سوريا مفتاح روسيا الأهم في الشرق الأوسط، والنافذة الأولى لبوتين على النشاط الأمريكي والأوروبي في مياه المتوسط الدافئة، مطمع القياصرة منذ 100 عام.
بدأت قصة روسيا في الساحل السوري، عندما قدمت روسيا خدماتها السياسية والعسكرية والدبلوماسية، وحتى الإعلامية، في حماية “بشار الأسد”، ونظام حكمه منع الانهيار، ففي 2013 كان النظام السوري الذي يتزعمه الأسد الابن، آيلاً للسقوط، لولا الدعم الروسي القوي، بقي الأسد محاصراً وسط دمشق، وخرج طوق العاصمة من يده نهائياً، سيطر الثوار على 80% من البلاد، وحصلوا على اعتراف دولي، وأممي، وشغلت المعارضة السورية متمثلة برئيس الائتلاف الجسم الهزيل الوليد بقيادة “معاذ الخطيب” كرسيَّ دمشق في جامعة الدول العربية، هي المرة الأولى والوحيدة، زادت العزلة الدولية على الأسد، فأتت النجدة الروسية، ومن هنا بدأت الحكاية، وتحققت أحلام القياصرة، على يد بوتين صبي المخابرات الروسية السابق، ورئيسها الحالي، وبقي الأسد “قاتل شعبه” في الحكم.
تلقى الأسد غطاءً عسكرياً، ودبلوماسياً روسياً لا حدود له، فبالتعاون مع روسيا قصف غوطتي دمشق بالسلاح الكيماوي، وبالتعاون معها قصف السوريين بالبراميل، مات الآلاف، وهجر آلاف آخرون، وغيب آلاف هم مجهولو المصير، وبقي الأسد “قاتل شعبه في الحكم”.
مناورات عسكرية روسية سورية
وصلت روسيا إلى مياه المتوسط، وتمركزت فيه، وحصلت روسية على اتفاقية لم تزل حتى اليوم غير مكتملة الأركان، بخصوص تملك روسيا لميناء طرطوس الهام، والذي يطلق عليه الروس “ميناء طرطوس الروسي”، وتقيم روسيا لترسيخ وجودها مناورات عسكرية بين الفينة والأخرى، هي بمثابة استعراض للقوة أمام القوات الأمريكية والأوروبية المتواجدة هناك.
وأعلنت القيادة الروسية في سورية، أن القوات البحرية الروسية و سلاح البحرية السورية بدأتا اليوم الثلاثاء، تدريبات مشتركة في البحر الأبيض المتوسط انطلاقا من قاعدة “طرطوس” البحرية الروسية في الساحل السوري.
وأوضح مركز القاعدة البحرية الروسية بطرطوس في بيان صحفي: “اختيار ميناء طرطوس ميدانا للتدريبات لم يتم بالصدفة. تقدم السفن الحربية الروسية قبالة سواحل سوريا مساهمة كبيرة في مكافحة الإرهاب الدولي”.
وتابع البيان القاعدة البحرية الروسية بطرطوس: “إن قاعدة طرطوس الروسية هي الوسيلة الرئيسية لتزويد قواتنا في سوريا، مما يخلق ضرورة التحسين المستمر لتدريب أطقم السفن ووحدات القوات الساحلية. لهذا السبب بالذات أصبح الجزء الشرقي من البحر الأبيض المتوسط منطقة تدريب مشتركة”.
ولفت مركز القاعدة “طرطوس”، إلى أنه ستشارك في المناورات، السفن الروسية والطائرات من قاعدة “حميميم” الجوية وقوارب الصواريخ و كاسحات الألغام التابعة لقوات البحرية السورية.
وصرح قائد التدريبات اللواء بحري “ألكسندر يولداشيف”، بأن المناورات تُقام على خلفية عملياتية واحدة، يتم خلالها حل العديد من الحالات التكتيكية، وأضاف “يولداشيف”: “تقوم المجموعات التكتيكية للسفن التابعة للبحرية الروسية والبحرية السورية في البحر بإطلاق نيران المدفعية، وإجراء مناورات مشتركة. وعلى الشاطئ تعمل وحدات الحراسة والدفاع على معالجة قضايا مكافحة الطيارات بدون طيار، ومكافحة التشكيلات المسلحة غير الشرعية”.
ووفقا ليولداشيف، تهدف التدريبات إلى زيادة التفاعل بين القوات المسلحة الروسية والسورية من أجل مكافحة “الجماعات المسلحة غير الشرعية” والإرهاب الدولي بنجاح وتعزيز التعاون بين البلدين.
جدل سوري روسي حول قاعدة طرطوس “الروسية”
ما تزال اتفاقية ميناء طرطوس بين نظام الأسد، والروس مثار جدل غير معلن بالنسبة للطرفين، على أن الطرف الأقوى هو الطرف الروسي، الذي ما زال يقبض ثمن الحفاظ على كرسي الرئاسة من نصيب “بشار الأسد”، حتى الآن، فيما تشير تسريبات بأن الثمن ستدفعه الأجيال السورية لمئة عام قادمة.
باتت المدينة “طرطوس”، تحمل في طياتها المعالم الروسية، ابتداءً من المطاعم والمقاهي، وحتى المشروبات الروحية هي صناعة روسية، والأغاني التي كانت تسمع في الشوارع استعاض عنها سوريو طرطوس بالأغاني الروسية، وفتح العديد منهم معاهد تعلم اللغة الروسية لمن يريد.
يقول نائب رئيس الوزراء الروسي “يوري بوريسوف”: “في كل مرة عند القدوم إلى سوريا، من الجيد أن نرى الحياة السلمية تتم استعادتها، لكن لا يزال أمامنا الكثير مما يجب عمله فيما يتعلق بالانتعاش الاقتصادي”.
ويضيف “بوريسوف”: “أعتقد أننا في عام واحد حققنا نتائج جيدة، وبدأ مصنع الأسمدة في الانتعاش .. الأمور تسير على ما يرام في طرطوس”.
ووصل “يوري بوريسوف” إلى سوريا أمس الاثنين، لإجراء محادثات مع رأس النظام السوري، ومناقشة موضوع ميناء طرطوس وتصدير المنتجات الزراعية السورية إلى روسيا.
وأفاد مكتب نائب رئيس الوزراء الروسي، في بيان، بأن “الزيارة تأتي قبيل جلسة للجنة الحكومية الثنائية”، مضيفا أن من المقرر “بحث مسائل التعاون التجاري الاقتصادي” بين البلدين.
وأوضح البيان أن أجندة المحادثات تشمل “عمل ميناء طرطوس المستأجر من قبل روسيا، وخيارات الامتيازات الجمركية لتصدير المنتجات الزراعية السورية إلى روسيا، بينها الحمضيات والزيتون وزيت الزيتون”، إضافة إلى صادرات الحبوب الروسي إلى سوريا بما في ذلك عبر قناة المساعدات الإنسانية، كما أشار مكتب بوريسوف إلى أنه سيعقد في دمشق لقاءات مع الأسد وكذلك وزير شؤون الرئاسة السورية، منصور عزام، ووزير الخارجية السوري “وليد المعلم”.
وأوضح أن جلسة اللجنة الحكومية الثنائية بين روسيا وسوريا من المقرر أن تنعقد حتى أواخر عام 2019 الحالي.
في الوقت الذي يعاني في سكان سورية من جائحة اقتصادية لم تشهد البلاد مثيلة لها منذ ثلاثة أجيال على الأقل، يدعي الروس أنهم سيستوردون من سوريا الحمضيات، والزيتون، في حين أن البلاد تعاني من قطع الأشجار وخسارة كبيرة في الغطاء النباتي، بفعل الحرب والتهجير، والفقر الذي يعانيه الفلاح، حيث لا يوجد توازن بين النفقات والإيرادات في العمل الزراعي، ما دفع كثير من الفلاحين للعزوف عن الزراعة، فعن أي حمضيات وزيتون يتحدثون؟.
يتوقع مراقبون أن روسيا تستخدم التجارة بينها وبين سوريا عبر ميناء طرطوس، لتقوية نفوذها العسكري غير المعلن في البلد، كما أنه من المحتمل أن النفط الخام السوري يخرج إلى روسيا تحت تلك الذرائع التجارية، إذ فرضت الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية على النظام السوري عقوبات اقتصادية.
وقال سياسيون لبنانيون فضلوا عدم الكشف عن هويتهم للإعلام الأمريكي، إن المال هو المحرك الأساسي الذي يقود الجهود الروسية في سوريا، تطمح موسكو الاستفادة من الأموال المتدفقة على سوريا لإعادة الإعمار، والتي تقدر بحوالي 350 مليار دولار.
ويرى خبراء الاقتصاد أن، روسيا ستتمكن وعبر الاستفادة من الأموال القادمة إلى سوريا، من تنويع اقتصادها وذلك من خلال الانخراط في مجموعة من العقود الكبيرة في قطاعات الطاقة والبنى التحتية وغير ذلك.
بينما يرى الأوروبيون الأمر من زاوية أخرى، إذ يقول الخبراء هناك بأن روسيا ترغب في الحصول على أموالنا لإعادة بناء سوريا لتتمكن الشركات الروسية من تنفيذ عقود إعادة الإعمار.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.