نورا ناطور
إعداد أحمد الرمح
الملخص التنفيذي:
هذه الورقة ليست إلا صرخة أنثوية لامرأة عانت مما جرى في سوريا خلال الحرب التي استمرت أربعة عشر عاماً؛ حرب أكلت الأخضر واليابس معاشياً واجتماعياً ونفسياً! تحاول أن تصرخ من خلالها حتى لا يتراجع دور المرأة الذي كان عظيماً أثناء الثورة السورية، وتعود مهمشة؛ وتُساق ثانيةً إلى الحرملك؛ حيث عصر الجواري؛ فتُذكّر هذه الصرخة أبناء المجتمع السوري بما فعلته المرأة خلال الحرب والثورة، ودورها العظيم في الحفاظ على الأسرة؛ دور فاق دور الذكور كثيراً؛ وتطالب ألا يتراجع دور المرأة بعد انتصار الثورة وسقوط النظام؛ حتى لا يُساء للثورة؛ ولا للثوار؛ فهل تصل هذه الصرخة لمن يعي؟ نأمل ذلك.
نناقش ذلك من خلال المحاور التالية:
المحاور:
- المدخل
- دور المرأة السورية المعاشي أثناء الحرب
- معاناة المرأة أثناء الثورة السورية!
- لماذا تراجع دور المرأة بعد سقوط النظام؟
- الجانب المقهور والمسكوت عنه في المرأة السورية!
- الخاتمة
المدخل:
قبل ومع بداية اندلاع الثورة السورية العظيمة؛ كان للمرأة السورية دوراً كبيراً في العمل والبيت وإدارة الأعمال؛ وتسلّم مناصب مهمة في الدولة؛ حتى أصبح بعض الرجال في سوريا يخشون على دورهم المحوري والأساسي، والأهم القيادي من أن تسطو عليه المرأة؛ ليصبح دورهم ثانوياً أو باهتاً، حتى أن بعضهم أصبح يطرح تساؤلاته بطريقة متهكّمة مضحكة عن دور الرجل وأهميته، متخوفاً عليه من الانقراض، والمطالبة بإنشاء جمعيات تطالب بحقوق الرجل!
نعم، لقد بلغت المرأة هذا الحد من التقدم، ولا أقول التطور لأنها لو تطورت لما قبلت بتراجع دورها الفكري والريادي تتراً، والإبقاء على دورها العملي الفاعل بعد سقوط النظام ونجاح الثورة؛ كثورة على النظام الحاكم؛ وليس على النظام العام، لأن من سقط في الحقيقة هم أشخاص وكاريكاتوريات كرتونية؛ كانوا يعملون ضمن شبكة مافوية اسمها رئاسة وحكومة، لا دولة ومؤسسات؛ إنما عصابة كانت تحكم وتتحكم بالشعب لصالحها الخاص؛ وليس لصالح الوطن والمواطن ومتطلباته!
دور المرأة السورية المعاشي أثناء الحرب
هذا المدخل يقودنا لشيء مهم وخطير تطرحه هذه الورقة حول تراجع دور المرأة الفكري والريادي؛ الذي نشط أكثر خلال الحرب التي أكلت الأخضر واليابس، بينما أُبقي إلى الآن على دورها العملي قائماً دون اعتراف بأهميته إلا من قلة قليلة من الرجال المفكرين المتنورين لتحرر المرأة.
فقد أصبحت هي الأم والأب بعد مقتل أو هجرة أو غياب قصري للرجل الذي كان داعماً لها في حياتها (أبوها، أخوها، زوجها، ابنها…).. نعم، لقد استطاعت المرأة السورية بجدارة حلَّ لغز الرجل؛ والقيام بمهامه وذلك عبر حمل المسؤولية عنه بإرادة منه أو بغير إرادته وذلك بحسب وضعه الذي بات عليه!.. فمن منا لم يسمع أو يشاهد أو يطّلع على رجال لم يُقتلوا أو يهاجروا أو يُعتقلوا، وبقوا يتدارون وراء الأنظار مختبئين في منازلهم لسنوات عديدة، يشرفون على رعاية أبنائهم؛ ريثما تعود زوجاتهم من وظائفهن وأعمالهن!
لقد استطاع الرجل السوري في مرحلة من المراحل فهم حاجته للمرأة وتقديمها أمامه بخطوة -كونهم يرون المقدمة للرجل والمؤخرة للمرأة – وذلك بتمكين المرأة للخروج والانطلاق في سوق العمل حسب الشهادة التي تحملها أو المهنة التي تتقنها، وقد استطاعت المرأة بجدارة تحقيق مكاسب مادية ومناصب مهمة في سوق العمل والمؤسسات والشركات والمعامل، حتى بات بعض منهن رئيسات وإداريات ورائدات أعمال على مستوى عال جداً؛ أنقذن من خلال جهدهن المضاعف مرافقَ عامة كثيرة؛ كادت أنْ تُغلق لشح الأيدي العاملة وربما انعدامها أحياناً!
ولمن لا يعرف كثيراً عن المرأة العربية عامة والسورية خاصة، فهن يضعن شهاداتهن الثقافية جانباً، ويخلعن عن أجسادهن الملابس الأنيقة؛ ويرتدين ملابس العمل؛ حين يكون الأمر متعلقاً بلقمة العيش، ويحملن أبنائهن معهن إن اضطرهن الأمر إلى أماكن أعمالهن، ولا يستسلمن لأنهن يعلمن في قرار أنفسهن أن المسؤولية مسؤوليتهن وحدهن.
ولمن لا يدرك، أن المرأة السورية خاصة؛ استطاعت أن تنجز ما عجز أو تقاعس عنه الرجل حين كان مسؤولاً؛ أو مطلوباً منه آنذاك، فهي في وقت قصير استطاعت اعادة تدوير عجلة العمل لورشة أو معمل أو محل، وادارة مجموعة من العاملين والعاملات بحرفية عالية؛ كي لا يتوقف مصدر عيشها من زوجها أو أبيها أو أخيها؛ أو حتى ابنها الذي أخذته الحرب معتقلاً أو مجنّداً أو مهاجراً أو شهيداً.
معاناة المرأة أثناء الثورة السورية!
ولمن لم يدرك بعد قيمة المرأة السورية؛ فهو لن يدرك أسباب وقوف البلد على قدميه كل هذه السنوات دون أن ينهار، حتى لو كان الانهيار أمراً واقعاً في النهاية؛ فقد انهار اقتصادياً وسياسياً وأمنياً! لكنه لم ينهار اجتماعياً؛ لأن دور المرأة فيه كان معقداً يصعب تفكيكه، فهي استطاعت أن تحفظ أسرتها من الضياع ــ رغم وجود حالات شاذة ــ فالمرأة العازبة والمطلقة والأرملة والثكلى، استطعن جميعهن رغم تباين النجاح بينهن؛ إدراك النجاة بسفنهن المخروقة مادياً واجتماعياً وفكرياً وانسانياً، واستطعن بلوغ بر الأمان حتى لو كن منهكات إلا أن النجاة من دوامة الحرب وصراعاتها هو نصر مظفّر بحد ذاته.
هنا يطرح السؤال نفسه وبقوة غير منتظر من أحد غيور على المرأة وحقوقها ودورها القيادي والريادي من طرحه، وهو:
لماذا تراجع دور المرأة بعد سقوط النظام؟
هذا السؤال: لماذا دور المرأة في تراجع خاصة بعد سقوط النظام؟ وعاد دور الرجال مهرولاً نحو المقدمة؟ بل ويحاول دفع المرأة نحو المؤخرة! كما لو أنها عورة يريد مداراتها وتغطيتها!
فها هو التفكير المتدين في جانبه المظلم يقفز للواجهة من جديد! يعيدنا للعصور السحيقة! ويشرح لنا دور المرأة المهم في بيتها! وفي فراش زوجها! متناسياً كم كان دورها مهماً وفعالاً طوال سنوات الحرب؛ حين أدارت دفة سفينة العائلة؛ حتى انتظمت الأشرعة؛ وكانت الربان بامتياز؛ وشقّت سفينتها طريقها بنجاح بين لجج لم تهدأ لأربعة عشر عاماً!
لن أجيبكم أحبتي عن هذا السؤال! لكن سأستعرض معكم الوجه الآخر للمرأة العربية عامة والسورية خاصة، هذا الوجه الذي لا يعرفه من كان خارج مجتمعاتنا العربية، وربما يعرفه ولكن لا يدرك خطورته ومدى انعكاسه على واقعنا المرير.
هذه المرأة التي استبحرتُ وتعمّقتُ وأوغلتُ في الحديث عنها بإعجاب عظيم؛ ليس لكوني امرأة وأنتمي لعالمهن الجميل والغريب، ولكن لأني لو لم أكن امرأة؛ وخُيّرت أن أكون مخلوقاً من مخلوقات الله؛ لما اخترت أن أكون غير امرأة! لكن غير عربية! وغير غربية! فالغربية هي أيضاً تنتهك بعض حقوقها مقابل الحصول على حقوق أخرى، لست بصدد التحدث عنها رغم التفاوت النسبي الحياتي والحرياتي بين المرأتين العربية والغربية، فإذا ما قارنا بينهما نرى أن كفة الغربية هي الرابحة لأسباب عديدة؛ طبعاً أولها القوانين التي تساندها وتناصرها عن مائة رجل.
الجانب المقهور والمسكوت عنه في المرأة السورية!
سأسوق لكم مقتطفات صغيرة عن امرأتنا العربية وبالتحديد عن جانبها المقهور؛ حتى لو لم تعترف هي إلى يومنا هذا به.
هذه المرأة نفسها تسعى جاهدة لتربية أبنائها (طفل وطفلة، صبية وفتيات، شباب وشابات) تسعى بكل حب وقوة لتربيتهم على الحب والخير والفضيلة، ولكن حين يتعلق الأمر بالعادات والتقاليد والدين يصبح للحب وجهان، وللخير وجهان وللفضيلة وجهان… كيف؟
في الحب:
يحق لك يا ابنتي أن تختاري حسب عرف العائلة والتقاليد المتّبعة؛ وأن يكون الخاطب من ملّتك ودينك، لكن إن شذذتي عن تلك القاعدة اللا إنسانية؛ فأنت منبوذة من عائلتك؛ وربما يصل بك الأمر للمقاطعة أو القتل بذريعة الخروج عن ملّة الأهل! ولدينا في سوريا ملف حافل ودامٍ في قضايا زواج الفتاة من غير ملتها أو دينها، لكن حين يتعلق الأمر بالرجل؛ فهو يحق له الزواج حتى من خارج كوكب الأرض إن شاء!
في الميراث:
كل ما يجنيه الأب والأم فللذكر مثل حظ الانثيين في كل شيء، والرجل في بعض فئات مجتمعنا دون الإتيان على ذكر تلك المناطق؛ يحق له أن يورث الذكور؛ ويحرم الإناث من حقوقهن في الإرث تحت ذريعة ألا يستفيد أو ينعم الصهر من إرث حماه أو أهل زوجته!
لكن بالمقابل يحق لزوجة الابن (الكنة) أن تنعم بخيرات أهل زوجها أو بيت حميها وأن تتصرف بالإرث كيفما تشاء طالما هو لزوجها ولأبنائها من بعده! فأين المساواة؟ وأين العدل في تلك القسمة؟ وهل حقاً تلك المرأة ربّت أبناءها سواسية على حب الخير وتقاسم الحقوق بالعدل والمساواة بينهما مذ كانوا صغاراً؟
في الأخلاق:
ما يجب على المرأة التقيّد به ليس مُلزماً به الرجل حتى لو ادعو عكس ذلك! فجميعنا يقرأ القرآن والأناجيل، ونتغنى بالعدالة في أن الزاني مجرّم كما الزانية، والسارق مجرّم كما السارقة، والقاتل مجرّم كما القاتلة، لكن في شرقنا البائس الزانية تجلب العار، والقاتلة لا يتزوجها أحد أو ينفر منها الرجال والعائلات خاصة؛ إنْ كان المقتول زوجها بالخطأً أو حبيبها الذي اعتدى عليها! وقتلته دفاعاً عن نفسها، والسارق يُبرر له! فهو سرق من أجل لقمة العيش، بينما المرأة سرقت لمجرد فعل السرقة!
طبعاً قد يقول أحدكم هنا في هذه الامثلة الثلاث لا علاقة للمرأة به؛ بل المجتمع هو الذي يقيّم هذه الأفعال! حسناً، هل تقبل امرأة أن تزوّج ابنها من قاتلة قتلت أحدهم دفاعاً عن نفسها، أو زانية زنت لأنها أحبت أحدهم فقادها لارتكاب فعل الجنس حباً فيه لا حباً بالجنس نفسه، وهل تقبل امرأة أن تزوّج ابنها من فتاة عُرف عنها سارقة؟ تلك التساؤلات أنتم من يستطيع الإجابة عليها!
برأيكم أحبتي بعد كل الذي كتبته أعلاه؛ هل أدركتم الآن لماذا تراجع دور المرأة الفكري والريادي والإداري؟ وبقي العملي؟ وتقصّدتُ منذ البداية إلقاء الضوء على الدور العملي؛ ولنشرح ماذا أعني بالدور العملي؟ أي الدور الوظيفي كعاملة، كمربية، كموظفة تحت امرة رجل؛ حتى لو كانت شهادته أقل من شهادتها، وإقصائها عن تسلّم المناصب العالية إلا ما رحم ربي لذر الرماد في العيون؛ كما يحدث الآن لتسكيت بعض الأفواه المعترضة وتهدئة بعض النفوس المتّقدة من جرّاء الهجوم الجائر والمتعدّي على دور المرأة! هل أدركتم لِمَ دور المرأة في تراجع وتدهور؟
وسيظل في تناقص طالما المرأة هي عدوة للمرأة ولنفسها ولبنات جنسها عن علمٍ أو عن جهل! فهي المسؤول الأول عمّا آلت له مكانتها مادامت تستنسخ من صبغتها الجّينية نسخ متعددة من بنات وحفيدات، وإن شذّت إحدى وريثاتها البيولوجية عن نسختها الجينيّة؛ وصقلت شخصيتها ثم سلحتها بالعلم والمعرفة والوعي؛ ستجد تلك المرأة نصّبت نفسها عدوّاً لتلك الطفرة الناجية من براثن الفكر الظلامي، بل ومحاربتها وطلب الثأر منها ونبذها من المجتمع؛ لكن، إن وجدتّ من تدعو لحرية المرأة وتناصرها وتساندها في بيئة ما؛ أو مجتمع عربي؛ فاعلم أنّ هذه المرأة من نبذتها جدّاتها؛ وجعلنها تحارب وتصارع أقدارها وحدها! بعد أن خسرت مكانتها كأنثى في مجتمعها الأم؛ وربما تلقفتها مجتمعات غربية أكثر انفتاحاً فدعمتها بدورها، أو عاشت في بيئتها الأم وحيدة؛ الأخ فيه عدوّها والزوج غريب عنها! وابنها عدوها الأول للنسخ التي ستأتي من بعدها؛ لكونه عاش في مجتمع يدعم ذكوريته، فيحابي أمه، ويهاود زوجته، ويتحكّم بابنته سراً، وينتقد جنس حواء في العلن في كل محفل ومكان يكون للذكر فيه المثل الأعلى!
الخاتمة
تلكم صرخة كانت حول معاناة المرأة في الحرب السورية؛ ولا يعلم معاناتها إلا الله سبحانه وتعالى؛ وكانت تنتظر الفرج بانتصار الثورة، وانتهاء الحرب؛ ولكن حتى الآن لا شيء مبشر حول واقع ومستقبل المرأة؛ بل هناك تخوف كبير من النسوة اللاتي قمن بأدوار ريادية ومعاشية وحياتية واجتماعية أثناء الحرب؛ بل وحتى سياسية وإغاثية؛ تخوف من إعادة المرأة إلى عصر الحريم؛ وعلى رأي المثل الشعبي (كأنك يا أبو زيد ما غزيت)؛ فهل تستعيد المرأة بعضاً من اعتبارها وحقوقها بعد نهاية الحرب؟ وانتصار الثورة؟ أم ستبقى هي ذاتها المكافحة المقهورة المظلومة؟