د. بشار علي الحاج علي
منذ انطلاقة الثورة السورية عام 2011، حمل الشعب السوري تطلعاته لإسقاط نظام الاستبداد وبناء دولة حرة ديمقراطية، لكن الثورة واجهت تحديات كبرى، أبرزها تفكيك إرادة الشعب، تعطيل محاولاته للتنظيم، وخلق أزمات داخلية وخارجية أضعفت مساره، وأحيانًا أعادت إنتاج أدوات القمع تحت مسميات مختلفة.
إفشال وتفكيك محاولات التنظيم:
عمل النظام السوري وحلفاؤه، سواء داخليًا أو عبر قوى دولية وإقليمية، على تمزيق محاولات الشعب للتنظيم؛ ففي الميدان العسكري؛ أدى دعم الفصائل المسلحة المختلفة إلى خلق تناقضات قاتلة في المناطق المحررة. بدلًا من أن تكون الفصائل أداة لتحرير الأرض وتحقيق هدف الثورة، تحولت إلى أدوات للصراع على السلطة والموارد.
أما في الميدان السياسي، شهدت المعارضة انقسامات متكررة، حيث تم تشكيل هيئات سياسية متنافسة مثل المجلس الوطني السوري، والائتلاف الوطني، وهيئة التفاوض، كل منها عانى من التدخلات الخارجية والخلافات الداخلية التي أعاقت قدرتها على قيادة المشروع الوطني.
تسخيف التضحيات وتحقير العمل السياسي!
تعمد النظام السوري والاستخبارات الدولية إضعاف الروح الثورية من خلال استهداف معنويات الشعب، وعملت وسائل الإعلام الداعمة للنظام على تسخيف محاولات التنظيم السياسي للمعارضة وتصويرها كفاشلة وعاجزة، مما عزز حالة الإحباط العام.
كما تم السخرية من التضحيات الجسيمة التي قدمها الشعب في سبيل تحقيق أهداف الثورة، حيث تم تصويرها على أنها بلا جدوى، وكأن النظام باقٍ مهما بلغت التضحيات.
تطورات اللحظة الراهنة:
سقوط النظام وصعود قوى بديلة
شهدت سوريا تطورات مفصلية مؤخرًا، بدأت بتدهور الوضع الاقتصادي وانهيار مؤسسات النظام، ما أدى إلى تصاعد عمليات عسكرية واسعة على أطراف دمشق، ساهمت في انهيار دفاعاته. أمام هذه التطورات، فرّ بشار الأسد بشكل مفاجئ قبل وصول العمليات العسكرية إلى قلب العاصمة، تاركًا البلاد في حالة من الفوضى وفراغ السلطة.
في أعقاب هذا الفراغ، سارعت غرفة العمليات العسكرية بقيادة هيئة تحرير الشام إلى بسط نفوذها، مستفيدة من الانهيار الأمني والسياسي. ورغم وعودها بإعادة الأمن والاستقرار، أثار صعودها مخاوف عميقة بين السوريين، إذ يُخشى أن يتحول هذا التحول إلى حلقة جديدة من استبداد يستبدل الشعارات القديمة بأخرى جديدة، مع بقاء النهج القمعي ذاته.
هل نحن أمام إعادة إنتاج الاستبداد؟
مع صعود قوة عسكرية غير منتخبة للسلطة، يخشى كثيرون أن يتكرر المشهد الذي عرفته الثورة منذ بداياتها. فمن دون مشروع وطني جامع ومن دون الالتزام بمبادئ الديمقراطية والعدالة، قد تتحول هيئة تحرير الشام إلى نظام قمعي جديد، يستبدل شعارات الأسد بشعارات مختلفة لكنه يحكم بنفس الأدوات.
ما الطريق إلى الخلاص الوطني؟
لضمان ألا تكون المرحلة المقبلة استمرارية للاستبداد، يجب على القوى الوطنية السورية اتخاذ الخطوات التالية:
- إعادة بناء مشروع وطني جامع: توحيد الجهود السياسية والعسكرية تحت راية واحدة تحترم تطلعات الشعب السوري.
- تعزيز المشاركة الشعبية: لضمان أن تكون أي إدارة قادمة ممثلة لكافة أطياف الشعب السوري عبر انتخابات حرة ونزيهة.
- الالتزام بمبادئ العدالة الانتقالية: محاسبة جميع الأطراف التي ارتكبت انتهاكات خلال السنوات الماضية.
- التخلص من هيمنة الأيديولوجيا العسكرية: فصل السلطة العسكرية عن السلطة السياسية لضمان عدم تحول القوة العسكرية إلى أداة للحكم.
خاتمة
الثورة السورية ليست مجرد حدث عابر، بل هي تعبير عن إرادة شعبية عميقة لتحقيق الكرامة والحرية. ومع كل الصعوبات والتحديات التي واجهتها، تبقى هذه الثورة شعلة أمل في مستقبل أفضل لسوريا.
المرحلة القادمة ستكون مفصلية، وعلى القوى الوطنية العمل بكل جدية لتجنب أخطاء الماضي وضمان ألا تكون السلطة الجديدة حلقة أخرى في سلسلة الاستبداد.