بعد مرور شهر على نقل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الى المانيا لتلقي العلاج، اثر ثبوت اصابته بفيروس كورونا المستجد، اصبح السؤال عن حقيقة الوضع الصحي لتبون متواترا بشكل مستمر في الشارع الجزائري وفي الأوساط السياسية للبلاد. حيث مازال الغموض يهيمن على وضع الرئيس الصحي ومازالت الشائعات تتالى الواحدة تلو الأخرى. وحتى مستشاره الخاص عبد الحفيظ علاهم، لم يستطع طمانة الشعب الجزائري في اخر ظهور اعلامي له، حيث أجاب عندما سئل عن صحة تبون، انه لا يريد الخوض في هذه المسالة وانه على الاعلام التوجه بالسؤال الى المكتب الإعلامي الخاص برئاسة الجمهورية. وقد اعتبرت اجابته دليل اخر على ان الوضع حرج وان الرئيس قد لا يكون بخير.
يأتي ذلك في الوقت الذي تعالت الأصوات في الجزائر مطالبة بتطبيق النص الدستوري، الذي يتحدث عن عزل الرئيس في حالة عجزه عن تسيير الحكم، بسبب غيابه الطويل عن الشأن العام.
حديث عن المادة 102
ويقود المحامي والناشط بالحراك عبد الرحمن صالح حملة بشبكة التواصل الاجتماعي لتطبيق النص، الذي يفيد بأنه “إذا استحال على رئيس الجمهورية ممارسة مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدستوري وجوبا، وبعد أن يتثبّت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التصريح بثبوت المانع. ويعلن البرلمان في جلسة مشتركة لغرفتيه ثبوت المانع لرئيس الجمهورية بأغلبية ثلثي أعضائه، ويُكلّف بتولي رئاسة الدولة بالنيابة لمدة أقصاها 45 يوما رئيس مجلس الأمة. وفي حالة استمرار المانع بعد انقضاء 45 يوما، يُعلن شغور منصب رئاسة الجمهورية بالاستقالة وجوبا. وفي حالة استقالة الرئيس أو وفاته، يجتمع المجلس الدستوري وجوبا، ويثبت الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية. وتُبلغ فورا شهادة التصريح بالشغور النهائي إلى البرلمان الذي يجتمع وجوبا، ويتولى رئيس مجلس الأمة مهام رئيس الدولة لمدة أقصاها 90 يوما، تنظم خلالها انتخابات رئاسية. ولا يحق لرئيس الدولة المعيّن بهذه الطريقة أن يترشح لرئاسة الجمهورية”.
ومن جهته، اعتبر الباحث السياسي محمد هناد أن “هذا الغياب الطويل بسبب المرض وبروتوكولات الإعلام ذات اللغة الخشبية، يشيران إلى أن الرئيس مريض فعلا”. وأضاف هناد “لكن في حال كان هذا الغياب الطويل يطرح مشكلة، فالسبب لا يقتصر على المرض نفسه، وإنما في أن (هذه) السلطة التي تفتقر إلى ثقافة الدولة وحسن التقدير، تجعل الأمور أصعب مما هي عليه لا لشيء، الا لأن الحقيقة تظهر دوما في النهاية.” وقال هناد إن “المادة 102 تسهل الأمور، إذ أنها تقر بشغور المنصب على مرحلتين: الأولى موقتا إذا ثبت أن ثمة مانعا يحول دون قيام الرئيس بمهامه لمدة لا تتجاوز 45 يوما، والثانية يعلن من خلالها الشغور بالاستقالة إذا ما تجاوز المانع هذه المدة الزمنية”. وفي الحالة الثانية، يكلف رئيس مجلس الأمة بالنيابة صالح قوجيل (89 عاما)، وهو محارب سابق في حرب التحرير الجزائرية، تولي مهام رئيس الدولة بانتظار انتخاب خلف له.
مصير تبون يشغل الجزائريين
ولعل تخوفات جزء كبير من الجزائريين نابعة من التجربة السابقة المماثلة لهذه الحالة، حيث انه سبق ان عاش نفس الوضع مع الرئيس السابق عبد العزيز بو تفليقة، عندما أصيب وقتها بجلطة دماغية ونقل للعلاج في الخارج تاركا مكانه الشاغر لشقيقه سعيد بو تفليقة وقتها. ورغم مرضه الحاد اصر المقربون من بو تفليقة على فرض ولاية خامسة له، مما دفع الجزائريين الى الاحتجاج في فبراير2019 ، ليعلن فيما بعد رئيس اركان الجيش القائد صالح انه ينبغي تطبيق المادة 102 من الدستور والتي تسمح بإقالة الرئيس بسبب تدهور صحته وعجزه.
وهذه الأيام، لا حديث في الجزائر سوى عن مصير الرئيس عبد المجيد تبون، وقد بدأت وسائل إعلام جزائرية بعد صمت طويل الحديث عن الخيارات المتاحة لإعلان شغور منصب الرئيس.
وقد كشف موقع “موند أفريك” أن كبار الجيش بالجزائر يجتمعون يومياً في جلسات سرية استعداداً لـ”مرحلة ما بعد تبون”، في ظل استمرار تدهور الحالة الصحية للرئيس الجزائري.
وأوضح موقع “موند أفريك” المتخصص في التحقيقات الصحافية أن صمت الرئاسة الجزائرية عن صحة تبون يغذي الشائعات والتكهنات في جميع الاتجاهات، في وقت تعاني البلاد من تدهور الوضعية الوبائية المرتبطة بفيروس كورونا.
علامات استفهام
واستمرار الغموض حول مصير الرئيس تبون يأتي في ظرفية صعبة تمر بها الجزائر، مرتبطة بصدور الدستور الجديد بعد استفتاء نوفمبر والمصادقة على قانون المالية لسنة 2021، وهو ما دفع عدة أصوات في الجزائر إلى المطالبة بتطبيق المادة 102 من الدستور الخاصة بإعلان الشغور في منصب الرئاسة.
وبدأت بعض وسائل الإعلام في الجزائر تتطرق لموضوع غياب الرئيس تبون بعد صمت طويل، إذ كتب موقع “كل شيء عن الجزائر” بالفرنسية (TSA)، امس الأحد، مقالا يتحدث فيه عن غياب تبون الذي بدأ يطول، مشيرا إلى أنه بعد مرور شهر لم تحدد الرئاسة الجزائرية موعدا لعودته.
وأبرز الموقع تغيب تبون عن ثلاثة أحداث رئيسية شهدتها البلاد، وهي الاستفتاء على الدستور في فاتح نوفمبر، والاحتفال بالذكرى الـ 66 لاندلاع حرب التحرير الوطنية، وافتتاح جامع الجزائر، الذي كان يفترض أن يفتتحه الرئيس.
وذكر المصدر ذاته أن الرئاسة الجزائرية لم تكشف رسميا عن طبيعة مرض تبون إلا في الثالث من شهر نوفمبر الجاري، لافتا إلى أنه لم يتم نشر أي صور للرئيس وهو في المستشفى رغم الإشاعات والتكهنات بشأن مصيره التي انتشرت على الإنترنت، والتي وصلت إلى حد نشر أخبار تزعم وفاته.
وتثير مسألة معالجة الرئاسة لملف مرض الرئيس إعلاميا الكثير من علامات الاستفهام، ويرى المتابعون للمشهد السياسي أن الأمر يوحي بأن السلطة لا تريد التعلم من أخطاء الماضي.