الملخص: يشمل مفهوم الإرهاب في حد ذاته أكثر بكثير من مجرد عمل إرهابي، كهجوم بسكين، هجوم بقنبلة أو بندقية. وبهذا المعنى، ليس من المجدي افتراض أن الجاني وُلد ليصبح إرهابياً من أجل تنفيذ هجوم يقتل فيه مدنيين أبرياء. فالإرهاب ينبثق من الأفكار والمعتقدات، وله شروط وأسباب ومنظّرون ومستغلّون ومنفّذون. وبالمثل، شهد العالم العديد من الصراعات، والتي كان لبعضها صلات مباشرة بالإرهاب، بينما استغل بعضها الآخر الإرهاب كذريعة، مع الأخذ في الاعتبار الألم الذي يعاني منه المدنيون الأبرياء بمن فيهم المسلمون بسبب أعمال الإرهاب. لذا من المهم أن نتوقف قليلاً ونتساءل عما إذا كان يمكن التصدي له بشكل أفضل. بعبارة أخرى، “هل يتم القيام بالأمور الصحيحة لمكافحة الإرهاب؟”
خلاصة القول: سيكون من المفيد السعي لتغيير العقليات بين الجهاديين المحتملين بالإضافة إلى توجهاتهم، وذلك لمنع غسل الدماغ الذي يؤدي إلى التعصب الديني، وحتى يمكن تحويلهم من متلقين للتطرف إلى دعاة ضده في السيناريو المثالي. مما لا شك فيه أن مثل هذه الجماعات بحاجة إلى الاقتناع بأن السياسات والقوانين الحالية التي يسنّها الاتحاد الأوروبي ليست ضد الدين الإسلامي ولا ضد المسلمين.
بيان المشكلة: كيف تفشل سياسة الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب في التصدي للإرهاب وأيديولوجيته، وهي ظاهرة تتغلغل عبر الحدود من خلال الأفكار وليس القنابل؟
إذن ماذا؟: إذا انتقلنا إلى أبعد من ذلك، هناك حاجة إلى إعادة تقييم شاملة فيما يتعلق بقوانين مكافحة الإرهاب، وسياسات الاندماج داخل الاتحاد الأوروبي، ودور وسائل الإعلام وتحويل المهاجرين إلى سلعة تجارية سياسية. وبناء على ذلك، يجب مراعاة خطاب الكراهية والمساجد والجمعيات الدينية وأئمة المساجد والصحة العقلية للآباء والأطفال من بين عوامل أخرى.
عدم وجود تفاهم مشترك
كما لو أنهم عالقين في حلقة لا نهاية لها، فإن المشرعين في الاتحاد الأوروبي يقرّون باستمرار قوانين وسياسات لمكافحة الإرهاب وإنشاء منظمات في سبيل ذلك. ومع ذلك، فإن قياس نجاح القوانين والسياسات المذكورة أمر مزعج إلى حد ما، خاصة عند مواجهة السؤال: “هل يمكن لمثل هذه السياسات أن تقضي على الإرهاب والتفكير المتطرف؟”
من المهم الإشارة إلى الغموض الذي يصاحب كلمة الإرهاب، لأنه وفقاً للأمم المتحدة، لا يوجد فهم دولي مشترك لمصطلح “الإرهاب”. [1] إذ يختلف تعريفه بين الدول والمنظمات والكيانات [2]. ومن الجدير بالذكر أن الهجمات الإرهابية المتقطعة تزايدت عبر دول الاتحاد الأوروبي. ففي عام 2020 وحده، شهدت فرنسا أربع هجمات جهادية، ثلاث في المملكة المتحدة، وواحدة في النمسا. كانت تلك الهجمات صادمة للغاية للمجتمع الدولي، والاتحاد الأوروبي والمجتمع النمساوي على وجه الخصوص بالنظر إلى أن النمسا نجحت في تجنّب الاضطرابات السياسية والإرهابية على مر السنين. وكانت نتيجة الهجمات في أوروبا 10 قتلى و27 جريحاً على الأقل، [4] وكان جميع القتلى والجرحى على صلة مباشرة بهجمات الجهاديين.
يسعى هذا المقال إلى تقديم منظور بديل عن السياسات المعتمدة في جميع أنحاء العالم بشكل عام وداخل الاتحاد الأوروبي خاصة. وفي حين أنه لا يمكن لأحد الاتفاق على تعريف واحد لمصطلح الإرهاب، فمن المعروف أن الجهاد والتطرف والإرهاب كلها أفعال تبدأ بفكرة ونظرية وفتوى. لذلك، فإن أي سياسة أو مبادرة جديدة يجب أن تبدأ بالتصدي للفكرة التي تُقنع الجهاديين بأن تنفيذ مثل هذه الهجمات وقتل الأبرياء سيقودهم إلى جنتهم الموعودة، بالإضافة إلى الفكرة القائلة بأن محاسبة الغرب بموجب فتوى (باطلة) هي تطبيق لقانون الله، حيث أنها تقوم على الاعتقاد الخاطئ بأن الحفاظ على وحدة الدين وسلامته يبدأ بنقل المعركة إلى الغرب. [5]
الاندماج
لم تتمكن حكومة أو منظمة أوروبية واحدة، حتى الآن، من تحديد معايير واضحة لقياس نجاح سياسات الاندماج بين الدول الأوروبية. ومن السمات المشتركة بين أكثر خطط الاندماج نجاحاً هي عندما تكون مدفوعة بالإيديولوجية السياسية، والرغبات الشخصية، والدوافع التي يقودها المهاجرون. وبالمثل، يجب ألا نتجاهل أن الدول الأوروبية وفّرت البيئة والأسس المناسبة للاندماج، ومع ذلك، يمكننا الإشارة بإيجاز إلى أوجه قصورها، والتي تثير أسئلة مثل: “لماذا لم يحققوا ما أرادوه؟” و”لماذا نجح البعض في الاندماج بينما سلك آخرون طريق التطرف؟”
لا يمكن التعميم والاستنتاج بأن سياسات الاندماج والقوانين المنبثقة عنها، قد غيّرت عقيدة المسلمين الراديكالية الحالية، على سبيل المثال، القناعة بأن الحكومات الغربية تستهدف الإسلام. ومن خلال الاستنتاج، يشير انتشار مثل هذه المعتقدات إلى حقيقة أنه من الممكن حشد المزيد من المؤيدين المتشددين. لذلك وبحسب الجهاد لا بد من الانتقام من أوروبا وأمريكا وكل ما يعيق انتشار الإسلام.
لم يتم التأكيد فقط على أن قياس نجاح سياسات الاندماج أمر صعب، ولكن تقييم نجاح السياسات المقررة لمكافحة التطرف والإرهاب أمر معقد أيضاً لأن المعركة ضد الأفكار والأيديولوجية.
معركتنا من أين نبدأ؟
يجب أن تحارب مكافحة الإرهاب في المقام الأول الفكرة، وممولها، وكذلك الأشخاص الذين يوفّرون التسهيلات لإجراء عملية جهادية. وعلى المرء أن يبدأ من أسفل الهرم وليس من رأسه، والذي يمكن القول أنه كان الخطأ الذي وقع عند اغتيال أسامة بن لادن وأبو مصعب الزرقاوي وأبو بكر البغدادي كأمثلة على ذلك، لأن هذا الأمر لن ينهي الجهاد. فعلى أرض الواقع، لا يتم تنفيذ الهجمات الإرهابية فقط من قبل رئيس أو منظّر لجماعة إرهابية، لأن مثل هذا العضو موجود للتخطيط والإعداد، وليس لتنفيذ أو إدارة العمليات الصغيرة.
فيما يتعلق بالحلول، ماذا لو كان من الممكن تغيير عقلية جهادي محتمل، أو توجيهه المضاد، أو منع غسل الدماغ، أو حتى تحويله إلى مدافع وليس متطرف. وسيكون الهدف النهائي هو إقناع الجهاديين المحتملين بأن قوانين وسياسات الاتحاد الأوروبي لا تتعارض مع دين الإسلام والمسلمين. ومن أجل الوصول إلى توضيح أفضل، قد تشمل هذه النُهج حملات تشرح بالفيديو مصطلحات وأساسيات المجتمعات الحديثة وكيف أنه بدلاً من أن تكون على خلاف مع الإسلام أو المسلمين، يوجد في الواقع مبدأ أساسي للاحترام.
يمكن أيضاً استخدام هذه الحملات في توضيح الديمقراطية، والدولة المدنية، والبرلمانية، والعقود الاجتماعية وغيرها. والسبب في ذلك هو الشرح بأن المبادئ والأساسيات المذكورة أعلاه لأي مجتمع حديث هي جزء لا يتجزأ من الدين الإسلامي أيضاً. ولدعم هذه الحجة، يمكن الاستفادة من الأدلة من القرآن والسنة (التعاليم الإسلامية) والأحداث التي وقعت في حياة النبي محمد والخلفاء الأربعة من بعده.
والأهم من ذلك، أن هذه الحملات يمكن أن تعمل على إقناع الإرهابي المحتمل أن الدين الإسلامي لا يدعو إلى القتل أو التفجير أو الهجوم بالسيف، وإنما يدعو إلى التسامح. كما يجب أن تستخدم نفس الأدوات التي يستخدمها الأمراء (هنا، زعيم منظمة إرهابية) ومنظري الجماعات الإرهابية، لكن مع تطبيقها بشكل مختلف، بحيث تكون الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والتفسيرات التي يستخدمها المتطرفون لتبرير إرهابهم هي نفس الأدوات المستخدمة في مكافحة إرهابهم. هذه هي مسؤوليات المنظمات غير الحكومية وخاصة تلك التي يديرها المهاجرون. وبالمثل، تقع المسؤوليات أيضاً على عاتق السلطات الدينية الإسلامية في الاتحاد الأوروبي.
بشكل قاطع، من الضروري أن نوضح للجماعات المستهدفة أن القواعد التي يتعلمونها من المحتمل أن تكون دعاية متطرفة. بالإضافة إلى ذلك، من المفيد الإشارة إلى أن قوانين الاندماج في الاتحاد الأوروبي مصممة لمساعدتهم على العيش في مجتمع يقوم على المساواة والاحترام والقيم النبيلة التي تضمن لهم حياة كريمة. قبل كل شيء، يجب أن يعلموا أن جميع القوانين المذكورة أعلاه تحترم الإسلام وتوفر الحرية الكاملة لممارسة تعاليم الدين الإسلامي.
محمد قضماني هو المدير التنفيذي لمركز الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للأبحاث والدراسات. بصفته خريجاً سابقاً من جامعة دمشق في سوريا، فإن اهتماماته هي الدراسات الاستراتيجية والتنويرية ومكافحة الإرهاب. تم تسخير منشورات السيد قضماني وجهوده السابقة لصالح مركز الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للأبحاث والدراسات جنباً إلى جنب مع قسم الاقتصاد في جامعة دمشق، وغني عن القول أن الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلف وحده. لهذا السبب، لا ينبغي أن تُنسب بشكل خاطئ إلى مركز الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للأبحاث والدراسات.
مراجع
[1] مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، “حقوق الإنسان والإرهاب ومكافحة الإرهاب”، صحيفة الوقائع 32، 5-6. (https://www.ohchr.org/documents/publications/factsheet32en.pdf).
[2] Page No. 5 https://www.un.org/sc/ctc/wp-content/uploads/2017/01/2006_01_26_cted_lecture.pdf.
[3] على الرغم من الرعب في فيينا وباريس ، تراجعت الجهادية https://www.economist.com/europe/2020/11/03/despite-the-horrors-in-vienna-and-paris-jihadism-has-declined, Nov 07, 2020.
[5] شيخ الإسلام ومحمد طاهر القادري ، فتوى حول الإرهاب والتفجيرات الانتحارية (منشورات منهاج القرآن ، 2010