بعد سيطرة مقاتلو حركة طالبان على أفغانستان وإلحاق الهزيمة بالجيش الأفغاني المدعوم من الولايات المتحدة بالتزامن مع انسحاب القوات الأجنبية من البلاد، يحذر مراقبون من تكرار السيناريو الأفغاني في العراق، وترك البلاد فريسة للنفوذ الإيراني من خلال أذرعها والمليشيات المسلحة، فيما يتخوف البعض من إعادة إحياء تنظيم الدولة “داعش”.
وأعاد مشهد سيطرة طالبان على كابول وهروب القوات الافغانية المدججة بأحدث أنواع العتاد والسلاح الأميركي، سيناريو هروب الجيش العراقي الذي قدر عدده على الأقل بـ 30 ألف عنصر وترك كامل عتاده لتنظيم “داعش” في العاشر من حزيران/يونيو من عام 2014.
بين “داعش” وميليشيا الحشد..
الفارق بين المشهدين هو أن الرئيس الافغاني “أشرف غني” هرب إلى طاجكستان ولم يجد له منقذاً، بينما احتمى “نوري المالكي” بالقوات الاميركية وقام بتفعيل اتفاقية الإطار الاستراتيجي الذي وقعه مع الإدارة الأميركية نهاية العام 2008، وظهور مليشيات “الحشد الشعبي” المدعومة من ايران بذريعة محاربة “داعش”.
وفي السادس والعشرين من تموز/يوليو 2021، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن “إنهاء المهام القتالية للقوات الأميركية في العراق” بحلول نهاية العام الحالي، على الرغم أن القوات الأميركية التي وصلت العراق عام 2014 كانت مهمتها الأساسية التدريب وتقديم المشورة والمعلومات الاستخبارية للجيش العراقي.
النائب العراقي، السابق “مثال الالوسي” حذر من تكرار سيناريو أفغانستان في العراق بعد الانسحاب الامريكي من البلاد، نهاية العام الحالي، لافتاً إلى أن “هناك مخاوف كبيرة لدى الأوساط السياسية والشعبية من الانسحاب الأمريكي الكلي من العراق، فهذا الأمر سيفتح المجال بشكل أكبر وأوسع للميليشيات المدعومة من إيران أن تسيطر على الملف السياسي والأمني والاقتصادي بشكل كامل، ولهذا الانسحاب الامريكي قد يعيد تكرار سيناريو أفغانستان في العراق، من خلال سيطرة إيران ومليشياتها على العراق بالكامل”.
السياسي العراقي أضاف أن “التواجد الأمريكي في العراق، ضمان لعدم احتلال العراق بشكل كامل من ايران والجماعات السياسية والمسلحة، ولهذا هناك الكثير من الاطراف السياسية المؤثرة وكذلك الأوساط الشعبية مع بقاء التواجد الأمريكي في العراق، لمنع تحول العراق بشكل رسمي الى محافظة تابعة لإيران”.
وتبدو صيغة الاتفاق الأميركي – العراقي الأخير حول “انتهاء المهام القتالية للقوات الأميركية بحلول نهاية العام”، بأنها تسعى لإرضاء الفصائل التابعة لإيران في العراق، وإلا فإن القوات الأميركية لم تشترك في أي عملية قتالية منذ عودتها إلى العراق بطلب من حكومة المالكي عام 2014، بعد سقوط الموصل بأيدي داعش، باستثناء الغطاء الجوي الذي وفره الطيران الأميركي للعراق أثناء الحرب، وبعض العمليات المحدودة لحماية الجنود الأميركيين في المعسكرات العراقية، أو الرد على الهجمات التي تتعرض لها السفارة الأميركية في بغداد.
أمريكا والسلطات الفاشلة..
في المقابل يرى الكاتب العراقي “طارق جوهر”، أن “التجربة تثبت أن محرك السياسات الأميركية دوما، مصالح واشنطن العليا فقط، ومتى ما اقتضت تلك المصالح، فإنها تترك حلفاءها بكل بساطة وتتخلى عنهم، وهو ما لاحظناه في العديد من المحطات التاريخية والحديثة”، لافتاً إلى أنه “في فيتنام، تخلت عن حلفائها والمتعاونين معها، وحصل حديثا عام 2019، عندما سحبت قواتها من مناطق واسعة ممتدة من رأس العين إلى تل أبيض في شمال سوريا، لتدخلها تركيا”.
وأوضح الباحث “جوهر” أنه “لا يقع اللوم هنا فقط على واشنطن، بقدر ما تتحمل المسؤولية السلطات الفاشلة والعاجزة عن تقديم نماذج حكم رشيدة وصالحة، في بلدان مثل أفغانستان والعراق، وبالمحصلة فها هي واشنطن بعد 20 عاما من التواجد فيها تفقد الأمل، وتسلم أفغانستان لحركة طالبان”.
إلى جانب ذلك، بين الكاتب العراقي، أنه “على مدى 3 عقود والولايات المتحدة تحمي كردستان العراق، لكن سنويا تتصاعد وتيرة انتقادات وزارة الخارجية الأميركية في تقاريرها للإقليم، خاصة على صعيد ملف حقوق الإنسان والديمقراطية وحرية الرأي، وحرية العمل الصحفي، وهذه بطبيعة الحال تحفظات وملاحظات نقدية جدية، وقد تقود في حال استمرار التراجع الديمقراطي في الإقليم الكردي العراقي، إلى مراجعات وإعادة نظر شاملة في مقاربات وسياسات واشنطن الداعمة له”، مؤكداً أنه “في عموم العراق ومنذ 18 عاما، فإن واشنطن تحمي الوضع الذي أقامته في البلاد، وسنة بعد سنة فإن الممسكين بزمام الحكم في العراق بدعم أميركي، في تراجع مضطرد، ويزدادون استبدادا وفسادا وتسلطا”.
وتم الإعلان في نهاية يوليو الماضي عن انسحاب جميع القوات القتالية الأميركية من العراق بحلول نهاية هذا العام في إطار “الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق”، بعد عقب زيارة أجراها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى الولايات المتحدة والتقى خلالها الرئيس الأميركي جو بايدن، اذ تتركز القوات الأميركية البالغ عددها حاليا 2500 في ثلاث قواعد، وعددها شيء لا يذكر مقارنة بالقوة التي بلغ قوامها 160 ألفاً عند احتلال العراق في العام 2003.
الانتصار الوهمي..
الاتفاق الأميركي-العراقي الأخير لم يأتِ بجديد، لكنه يمثل نصراً للميليشيات المسلحة واجبار أميركا على الانسحاب من العراق وتغيير خططها”، لذلك لم يعد هناك حاجة لمهاجمة قوات مهزومة منسحبة، لكن هذا العذر تقابله أعذار كثيرة يمكن أن تُستَدعى عند الحاجة، فهذه الجماعات المرتبطة بالولي الفقيه، عبر جنرالات فيلق القدس، يمكن أن تعود إلى مهاجمة المعسكرات العراقية والسفارة الأميركية عندما توعز لها ايران.
ويرى متابعون أن إطاحة الولايات المتحدة بنظام الرئيس الراحل صدام حسين فتحت الباب أمام هيمنة إيران على المنطقة، وهو ما استغلته طهران جيدا منذ ذلك الحين اذ دمجت المجموعات المسلحة الموالية لها في المؤسسة الأمنية العراقية، كما أن لحلفائها صوتا وحضورا قويّيْن في البرلمان.
كما راهنت إيران على استراتيجية تقوم على الضغط بشكل غير مباشر على الوجود العسكري الأميركي من خلال الهجمات المتكررة من قبل ميليشياتها على القواعد الأميركية لإجبار الولايات المتحدة على اعتبار البقاء في المنطقة لا يستحق العناء، اذ توقفت هجمات الميليشيات الموالية لإيران منذ إعلان الولايات المتحدة نيتها الانسحاب من البلاد.
يشار إلى أن الولايات المتحدة دخلت أفغانستان بذريعة محاربة الإرهاب، ومطاردة أسامة بن لادن، لكن الأسباب الخفية كانت السيطرة في هذه المنطقة على مقربة من روسيا والحصول على خيرات بحر قزوين، في سيناريو مشابهاً لما فعلته بالعراق، عندما رفعت شعار إسقاط “صدام حسين” وإنقاذ العراقيين، لكن الحقيقة كانت ابتلاع خيرات العراق ونفطه ثم تركه لإيران، لتحوله لولاية تابعة لطهران.
وذكرت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية في تقرير لها أن إدارة الرئيس جو بايدن تتخذ نهجًا أكثر حرصًا ونجاحًا في العراق، بعد الانسحاب السريع والفوضوي للقوات الأميركية من أفغانستان، لافتة إلى أن “بايدن قد وجد الحل الأمثل في العراق، حيث سيُبقي على قوة أميركية صغيرة يمكنها تدريب الجيش العراقي، وتزويده بالمعلومات الاستخبارية وحمايته من جيرانه الأقوياء، وذلك بدعم من معظم الكتل السياسية العراقية”.