قراءة في القدرات العسكرية الإيرانية في منطقة الخليج العربي
يعدُّ مضيق هرمز أهم مركز لتجارة النفط البحري في العالم، فوفقاً لتقديرات منظمة معلومات الطاقة الأمريكية في عام 2018 فقد عبر نحو 18 مليون و500 ألف برميل نفط عن طريق مضيق هرمز. يمثل هذا الرقم نحو 19% من إجمالي الطلب العالمي على النفط في العام نفسه، والذي قُدّر بنحو 97 مليون و200 ألف برميل. يوجد في العالم ثمانية معابر استراتيجية لتجارة النفط. نُظهر أهميتها حسب الترتيب التنازلي كما هو موضح في الجدول التالي:
المعبر المائي | حجم النفط العابر | نسبة إجمالي النفط الذي يوفره المعبر للعالم |
مضيق هرمز | 18.5 مليون برميل | 19% |
معبر ملقا | 16 مليون برميل | 16% |
رأس الرجاء الصالح | 5.8 مليون برميل | 6% |
قناة السويس | 5.5 مليون برميل | 6% |
معبر باب المندب | 4.8 مليون برميل | 5% |
مضيق الدانمارك | 2.3 مليون برميل | 3% |
مضيق ترکیا (البوسفور) | 2.4 مليون برميل | 2% |
قناة باناما | 0.9 مليون برميل | 1% |
الموقع الجغرافي لمضيق هرمز:
إذا ما نظرنا من الناحية الجغرافية، نجد أن مضيق هرمز, كما ترون في الصورة الموجودة في الأسفل، هو ممر بحري ضيِّق يقع بين إيران وعُمان. يبلغ عرض طريق الدخول والخروج لهذا المضيق نحو50 كيلو متر، وأقصر عرض لهذا المضيق يقع في منتصفه حيث يصل لنحو 40 كيلومتر.
مضيق هرمز عميق في القسم الأوسط منه فقط، ولذلك، فهو أنسب لعبور ناقلات النفط الضخمة والثقيلة، وقد اتُخذ طريقان اثنان بالحسبان في الخرائط البحرية: طريق للذهاب وآخر للإياب. وكلا الطريقين آمن وهناك شريط يفصل بين هذين المسيرين.
بشكل عام فإن عرض كل مسير يمكن استخدامه لعبور ناقلات النفط الضخمة يصل إلى نحو عشرة كيلو مترات فقط. كما أن مسير ناقلات النفط إلى داخل الخليج العربي، يمر بالقرب من جزيرتين هما: (طنب الكبرى وطنب الصغرى)، اللتين ما تزالان موضع خلاف بين الدول العربية في الخليج العربي وإيران، والصورة التالية توضح مدى الأهمية الاستراتيجية لهاتين الجزيرتين:
على الرغم من ضيق عرض الممر المائي, الذي تعبر منه ناقلات النفط – وخاصة الضخمة، والثقيلة منها التي تجبر على الإبحار في المياه العميقة – من وجهة نظر عسكرية، فإن إغلاق مضيق هرمز, أو الممرات البحرية يحتاج لطرح خيارات عسكرية بحتة، وذلك خلافاً لما يُطرح في وسائل الإعلام العربية والعالمية من أفكار وآراء، بأن إغلاق مضيق هرمز أشبه بإغلاق طريق بري.
وبالتطرق للخيارات العسكرية, التي سيتم إعمالها من أجل إغلاق مضيق هرمز، يتبادر للذهن هذا السؤال:
ما هي الإمكانات والوسائل العسكرية التي ستستخدمها إيران، في حال قررت إغلاق مضيق هرمز، وكيف يغلق هذا المضيق من وجهة نظر عسكرية وكم سيستمر إغلاقه؟!
الإمكانيات العسكرية الإيرانية في منطقة مضيق هرمز:
مرَّ التكتيك البحري الإيراني، بعد الحرب العراقية الإيرانية، بتحول وتطور كبيرين، ليتحول من قوة بحرية كلاسيكية إلى قوة غير منظمة. فجزء كبير من هذا التطور أتى في أعقاب فرض الولايات المتحدة عقوبات تسليحية ضد إيران، الأمر الذي جعل موضوع إصلاح الأسطول البحري الإيراني وإعادة إعماره أمراً صعباً للغاية.
كما أن المواجهة العسكرية المباشرة، التي حدثت بين الولايات المتحدة وإيران عام 1988 وسمتها القوات الأمريكية حينها بعمليات “فرس النبي”، كانت أحد الأسباب المهمة التي دفعت إيران لاتخاذ قرار استخدام قوات بحرية غير منظمة, بدلاً من القوات البحرية الكلاسيكية المتعارف عليها. أثناء تلك العمليات، كانت القوات البحرية الكلاسيكية لإيران غير محصنة تماماً أمام قوة الجيش الأمريكي المخيفة.
ومع نهاية العملية، كانت البحرية الأميركية، وقواتها الجوية قد دمرت منشآت بحرية واستخباراتية إيرانية على منصتي نفط، وأغرقت على الأقل ثلاثة زوارق سريعة إيرانية مسلحة وفرقاطة واحدة، وزورق هجومي، كما أصيبت الفرقاطة الإيرانية سابالان في العملية، لتفقد إيران بحسب مصادر أميركية، نصف الأسطول العملياتي في هذه المعركة، وقتل في الاشتباكات 55 عنصراً من البحرية الإيرانية. في الوقت الحاضر، تمتلك البحرية الإيرانية غير المنظمة في الخليج أربعة أنواع رئيسة من الأسلحة، وسنتطرق لمناقشتها تباعاً:
أولا: الألغام البحرية:
على الرغم من أن تغطية وسائل الإعلام الإيرانية لمناورات الحرس الثوري في منطقة الخليج العربي، ترتكز كثيراً على القوارب، أو الفرقاطات الإيرانية، وصواريخ (أرض- بحر)، إلا أن التقييمات العسكرية الأمريكية والبريطانية وتقديراتهما, أكثر ما تصب اهتمامها على موضوع الألغام البحرية الإيرانية.. تشير التقارير الصادرة من وسائل الإعلام العالمية، إلى أن إيران تمتلك أكثر من خمسة آلاف نوع من الألغام البحرية. وهذه الألغام، التي لا تتمتع بتكنولوجيا عالية، يمكنها أن تغطي منطقة واسعة من الخليج العربي وتهدد أمنها وخاصة منطقة مضيق هرمز.
ومن وجهة نظر تقديرية، فإن استخدام ألغام بحرية إيرانية في الهجوم الذي استهدف مؤخراً سفناً تجارية في المياه الإقليمية لدولة الإمارات العربية المتحدة شبه مؤكد بحسب العديد من التصريحات والتقارير العالمية.
فيما يلي صورة توضيحية للغم بحري إيراني، زرعته مليشيات الحوثي قبالة سواحل البحر الأحمر، ونجح خفر السواحل اليمني بتفجير العشرات منه.
ثانياً: قوارب الطوربيد السريعة:
على الرغم من أن الأسطول الخامس للولايات المتحدة المتمركز في الخليج والقوات الدولية، قد نشر سفناً لتطهير المنطقة من الألغام، إلا أن المسؤولين العسكريين الأمريكيين يقولون: بأن عملية جمع الألغام الإيرانية بطريقة آمنة، يعدُّ أمراً صعباً وخطيراً للغاية في ظل وجود القوارب السريعة التي تتسلح بها قوات الحرس الثوري في مياه الخليج العربي.
تشير التقديرات إلى أن إيران لديها حوالي 20 قارباً سريعاً صيني الصنع مزوداً بصواريخ مضادة للسفن. كما يوجد في الأسطول البحري لقوات الحرس الثوري نحو40 قارباً عسكرياً سويدي الصنع، وعدد غير معروف من السفن الخفيفة المصنوعة إيرانياً. وفي الآونة الأخيرة رصد الجيش الأميركي تركيب إيران صواريخ كروز وأخرى باليستية قصيرة المدى على قوارب صغيرة تابعة للحرس الثوري الإيراني. ووفق ما نقل عن مسؤولين أميركيين، فإن الجيش الأميركي يعتقد أنه يمكن للحرس الثوري الإيراني إطلاق صواريخ باليستية وكروز من فوق متن تلك القوارب.
ثالثا: الغواصات البحرية:
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، قامت إيران بشراء ثلاث غواصات من طراز “كلاس كيلو” من روسيا، وتشكل هذه الغواصات تهديدات خطيرة، وفق تقييمات الجيش الأمريكي. وهناك عينة مماثلة لهذه الغواصات تمتلكها كوريا الشمالية، حيث قامت من خلالها بإغراق سفينة تابعة لكوريا الجنوبية قبل ثماني سنوات. أما عن الغواصات التي تقوم إيران بصناعتها، فهي غواصات صغيرة تؤدي مهمات تجسسية أو انتحارية في بعض الأحيان، وتعمل جامعة مالك الأشتر التابعة للحرس الثوري الإيراني الواقعة في مدينة شاهين شهر/ محافظة أصفهان على تصنيعها وتطور تقنياتها.
رابعا: الصواريخ المضادة للسفن:
تمتلك إيران ثلاثة أنواع من الصواريخ المضادة للسفن (المصنوعة صينياً)، وفي السنوات الأخيرة الماضية، قالت السلطات الإيرانية إنها أنتجت صواريخ متطورة أخرى، لكن التقديرات الغربية للقوة البحرية الإيرانية، تؤكد وجود هذه الأنواع الثلاثة من الصواريخ الصينية، وهي:
صاروخ سي إس إس – سي، المعروف بصاروخ دودة القز الصيني، إذ استخدمته إيران إبان الحرب العراقية الإيرانية، ويبلغ مداه حوالي 300 كيلو متر.
فيما يلي صورة توضيحية لإطلاق صاروخ دودة القز الصيني طراز سي إس إس – سي في إحدى المناورات العسكرية الإيرانية في الخليج العربي.
وهناك أنواع أخرى من الصواريخ البحرية الإيرانية (صينية الصنع)، التي تعدُّها الولايات المتحدة مهددة للأمن في الخليج، وهي صواريخ سي-801 وسي-802 . يذكر أن حزب الله في عام 2006 قام باستهداف إحدى السفن الإسرائيلية بها.
الصواريخ البحرية المصنوعة إيرانياً:
1- صاروخ قادر الإيراني الصنع:
يماثل نموذج صاروخ صيني من طراز «دودة القز C-802» المضاد للسفن إذ أنتجته إيران باستخدام الهندسة العكسية, (تفكيك الصاروخ الأساسي لقطع صغيرة وإنتاج قطع مشابهة لها).
وهو صاروخ يمكن إطلاقه من السفن الحربية، ويبلغ طول الصاروخ 6 امتار، ووزنه 164 كيلوغراماً، فيما يحمل رأساً حربياً يزن 360 بونداً، ويستطيع ضرب أهداف على مدى 200 كيلومترٍ, والتحليق بسرعة 250 متراً في الثانية.
2- صاروخ فاتح 110:
وهو صاروخ أرض- أرض ذو مرحلة واحدة, يعمل على الوقود الصلب، وبمدى يصل لـ: 200 كيلو متر، وطورت إيران نسخة بحرية منه، ويعتقد الأمريكيون أنها قادرة على استهداف السفن البحرية والتجارية في الخليج العربي.
ختاماً: كيف ستتم عملية إغلاق المضيق؟
إن إغلاق مضيق هرمز بالقوة العسكرية، يعني إغلاق أهم شريان أساسي لتجارة النفط العالمي، وكذلك يعني إغلاق مسار اتصال دول الخليج العربي بالعالم كله، وبلا شك فإن عملية إغلاق المضيق عسكرياً، ستكون لها ردود أفعال عالمية واسعة، وغاضبة في آن معا. ولهذا السبب، أعدَّ مركز دراسات الكونجرس الأمريكي في عام 2012، تقريراً حول (إمكانية إغلاق إيران لمضيق هرمز عسكرياً؟)، وكان الجواب كالتالي:
نعم يمكن لإيران إغلاق مضيق هرمز عسكرياً، ولكن هذا الأمر سيتم تدريجياً وسلمياً (خطوة بخطوة)، وذلك لامتصاص ردة الفعل العسكرية المحتملة.
عملية الإغلاق التدريجية تتمثل في الخطوات التالية:
- أولاً: إعلان حظر على عملية الشحن في مضيق هرمز.
- ثانياً: الإعلان عن وجود إمكانية لتفتيش السفن المارة أو إيقافها.
- ثالثاً: استخدام الإمكانيات العسكرية لإطلاق تنبيهات أو تحذيرات للسفن التجارية أو الناقلات في المنطقة.
- رابعاً: استخدام الإمكانيات العسكرية لاستهداف سفن محددة.
- خامساً: نشر ألغام بحرية في منطقة المضيق والخليج العربي.
- سادساً: استخدام الغواصات والصواريخ البحرية لاستهداف السفن التجارية والعسكرية.
على الرغم من أن مراجعة الخطوات المذكورة أعلاه قد تبدو مستحيلة الحدوث في عالمنا اليوم، إلا أن إيران فعلت هذه الخطوات سابقاً خلال الحرب العراقية الإيرانية. إذ أطلقت صواريخ دودة القز الصينية على ناقلات نفط ونشرت ألغاماً بحرية. حتى إن أحد الألغام أصاب السفينة الأمريكية (صموئيل بي)، ودخلت حينها أمريكا في حرب مباشرة مع إيران كما ذكرنا سابقا.
في ذلك الوقت، لم تفضِ الإجراءات الأولية التي اتخذتها إيران لإغلاق مضيق هرمز, ولكنها في الوقت ذاته, رفعت تكلفة التأمين على السفن المارة في المنطقة، وبذلك أوجدت ازدحاماً مرورياً في حركة خروج السفن من الخليج العربي، الأمر الذي كان مكلفاً جداً للتجارة العالمية، وخاصة فيما يتعلق بسعر النفط العالمي.
هذه المادّة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.