تعترف إسرائيل بأن فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19)، قد ترك أثاراً سلبية على عمل جهاز المخابرات الإسرائيلي للمهام الخاصة الموساد حول العالم، معتبراً أن تفشي الفيروس شكل خلل كبير بعمل أجهزة المخابرات الإسرائيلية في الخارج، في ظل فرض مزيد من القيود حول العالم وتعرض الموساد لقرارات إضطرارية تدفع بتأجيل أو إلغاء العديد من مهامه الأمنية الإستخبارية، وبالتالي فإن الفوائد المرجوة تأخذ بالتراجع والإنخفاض.
ويعتبر جهاز الموساد والذي تأسس عام 1949، أحد أهم الركائز الأمنية لإسرائيل خارج الدولة، وهو الجهاز المسؤول عن تنفيذ المهام الخارجية لإسرائيل والمتمثلة يتنفيذ الإغتيالات وتصفية العديد من الشخصيات التي تمس بأمن إسرائيل، إضافة إلى إحباط أى نشاطات تراها إسرائيل معادية بالنسبة لها، وكل ذلك يسير بوتيرة مخفية وسرية للغاية بتوجيهات القيادة من داخل إسرائيل.
فيما ينتحل أفراد هذا الجهاز شخصيات مزيفة يصعب في كثير من الأحيان التعرف على هويتهم، حتى في بعض من عمليات الإغتيالات التي نفذت حول العالم وثبت تورط أيدي الموساد فيها، لم تتمكن الجهات الأمنية من إلقاء القبض على أحداً من تلك العناصر، نظراً للسرية التامة التي يتمتعون بها خلال تنقلهم وعملهم.
الخبير العسكري الإسرائيلي عامي دومبا، أوضح في حوار مع صحيفة يسرائيل ديفنس للعلوم العسكرية، أن تفشي وباء كورونا لم يقتصر على الأسواق الإقتصادية والبورصات المالية وعالم السياحة والمؤتمرات الدولية فقط، وإنما على عالم الإستخبارات فالجواسيس العاملون لصالح الموساد الإسرائيلي هم في النهاية بشر من لحم ودم، وليسوا محصنين من عدم الإصابة بالمرض والوباء.
موضحاً أن الخطورة الأكثر أن إنتشار كورونا قد يترك تأثيره السلبي على الشبكات التجسسية للموساد المنتشرة في تلك البلدان المختلفة، فهؤلاء الجواسيس ليسوا فوق القانون، وحين تعلن وزارة الصحة في أي بلد عن إجراءات العزل الصحي لكل من يعود من الخارج، فإنه يشمل أيضاً عملاء الموساد لأنه ليس لهؤلاء العملاء حصانة أو حق الإعتراض على أي من الإجراءات الصحية في أوقات الطوارئ.
وأكد أن مستوى المخاطرة للإصابة بمرض الكورونا، يؤخذ بعين الإعتبار حين يبادر الموساد لتنفيذ عملية أمنية وإستخبارية ما، خاصة في الدول التي ينتشر فيها المرض بصورة واسعة وهنا يدخل على خط سير العمل في الموساد القيود على الحركة التي تفرضها العديد من البلدان لعدم التنقل بينها، ما يؤثر بصورة جوهرية على القدرات العملياتية للموساد.
مشيراً إلى أن الموساد كأي مؤسسة حكومية رسمية عليه أن يحافظ على صحة الجمهور الإسرائيلي لأنه في نهاية اليوم يعمل من أجل الحفاظ على أمنه وحياته،أكثر من ذلك فإن نسبة كبيرة من هؤلاء العملاء يقضون أوقاتهم في الطائرات والتنقل بين مختلف العواصم، ولأن معظم أجواء دول العالم مغلقة أمام حركة الملاحة الجوية جزئياً أو كلياً، فإن هناك صعوبات جدية قد تعترض عمل الموساد وتنفيذ مهامه الأمنية العاجلة.
وأكد أن عملاء الموساد عند وصولهم لبعض البلدان يخضعون لإجراءات تفتيشية دقيقة ومحكمة وفي كل المعابر والجسور البرية والجوية، ويخضعون لقوانين الدولة التي يعملون فيها أو يصلون إليها،ولذلك في حالة تم وضع أحد عملاء الموساد في حجر صحي إجباري أو مستشفى في دولة أجنبية، فإن مستوى المخاطرة عليه يزداد ويشتد أكثر.
وعلى الرغم من المخاطر الممكنة التي قد يتعرض لها أفراد هذا الجهاز في ظل إنتشار الجائحة عالمياً، إلا أن إسرائيل باتت تخاطر بأفراد الجهاز لأنها في أمس الحاجة لجهوده في ظل تفشى الوباء في أوساط الإسرائيليين, وإرتفاع معدلات الإصابة والوفاة بشكل يومي، بالإضافة إلى وجود عجز في المستلزمات الطبية والأخرى المتعلقة بأجهزة العناية المكثفة وفى إطار ذلك، بدأت تتعامل إسرائيل مع أزمة كورونا على أنها ملف أمني.
حيث كلف قائد الجهاز يوسى كوهين عناصر الموساد في الخارج، بجلب مستلزمات وأجهزة طبية إلى إسرائيل بالقرصنة، من خلال إحضار شحنات طبية وشرائح الفحص الخاصة بفيروس كورونا من دول عدة، ولكن دون الكشف عن الطريقة التي جلبت بها تلك المستلزمات،وتمكن الموساد من السطو على شحنة من المستلزمات الطبية من إحدى الدول الأجنبية، في حين كشف مسؤولون إسرائيليون أن جهاز الإستخبارات إستطاع الحصول على أجهزة تكشف حالات الإصابة بفيروس كورونا.
فيما بينت مصادر إسرائيلية أن عملية الموساد شملت 100 ألف جهاز أشتريت من دولة بالخليج العربي، كما أشتملت الشحنة التي أحضرها الجهاز الأمني الإسرائيلي على 27 جهاز تنفس صناعي, و10 ملايين كمامة طبية، وتعد هذه الشحنة الطبية التي أحضرها الموساد إلى إسرائيل، هي الثانية في غضون أسبوعين حسب ما ذكر المسؤولين، مع توقعاتهم بأنها لن تكون الأخيرة في ظل زيادة عدد المصابين بالفيروس في إسرائيل.
في سياق ذلك, أكد المختص في الشأن الإسرائيلي يوسف عبدالعزيز أن لدى إسرائيل قلق حقيقي حول سير عمل نشاط الموساد الخارجي، في ظل تفشى الوباء ووصوله كافة أرجاء العالم, حيث أن تعرض أحداً من أفراد هذا الجهاز للإصابة، سيصبح رهينة للمنظومة الطبية في الدولة التي يتواجد فيها، وبذلك تكشف هويته والأخطر في ذلك إن كان متواجداً في دول معادية لإسرائيل مثل إيران وسوريا، وهذا يعني أن سنوات من العمل المضني والسري ستذهب هباء في لمح البصر دون تهيئة مسبقة، لأنه ليس من السهل تجنيد عملاء جدد للموساد لأن ذلك يحتاج جهداً.
وأشار في حديثه لـ”مرصد مينا”: أن عمليات القرصنة التي نفذها عناصر الموساد في دول خارجية قبل عدة أسابيع من خلال إعتراض عدد من سفن الشحن البحرية المحملة بالطرود الطبية لسد النقص من المستلزمات الطبية في إسرائيل، كشفت هشاشة إستعداد المنظومة الصحية للتعامل مع هذه الأزمة, والتى قد تهدد القطاع الصحي بالإنهيار الكامل في حال تفشى الفيروس بشكل أوسع, مع تنامي حالات الإصابة والتى تجاوزت الستة ألاف مصاب.
وأوضح أن الفوضى السياسية في إسرائيل، نتيجة صعوبة الأحزاب السياسية التوافق والوصول إلى تشكيل حكومة تقود شؤون البلاد في أعقاب ثلاثة جولات إنتخابية غير حاسمة، كان لها الأثر الكبير في غياب الرقابة عن كافة الإدارات الحكومية بما فيها وزارة الصحة، وهذا ما جعل إسرائيل في مأزق داخلي تحاول بكافة السبل النجاة منه.
وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية عن مصدر سياسي مطلع قوله, أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل رفضت طلب نتنياهو بتوفير أجهزة تنفس صناعي لإستخدامها في معالجة المصابين بالفيروس في إسرائيل, وذلك خلال إتصال هاتفي أجراه مؤخراً مع ميركل وتناول سبل التصدي لإنتشار الفيروس.
ووفق المصدر فإن ميركل ردت بالقول, إن ألمانيا لا يمكنها تزويد إسرائيل بأجهزة تنفس صناعي لأنها تعاني هي الأخرى نقصاً فيها ولا سيما أنها أقرضت فرنسا مؤخراً المئات منها, وبين المصدر أن إسرائيل تقدمت بطلبات عديدة للحصول على أجهزة التنفس من دول مختلفة، ولكنها لم تحصل على شيء, حتى باتت إسرائيل على قناعة في أن أوروبا لا يمكنها مساعدة إسرائيل في هذه الأزمة, لأن الأوروبيون يجدون صعوبة في مساعدة أنفسهم, لذلك لجأت إسرائيل للقرصنة لسد النقص لديها .