اللامركزية باتت أمراً مفروضاً على دمشق، التي أسسها الأسد الأب مركزية بامتياز، فبعد أن جمع “حافظ الأسد” والد رأس النظام الحالي “بشار الأسد” السلطة جميعها في يده، ولأجل الحفاظ على كل الأمور في الحدود الجغرافية لسوريا ما بعد الجولان استند على الحكم المركزي، فسلم رجالاته مفاصل الأمور في دمشق، وجعل عيونهم منتشرة في كل مكان.
لكن سوريا اليوم بعد 2011 ليست سوريا التي أرادها الأسد الأب، وأسس لها، فقبل أن يطرح حل اللامركزية للدولة الهشة، والتي لم تعد تسيطر على كامل المساحة الجغرافية لسوريا، بات أمراً لا مفر منه بحكم الواقع، فحتى 2016 كان الجنوب السوري يتعامل بالدينار الأردني، بينما يتعامل الشمال السوري بالليرة التركية، والدينار العراقي، وتتعامل مدن سورية أخرى تحت حكم نظام الأسد بالتومان الإيراني، والروبل الروسي، ويجمع الدولار الأمريكي كامل الاقتصاد السوري.
ووفق هذا المخلص السريع المبسط، باتت المركزية خيار الأسد ليبقى على اسم “الجمهورية العربية السورية” حياً، فبعد أن أصبحت مناطق الشمال السورية خارجة عن سلطة الأسد نهائياً وتتناقل حكمها القوى الخارجية–الأمريكية، التركية، الكردية، وباتت فصائل ومليشيات تقتسم المناطق النائية من سوريا، بدا أن سقوط كلمة “العربية” حل مناسب لـ “بشار الأسد” الذي لم يعد يحكم حتى دمشق نفسها، فالقصر الرئاسي في حي المهاجرين واقع عملياً تحت الحكم الروسي، وأكبر دليل الاستقبال المهين الذي استقبل به بوتين بشار الأسد في المجمع الروسي في كفرسوسة القريب من القصر الرئاسي مئات مترات عديدة فقط.
توافق دمشق ضمنياً على اللامركزية كأمر واقع –وبأوامر روسية- وأول خطوة في هذا الطريق كان المرسوم الرئاسي الذي صدر اليوم الأربعاء بتاريخ 15 كانون الثاني، والموقع من قبل رأس النظام السوري “بشار الأسد” وبموجبه سقطت كلمة “العربية” التي حملت تاريخ واسم سوريا عبر السنوات المئة الماضية، من الشركة التي تشكل جسر التواصل بين سوريا والعالم “مؤسسة الطيران العربية السورية” لتغدو “المؤسسة السورية للطيران”.
اقرأ أيضاً
وجاء في المرسوم الرئاسي “تحدث في الجمهورية العربية السورية مؤسسة عامّة ذات طابع اقتصادي تسمى الخطوط الجوية السورية، واختصاراً السورية للطيران، تتمتّع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، وترتبط بالوزير، ويكون مركزها الرئيسي دمشق”.
وبناء على المرسوم التشريعي فإنّ المؤسسة السورية المحدّثة تحل محل مؤسسة الطيران العربية السورية.
وتصر المليشيات الكردية الانفصالية على إسقاط كلمة العربية من اسم “الجمهورية العربية السورية”، لتغدو “الجمهورية السورية”، باعتبار أنهم مكون غير عربي للدولة السورية، وباتوا اليوم عنصر ضغط بعد أن دخلت موسكو على خط التقارب بين المليشيات الكردية ونظام الأسد.
وكان مرصد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الإعلامي قد نشر تسريبًا خاصًّا، أوضح فيه أن بقايا المليشيات الكردية الانفصالية انضمت إلى “جيش الأسد” بعد أن وقعت المنطقة الشمالية التي كانوا يسيطرون عليها بيد الأتراك، إثر تخلي الولايات المتحدة الأمريكية عنهم.
فهل يعتبر إسقاط كلمة العربية من “مؤسسة الطيران العربية السورية” خطوة أولى على طريق اللامركزية؟
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.