لطالما اعتبرت الجزائر الصحراء الغربية حديقتها الخلفية المطلة على المحيط الأطلسي، ودعمت في السنوات الخمسين الماضية “حبهة البوليساريو” المناهضة للوجود المغربي فيها والمنادية بإقامة دولة منفصلة ذات سيادة تحت اسم “الجمهورية العربية الصحراوية”، مما تسبب بسوء العلاقة بين الجزائر والمغرب، لدرجة وصلت إلى إغلاق الحدود بين الدولتين الجارتين الشقيقتين.
مطالب سياسية جديدة
إنّ تحولاً صريحاً واضحاً قد يغزو السياسة الجزائرية التي شهدت تغيراً جذرياً إثر تمكن الثورة الشعبية من إبعاد الرئيس السابق “عبد العزيز بوتفليقة” عن سدة الحكم بعد أن قضى فيها أطول مدة رئاسية جزائرية وصلت إلى 19 سنة و11 شهر.
فقد فجر سياسي جزائري قنبلة من العيار الثقيل، عندما صرّح بأن الصحراء الغربية مغربية، ولكن موقف الأمين العام السابق لجبهة التحرير الوطني “عمار سعداني” ليس جديداً لكنه الأكثر جرأة وصراحة، كما أنه أثار جدلاً سياسياً في الشارع الجزائري.
ففي مقابلة مع موقع جزائري محلي قال “سعداني”: ” أنا في الحقيقة، أعتبر من الناحية التاريخية، أن الصحراء مغربية وليست شيئا آخر، واقتطعت من المغرب في مؤتمر برلين، وفي رأيي أن الجزائر التي تدفع أموالاً كثيرة للمنظمة التي تُسمى البوليساريو منذ أكثر من 50 سنة، دفعت ثمنًا غاليًا جدًا دون أن تقوم المنظمة بشيء أو تخرج من عنق الزجاجة”.
حيث تمول الحكومة الجزائرية جبهة البوليساريو بالمال والسلاح، كما تقيم معسكرات تدريب ومقرات إقامة “مخيمات تندوف” لعناصر هذه الجبهة على الأراضي الجزائرية، وتتحمل الحكومة الجزائرية كامل النفقات المالية، والتبعات السياسية.
وأضاف السياسي الجزائري: ” لذلك فالعلاقة بين الجزائر والمغرب، هي أكبر من هذا الموضوع والآن الظرف مناسب، لأن هناك انتخاب رئيس جديد وتغيراً في النظام التونسي، والجزائر مقبلة على انتخابات وهناك تغير في النظام، كما أن ليبيا تعيش تحولًا، وهذا يمكن أن يؤدي لإعادة إحياء المغرب العربي كما طالب به قدماء جبهة التحرير وأيضًا الأحزاب الوطنية في كل من المغرب، الجزائر، تونس وشمال إفريقيا”.
حيث ينتظر الجزائريون رئيسهم الجديد، كما أنهم سيخوضون انتخابات برلمانية يأمل الكثير منهم أن يوصل أعضاؤها البلاد إلى مرحلة أكثر استقراراً من الناحية الاقتصادية والسيادية.
وتناول “سعداني” في حديثه الميزانية التي تصرف على جبهة البوليساريو، والأوضاع الاقتصادية المتدهورة في الجزائر قائلاً: ” أعتبر أن موضوع الصحراء يجب أن ينتهي وتفتح الحدود وتُسوى العلاقات بين الجزائر والمغرب لأن الأموال التي تُدفع لمنظمة البوليساريو، والتي يتجَوّل بها أصحابها في الفنادق الضخمة منذ 50 عامًا، فإن مدنا جزائرية كسوق أهراس والبيض وتمنراست وغيرها، أولى بها، هذا هو موقفي سواء أغضب البعض أو لم يعجب البعض الآخر”.
سوء الأوضاع الاقتصادية دفع الجزائريين للشوارع
وشهدت العاصمة “الجزائر” في الثالث عشر من الشهر الحالي تظاهرات منددة بالأوضاع الاقتصادية والتبعية السيادية في القرارات الوطنية، حيث نزل الجزائريون إلى شوارع العاصمة احتجاجاً على مشروع قانون جديد للمحروقات من شأنه أن يمنح شركات النفط غير الجزائرية مساحة للتنقيب والحصول على ملكية النفط في حال العثور عليه.
وردد المتظاهرون الذين تجاوز عددهم الألف شعار “الشعب يرفض هذا القانون”، وتجمعوا في مكان قريب من مقر البرلمان الذي يناقش القانون.
الصحراء الغربية
تسببت قضية الصحراء الغربية بقطيعة عمرها 40 عاماً بين المغرب والجزائر، فكلا الدولتين تطالب بقرارات أممية تؤكد أحقيتها في فرض سلطتها على الجزء الصحراوي المطل على المحيط الأطلسي.
تمتد الصحراء الغربية على مساحة جغرافية تصل إلى 266 ألف كم مربع، ويحدها من الشمال المغرب الذي يسيطر على جزء كبير منها، بينما تحدها الجزائر من الشرق وتدعم جبهة البوليساريو التي تطالب بدورها بحكم ذاتي مستقل لما تسميه بـ “جمهورية الصحراء الغربية العربية”، وتحدها موريتانيا من الجنوب، والمحيط الأطلسي من الغرب.
تتدخل دول كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، إضافة لإيران التي تعتمد على الانتماء الطائفي في معركة كسب المصالح، وتعتبر القضية مفتاح تفاهمات دولية بين البلدين العربيين “المغرب والجزائر” وبلدان العالم الأخرى.
سبب الصراع
تتنافس الجزائر والمغرب على زعامة المغرب العربي، فهناك الكثير من الأمور العالقة تاريخياً بين البلدين، لكن قضية “الصحراء الغربية” هي الفتيل الذي يؤجج الصراع، إذ ترى المغرب أن الصحراء الغربية هي جزء من أراضيها لذلك قدمت مقترحاً للولايات المتحدة الأمريكية لإدارة الأزمة لصالحها ومختصر هذا الاقتراح هو أن تتمتع الصحراء الغربية بإدارة ذاتية تحت التاج الملكي المغربي، الأمر الذي وجدته أمريكا مقبولاً جداً.
لكن الجزائر التي تعتبر الصحراء الغربية حديقة خلفية ومركز مراقبة لها على المحيط الأطلسي وجدت دعماً أوربياً كبيراً في رفضها للمقترح المغربي، وهذا يوضح الخلاف الأوروبي الأمريكي جلياً في مواقف الدول الكبرى وأطماعها في السيطرة على شمال إفريقيا.
وضمن هذا الإطار، أرجع الدكتور “بوحنية قوي” أستاذ العلوم السياسية خلفيات الدعم الجزائري لجبهة البوليساريو، إلى اعتبارات تاريخية فيرى أنه مع مرور الوقت “أصبحت القضية الصحراوية جزءاً أساسيا وأحد مسلمات السياسة الخارجية الجزائرية، على اعتبار أن قضية الصحراء الغربية مسألة تصفية استعمار وتراها الجزائر آخر المستعمرات الإفريقية”.
ولذلك “استطاعت الجزائر تجنيد دبلوماسيتها وفق رؤية خاصة، بحيث اعتُرف بقضية الصحراء الغربية من طرف دول الاتحاد الإفريقي وهو ما جعل المغرب يخرج من هذا التكتل الإفريقي”.
بينما يرى العسكري والسياسي الجزائري “أنور مالك” أن الأمر خلاف ذلك إذ يقول: ” إن سبب هذا الدعم الجزائري لا يتعلق بما تعلنه الجزائر من عدالة القضية فقط، بل لأن الجزائر وجدت فرصة لتصفية حسابات قديمة ومتجددة مع المغرب، حيث إن له أطماعاً معروفة في الصحراء الجزائرية وأيضا توجد منافسة على الزعامة في المغرب العربي”.
مكتسبات الجزائر من دعم البوليساريو
يرى “مالك” أن الجزائر تخسر الكثير من الثروات الطائلة لأجل جبهة البوليساريو على حساب الجزائريين، مستدركا كلامه قائلا: “لكن في الوقت نفسه كسبت إشغال المغرب في القضية الصحراوية عن أطماعه المعروفة فيما يسميها بالصحراء الشرقية”.
والصحراء الشرقية هي الصحراء الواقعة بين المغرب والجزائر، اندلعت بسببها حرب الرمال سنة 1963 بين المغرب والجزائر، وهذه المنطقة اقتطعتها فرنسا بعد العهد الاستعماري من الأراضي المغربية وضمتها إلى الجزائر اعتقادا منها أن الجزائر أصبحت جزءاً لا يتجزأ منها، وتعتبر الصحراء الشرقية من الأراضي الغنية بالثروات المعدنية.
واستطرد مالك في هذا الشأن قائلا: “لو نقيس الأمور بمنطق الربح والخسارة، سنجد الجزائر تخسر الكثير والمغرب أيضا يخسر، ولكن بمنطق المبادئ فالشعب الصحراوي يظل يعاني في الداخلة -مدينة بالصحراء الغربية- ومخيمات تيندوف على حد سواء”.
ويضيف أنور مالك: ” لكن تبقى الظروف الاقتصادية للمغرب أفضل بكثير على كل المستويات في حين ظروف الجزائر سيئة وأي تصعيد في الصحراء الغربية سيزيد من حجم الخسائر الجزائرية أكثر”.
ويناقض “أنور مالك” في رأيه الأكاديمي والسياسي “بوحنية قوي”الذي قال :” يخطئ من يتوقع أن الجزائر تنتظر مقابلًا من خلال دعمها للقضية الصحراوية”، مبررا كلامه بأن الرؤية الجزائرية ترى أن “الجزائر ليست طرفا في المشكلة وإنما مفتاح للحل وإذا كان اللاجئون الصحراويون هم في مخيمات تيندوف فوق التراب الجزائري فذلك يعود لاعتبارات جيوسياسية ترتبط بالجوار ليس إلا”.
ويرى محللون أن البوليساريو بالنسبة للجزائر جزء من الشبكة الأمنية للمعلومات حول المنطقة، ما يعني أن التخلي عنه وفق الظروف الراهنة التي تدخلت دول كبيرة فيها مثل روسيا في شمال إفريقيا لتكون على مقربة من المصالح الأمريكية في الأطلسي، أمرٌ غير وارد.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.