اعتبر مركز الإمارات للدراسات، أن تغييب قائد فيلق القدس السابق، “قاسم سليماني”، قد أثر بشكل كبير على النفوذ الإيراني في سوريا، كما شكل إرباكاً لميليشيات إيران هناك، لافتةً إلى ارتباط ملف سوريا لدى النظام الإيراني، بشخص “سليماني” وعلاقته بالترتيبات التي جرت في هذا البلد، منذ استلام بشار الأسد السلطة في عام 2000 وحتى 2020.
ولفتت الدراسة إلى أن “قاسم سليماني”، اهتم بشكل مباشر بالساحة السورية منذ بداية استلامه مهامه قائداً لفيلق القدس، معتبرةً أن جنرال إيران المخضرم استثمر وفاة “حافظ الأسد” ليعيد رسم العلاقة بين إيران ونظام سوريا الجديد، الذي ترأسه “بشار الأسد”، من خلال التأسيس لنمطٍ مختلف من العلاقة بين الدولتين.
كما نقلت الدراسة عن مصادر مطلعة، بأن نفوذ “سليماني” في سوريا، بدأ مع تشكيل قوة عسكريَّة تحت قيادته، هدفها تأمين انتقال سلس لمقاليد الحكم إلى بشار الأسد بعد وفاة والده، في حزيران 2000، وهي القوة التي ساعدت النظام الإيراني لتحويل العلاقة بشكل كامل مع سوريا، وتغلغله أمنياً وعسكرياً داخل المنطقة العربية، بعد أن كانت مجرد طرف تساعده سوريا على كسر عزلته الدولية.
إلى جانب ذلك، نوهت الدراسة إلى أن غزو العراق، وسقوط العراق في نيسان 2003، شكل أيضاً منعطفاً جديداً في العلاقات بين النظامين السوري والإيراني، وأيضاً عبر سليماني، الذي تولى مهمة الإشراف على تنسيق الجهود الاستخباراتية والعسكرية السورية – الإيرانية لمواجهة تداعيات الوجود الأمريكي في العراق ومحاربة هذا الوجود، إلى جانب توليه تسهيل وجود تنظيم القاعدة عبر مساعدات لوجستية من دمشق التي فتحت حدودها لعبور العناصر المتشدّدة في العراق، وفقاً للدراسة.
ولاحقاً تبدَّت هذه العلاقة بشكل أكثر وضوحاً في مواجهة القوى الاستقلالية في لبنان، خلال 2004 و2005، عبر حملة الاغتيالات التي شنها الثلاثي السوري-الإيراني-حزب الله ضد خصومهم السياسيين. وكان سليماني في نفس الوقت قد عزَّز علاقته مع قيادات حزب الله اللبناني، منهم عماد مغنية ومصطفى بدرالدين وزعيم الحزب حسن نصر الله. وقد شهدت هذه المرحلة تغلغلاً إيرانياً في جميع مفاصل الدولة السورية، عسكرياً وأمنياً واقتصادياً، كما زادت ظاهرة التشيع وأصبحت علنية في كثير من المناطق السورية.
وكشفت الدراسة عن دور كبير “لسليماني” في سوريا إبان الثورة، تجاوز ما أظهرته وسائل الإعلام، مشيرةً إلى أن تدخُّل إيران، كان نتيجة إصرار “سليماني” على إنقاذ “بشار الأسد” ونظامه من السقوط، كما كان له دور مؤثر في مسار الأحداث السورية عبر العديد من السياسات والمحطات، من بينها تنظيم استجابة النظام الوحشية لهجمات المعارضين داخل دمشق والتهديدات بقلب نظام الحكم”، وذلك في الأشهر الأولى من الثورة السورية، وصياغة الاستراتيجيات العسكرية للنظام السوري، حيث تُنسَب له سياسات الحصار والتجويع، وسياسات تشويه الثورة.
ووصفت الدراسة “سليماني” بأنه مهندس خطوط الدفاع عن دمشق، وقد أقام نسقاً دفاعياً مكوناً من ثلاثة أطواق جعلت مهمة المعارضة مستحيلة في اقتحام دمشق وإسقاط النظام، وقد ساهم هذا الأمر كثيراً في احتفاظ الأسد بشرعية الحكم انطلاقاً من سيطرته على العاصمة.
وبموت “سليماني“، اعتبرت الدراسة أن خريطة طريقة إدارة الشبكة التي صنعها قد ضاعت، كونه بحكم المنافسة بين الأجهزة الأمنية وحرصه على الاحتفاظ بسر هذه الإدارة، لم يؤسس لجيل قيادي من داخل فيلق القدس يخلفه، بل تؤشر خريطة علاقاته إلى أنه كان يُقرّب منه عناصر غير إيرانية، عراقية ولبنانية وأفغانية وباكستانية، وتوزعت أسراره بين هؤلاء، حسب الحاجة العملانية ومقتضيات تسيير الأمور، والإيراني الوحيد الذي كان يثق به، ويعتبر “صندوقه الأسود” هو “حسين بور جعفري”، من مدينته قرمان، والذي قُتِل معه في بغداد.
وبناءً على هذه المعطيات، قدرت الدراسة مجالات التأثر التي سيتركها غياب سليماني على الساحة السورية في الآتي، قواعد الارتكاز التي بناها سليماني في سوريا، وخاصة مشروع بناء قاعدة البوكمال وتحضير المنطقة كمشروع مواز لطريق إيران إلى البحر المتوسط، ومشروع السيطرة على حلب، حيث تملك إيران أكبر قواعدها العسكرية في سوريا، “جبل عزان”.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تغييب “سليماني” عن الساحة سيؤثر بحسب الدراسة، على مشروع التشيّع في جنوب البلاد، في القنيطرة ودرعا، وبناء قوّة موالية لإيران في هذه المنطقة، إلى جانب التنسيق بين الميليشيات وعلاقات التعاون بينها وضبط نزاعاتها، على اعتبار أن العلاقة بين كثير من مكونات هذه القوى تنطوي على توترات وشهدت صراعات أكثر من مرّة.
ولم تستثن الدراسة، إدارة أصول إيران في سوريا، مشيرةً إلى أن فيلق القدس يملك أصولاً عديدة في سوريا، وحضوراً ملموساً في معظم مفاصل العمل العسكري فيها، وخاصة في المطارات العسكرية بريف حمص وسط سوريا، ومطار حماة العسكري، ومطار النيرب بحلب، وفي هذه المناطق يتقاسم فيلق القدس إدارة هذه المواقع مع روسيا بإشراف “قاسم سليماني” شخصياً، ويتواجد فيلق القدس في قطع عسكرية مهمة بمنطقة الكسوة في ريف دمشق، حيث تُدار من الأخيرة أغلب عمليات المليشيات الإيرانية في الجنوب السوري.
أما على المستوى الميداني، أوضحت الدراسة أن غياب “سليماني” جاء في ظل منهجية إسرائيلية في استهداف الميليشيات الإيرانية، ودخول أمريكي على الخط، الأمر الذي سيربك النفوذ الإيراني في سوريا، وسيعيق من عمليات تموضعه في أكثر من مكان، وخاصة في شرق سوريا.