لا يتعرضوا لأي إجراءات؛ قد تسبب ضرراً لهم.
[2] ـ السوريون في تركيا يبدأون هجرة جديدة إلى وجهات أكثر استقرارًا:
https://www.noonpost.com/content/44114
[3] ـ تعليمات قبول اللاجئين في تركيا على الموقع الرسمي المختص بذلك:
[4] ـ تأثير تجربة اللجوء على اللاجئين القُصّر غير المصحوبين بعد سنوات من وصولهم إلى تركيا:
[5] ـ سياسة تركيا تجاه الصراع واللجوء السوري: مركز حرمون للدراسات المعاصرة: مجموعة باحثين: