تقدير موقف
تقارير إعلامية كثيرة تحدثت مؤخراً عن رحيل الأسد، مستندة في تحليلها إلى الوضع الجديد الذي وجد العالم نفسه فيه بعد تمدد فيروس كورونا عالمياً، وبعد التقارير الإعلامية والسياسية الصادرة عن مواقع روسية منها “المجلس الروسي للشؤون الدولية” وصحف روسية وغيرها. وقد جاء السجال العلني بين آل مخلوف وآل الأسد، والذي بدأه حول الاقتصاد السوري، رامي مخلوف، عبر صفحات الفيسبوك، بما أوحى بأن هناك “شقاقاً” داخل العائلة الحاكمة، ليزيد من احتمالية أن يكون هناك “صحة” ما لتلك التقارير التي تتحدث عن رحيل الأسد واقتراب الحل السوري الذي تأخر طويلا.
فما دقة هذا الكلام، وما الهدف منه، وهل حقاً يمكن أن يفضي إلى إيجاد حل للانسداد السياسي الذي تعاني منه المسألة السورية منذ ما يقارب العشر سنوات تقريبا؟
في البدء، ينبغي القول بوضوح، أنه لا يمكن الركون في تحليل سياسي رصين وعميق إلى ما يصدر عن تلك المؤسسة الروسية أو تلك، بل حتى المؤسسات الأخرى الأميركية والتركية والإيرانية، فهذه المؤسسات تعمل لحساب مصلحة الدولة التي تتبع لها. وفي كثير من الأحيان، تقدم هذه المؤسسات على بث معلومات بهدف تحقيق أهداف كثيرة ليس منها الهدف الظاهر بل إعطاء آمال وهمية لتحقيق شيء أخر تريده تلك القوى، وهذا أمر رأيناه بوضوح خلال مسار المسألة السورية، خاصة من روسيا التي كثيراً ما سربت معلومات مضللة فيما خطتها بقيت على الأرض ماضية في مسار أخر، وأيضا فيما يخص الأمريكان الذي ضللوا كل حلفائهم وخصومهم في سورية مذ قال باراك أوباما أن “أيام الأسد معدودات” وأن استخدام الكيماوي خط أحمر إلى تصريح ترامب بسحب قواته من سورية، وهو الأمر الذي لم ينفذ حتى الآن، فيما نرى اليوم الأهداف الروسية والأميركية التي تحققت على الأرض لنعرف جيداً أن ما قيل سابقاً كان بهدف التضليل لا الحقيقة، هذا التضليل الذي يهدف إلى تعبيد الطريق لهدف أخر تريده تلك القوى، وهو حتماً هدف لا يصب في خدمة السوريين ولا قضيتهم التي خرجت من أيديهم عموماً بفعل هذه السياسات، وبفعل ضعف الاجتماع والمعارضة السوريتين، وهو ما سنتحدث عنه لاحقاً.
محددات المسألة السورية
هذا الأمر يبين لنا بوضوح أنه لا يمكن الاعتماد على ما صدر مؤخراً عن المؤسسات الروسية، لأنه صادر عن المؤسسات الروسية فقط، بل يجب البحث في طبيعة المادة المسربة والمحكي عنها ومقاطعتها مع الواقع الذي ترزح فيه المسألة السورية اليوم، بكل تقاطعاتها الداخلية والإقليمية والدولية، وأيضا مواقف ومواقع القوى الداخلية السورية والخارجية الإقليمية والدولية، من ثم قراءة ما يجري داخل بيت العائلة الحاكمة على ضوئه، لنرى إن كان يحمل إمكانات ما أم لا.
لقراءة ذلك بوضوح نحتاج أولا إلى تحديد المحددات التي باتت تحيط بالمسألة السورية أخيراً، وقراءة ما يجري على ضوئها وهي:
أولا، منذ الاتفاق الروسي التركي الأخير بات واضحاً أن الحملة الروسية الإيرانية الأخيرة على مدينة إدلب قد أخفقت كلياً، وأن الحلم الروسي باستعادة كامل التراب السوري قد انتهى إلى غير عودة، خاصة أن الوجود الأميركي والتركي باتا خصمين أساسيين لروسيا وإيران على الأرض السورية، ولا يمكن إخراجهما إلا عبر مواجهة مباشرة بين هذه الدول على الأرض السورية، وهو ما رأيناه بوضوح في المواجهة التركية الروسية في إدلب أخيراً.
هنا بقيت إيران هي صاحبة المصلحة الوحيدة في إبقاء الساحة السورية في حالة حرب دائمة، ولكن تبقى المصالح الروسية في تشعبها مع إسرائيل وروسيا وأمريكا قادرة على لجمها كما رأينا، خاصة أن هناك إصرار أميركي إسرائيلي مدعوم بموقف تركي على إخراج إيران من سورية، فيما تعمل روسيا على هندسة هذا الوجود بما يخدم مصالحها، ودون أن يدفع بها للاصطدام مع الأطراف الأخرى.
هذا الواقع يعني بالنسبة لروسيا وغيرها أن الحسم العسكري انتهى، ولكنه بذات الوقت يبقي وجودها ومصالحها مهددة في سورية ما لم يكلل تدخلها باتفاق سياسي معترف به دوليا، ويضمن مصالحها، ما يعني أن روسيا اليوم في إطار البحث عن حل، وأن بازار التفاوض قد فتح.
وهنا قد تكون التقارير السياسية والإعلامية الصادرة عن مؤسسات روسية مجرد إعلان عن بدء هذا البازار وليس تكهنا بحل نهائي، حيث سبق ورأينا “إشارات” روسية مشابهة دون أن تتمخض عن شيء، وسنتحدث عن سبب عدم تمخضها عن شيء لاحقا.
ثانيا، لا يمكن إغفال الوضع العالمي الذي فرضته كورونا على المسألة السورية، فالوباء الذي بات يجتاح العالم، فرض، وبشكل سريع، تحولين أساسيين، وجدت البشرية نفسها كلها تحت وطأتهما، الأول يتعلق بتلك الرغبة الجامعة عند الجميع بنبذ الحروب والقتال، حيث بيّن الفيروس مدى هشاشة البشر، ومدى عري الإنسانية التي تراكم السلاح بينما هي عاجزة أمام فيروس صغير، وهذا ما نرى أثره عملياً في توقف جزئي لكل الحروب والمعارك التي كانت دائرة هنا وهناك. والثاني، هو شبح التراجع والانكماش الاقتصادي الذي بات يهدد كل العالم ويرخي بظله على كل الملفات، وهذا كان أثره واضحاً على الجميع، بما فيها الدول الفاعلة في المسألة السورية، وخاصة روسيا التي باتت يدها مغلولة عسكرياً واقتصادياً في سورية، وهو أحد الأسباب، وليس كلها، الذي يكون قد أطاح بأحلام موسكو في استعادة إدلب إلى حاضنة النظام السوري على الأقل.
ثالثا، إن الحرب النفطية التي جرت بين الرياض وموسكو أرخت بظلها السريع على الاقتصاد الروسي الذي بات محاصراً اليوم بين تداعيات كورونا وتراجع النفط والعزلة النسبية التي تغرق فيها موسكو جراء العقوبات الغربية والأغلاق بسبب كورونا، وبالتالي، لا بد من العمل سريعاً على إيقاف الخسائر، وهو المبدأ الذي تعمل بوحيه كل الدول اليوم، ومنها موسكو التي تعمل على قطف أرباح ما حققت في سورية بدلا من السعي لقطف المزيد من الأرباح، مدركة أن ما قد تحصل عليه اليوم لن تحصل عليه غداً إن تابع الوضع العالمي انحداره.
وهذا ما يوضح لنا المأزق الروسي اليوم، والذي قد يكون دفع باتجاه تلك التسريبات التي قرأنا عنها في وسائل الإعلام، التي قد نرى فيها مناقصة روسية لاستدراج عروض غربية لثمن الأسد قبل موعد الانتخابات الرئاسية في منتصف عام ٢٠٢١. إلا أن المعضلة التي تواجهها روسيا هنا، أن لا أحد حتى اليوم معنى بالعروض الروسية، خاصة الأمريكان الذين يشكلون وحدهم مفتاح الحل، وهنا نصل إلى ما يمكن تسميته العقدة الأميركية في الشأن السوري، التي تسبب بدورها عقدة روسية، مفادها أن الروس سعوا للاستثمار في سورية على أمل أن يجدوا بائعين لتلك البضاعة، إلا أن الأمريكان والأوربيين، لم يكترثوا فعلياً حتى الآن بتلك البضاعة، وهي البضاعة التي بات سوقها مهددا بالكساد اليوم، بسبب تداعيات كورونا، ما يجعل روسيا تخشى من تحول سوريا إلى أفغانستان أخرى لها، وهو ما تسعى لتفاديه، في حين يسعى خصومها لتحقيقه، وأيضا “حلفائها” الإيرانيين الذين سيقامون المساعي الدولية لإخراجهم من سورية، ولو اضطروا لإحراج الدب الروسي، وهو ما رأينا مؤشرات له في زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى دمشق ولقائه الرئيس الأسد في ظل أزمة كورونا، وهي رسالة بالغة الدلالة أراد الإيرانيين توجيهها للروس قبل غيرهم.
رابعا، تتمثل المعضلة الأميركية في أن لا أحد حتى اليوم يعرف ماذا يريد الأمريكان من سورية حقاً؟ فهل هم معنيون بالبقاء في المنطقة أم إقامة شراكة طويلة الأمد مع الكرد على غرار كرد العراق أم متابعة قتال داعش إلى ما لانهاية أم إقامة قاعدة عسكرية تنوب عن قاعدتها في تركيا أم ماذا؟ أم الاستحواذ على النفط السوري أم إخراج إيران من سورية؟
الواضح حتى الآن وجود ضبابية في الموقف الأميركي، وهو الأمر الذي يبدو لنا أنه لن يتضح إلا بعد موعد الانتخابات الأميركية التي لا أحد يعرف أن كانت ستجري أساساً أم لا. والواضح حتى اليوم أن واشنطن سعيدة، وهي ترى خصمها الروسي يتخبط في الأرض السورية، وقد تدفعه لمزيد من الغرق إلى أن تتمكن من الحصول على ثمن أفضل، مستعينة بذلك بالموقف الأوروبي الرافض وتمويل عملية إعادة الإعمار في سورية دون وجود حل منطقي وعادل، وحتما لا يمكن لهذا الحل أن يولد دون موافقة أميركية، فما هي خيارات موسكو إذن؟
خامساً، هناك مسألة باتت سورية ترزح تحت وطأتها، وهي مسألة تتلخص عملياً بأن سورية اليوم خاضعة لاحتلالات شتى فعلياً، فعلى الأرض السورية، يتواجد فعليا الاحتلال الروسي والأميركي والإيراني والتركي، ما يجعل سورية فعلا “أرضا لحرب الأخرين”، ما يعني تقاطع الدولي والإقليمي في تشابكات صراعات العالم كلها، فيما الأطراف السورية السياسية، سواء من جهة النظام والمعارضة هي مجرد أدوات لتلك القوى.
والمفارقة الكبرى هنا، أن العامل المستقل الوحيد في سورية، هم التنظيمات الجهادية، داعش بشكل أساسي وجبهة النصرة بشكل ثانوي، وأيضاً قوات سورية الديمقراطية والتي هي مستقلة جزئياً، لأن قرارها يتبع لقنديل في نهاية المطاف وهي محاصرة في جغرافية معادية ما يجعلها مضطرة دوماً للتحالف مع القوى الكبرى، متنقلة بينهما في لعبة سياسية تدار على حد السكين، حيث الحلفاء مستعدون لبيع الكرد دوما في لعبة المصالح الكبرى، ما يعني أنه ليس هناك أي طرف سوري مستقل وله وزن على الأرض، يمثل أي من مصالح السوريين بشكل فعلي، سواء كانوا مع النظام أو المعارضة أو المحايدين أو حتى الكرد.
سادساً، خلف رغبة الحل السوري، تختبأ عملية إيجاد صيغة مناسبة تحفظ مصالح الأطراف السابقة كلها في سورية، النظام والمعارضة وقوات سورية الديمقراطية داخلاً، وإيران وتركيا والخليج وروسيا والصين وأوروبا وأمريكا وإسرائيل، فإذا كانت الأخيرة مع واشنطن تصر على إخراج إيران من سورية وإذا كانت تركيا ترى أن قوات سورية الديمقراطية قوات إرهابية تتبع لحزب العمال الكردستاني، فكيف يمكن إيجاد حلول لهذه المسائل المعقدة، والتي تبقى بالنسبة للدول أهم من بقاء الأسد أو رحيله، فهو الحلقة الأضعف في الساحة السورية والذي يبدو في النهاية أن الجميع متفق عليه.
لكن هذا لا يمكن أن يحصل عملياً دون التوافق على المسائل الحقيقية، التي تبدو لنا عملية صعبة ومعقدة وتحتاج وقتاً، ما يعني بالنسبة لنا في نهاية المطاف أن ما صدر عن موسكو وما تقول به الصراعات داخل بيت الأسد، أنه مجرد ورقة ترميها موسكو لاستدراج عروض، وليست مؤشراً على أن هناك حلاً سياسياً جاهز كما يطرح في وسائل الإعلام.
سابعاً، رغم كل ضعف المعارضة السورية، فإن غيابها وتذررها وضعف إمساكها بالأرض السورية، يشكل أحد نقاط الضعف القاتلة، ليس لأي حل سياسي فحسب، وليس لمصالح السوريين فحسب، بل أيضا للقوى الإقليمية والدولية التي قد تتفق على حل ما.
فحتى حين يتفق هؤلاء على حل، فهم بحاجة إلى طرف سوري يحتل حد أدنى من المصداقية لدى السوريين لإنجاح هذا الحل وإعطائه شيء من شرعية داخلية تهدأ الأوضاع داخلا، وتكون قادرة على أقناع الناس بالمشاركة في هذا الحل. هنا نعطي مثالا عن هذا الأمر، يتعلق بالمصالحات التي أنجزتها روسيا وإيران في بعض المناطق بالاعتماد على شخصيات من أهل تلك المناطق ليس لها بعد شعبي أو شرعي، وهو ما يجعل تلك المناطق تتحين الفرص للانقضاض على هذه المصالحة، خاصة في ظل عدم التزم النظام ومن خلفه بما تم الاتفاق عليه، ما يجعل المعارك تعود مرة أخرى بصيغ مختلفة، وفق ما نشهد في مدينة درعا اليوم مثلا.
وهنا إذن، نرى أن المعارضة السورية لم تفعل طيلة السنوات التسع، إلا أنها قدمت أسوأ مثال لقيادة قضية وطنية وعادلة، ولا تزال تتبع هذا السلوك، ما يعني في نهاية المطاف أن أي حل مقترح لن يكون في صالح السوريين الذين لن يجدوا أنفسهم ممثلين فيه بشكل عملي، وهو ما سنتحدث عنه بعد الحديث عن فقرة تتعلق بالمجتمع السوري.
ثامناً، قبل عام ٢٠١١ كان البناء الوطني السوري هشاً، فلم يكن لدينا مواطنة حقيقة بل اجتماع عشائري طائفي مختلط بوطنية سورية حديثة التشكل على اعتبار أن العروبة كانت القومية الطاغية في سورية، واللاغية للهوية السورية التي لم يشعر السوريين بالانتماء لها عموما إلا مؤخرا، وعلى ضوء أحداث خارجية.
هذا الاجتماع الهش أساساً، تذرر بشكل أكبر وانقسم بشكل أكثر طيلة سنوات الحرب السورية. وهذا سيشكل أحد المعيقات الكبرى أمام الحل السوري القادم، إذ أي تسوية سياسية تحتاج لأن تنجح لأن تكون قادرة على إعطاء الأمل لهؤلاء من جهة، ولدفعهم في إعطاء الحل السياسي شكله العملي على الأرض، وهو ما يبدو غير متوفر، ففي ظل غياب الدولة وانكسار السلطة عادت الروابط العشائرية والطائفية والإقليمية والعائلية والدينية لتكون المتحكم في الأرض السورية، في ظل اختراقات دولية وإقليمية لهذه الروابط والسعي لإلحاقها بها، وهو الأمر الذي يخشى أن يمهد لحل طائفي علنا أو حل سياسي ليس في واقع الأمر إلا واجهة لهذا الواقع البائس في ظل غياب قيادات سورية وطنية قادرة على لملمة الاجتماع السوري المادون وطني وإعادة بنائه على أسس وطنية، وهذا يتطلب وجود نوع من “كتلة وطنية” حديثة تعيد اختراع السياسة وتبنيها من الصفر، لتقود النضال الطويل، والذي بات، للمفارقة أيضا، لأجل الحرية من الاستبداد والتحرر من الاحتلالات، كما قامت الكتلة الوطنية بمواجهة المحتل الفرنسي الذي قسم سورية إلى دويلات طائفية وقيادة سورية نحو الاستقلال أخيراً، مع محاولة الاستفادة من تجربة الكتلة الوطنية التي أخفقت في الحكم بعد رحيل الانتداب الفرنسي.
إطلالة على مسألة الخلاف داخل العائلة الحاكمة
قيل الكثير عن الخلاف داخل العائلة الحاكمة بين عائلتي مخلوف والأسد، وقد حمّل هذا الخلاف أكبر مما يحتمل في وسائل الإعلام، الذي هو قد يكون عملية توزيع أدوار داخل العائلة الحاكمة لإعادة تعويم النظام ككل عبر عملية التضحية “الطوعية” ببعض أركانه، وقد تكون عملية صراع حقيقي، كانعكاس للصراع الروسي الإيراني في سورية، خاصة أن الأمر تم بعد التقارير الروسية التي تحدثت عن فساد العائلة الحاكمة السورية.
بغض النظر عن السبب لما سبق، ونوعية ما يجري، فإن النتيجة واحدة من وجهة نظرنا، لأن الهدف النهائي منه إعادة التماسك للعائلة الحاكمة التي ما عادت تحكم أساساً، فمخلوف في نهاية الأمر ليس أكثر من مدير أعمال بيت الأسد، فقد يكون الخلاف حقيقي حول حصص المال وقد يكون خلافاً وهمياً لذر الرماد في العيون.
ولكن أيضا، تعلمنا الأنظمة الاستبدادية أنها تأكل بعضها في نهاية المطاف، وأنها قد تضحي بأركانها في نقطة مفصلية لأجل الاستمرار، وهو ما رأيناه في محطات كثيرة، منها الخلاف بين رفعت وحافظ ثمانيات القرن الماضي، والتضحية بغازي كنعان الحاكم الفعلي للبنان آنذاك، ومن ثم أصف شوكت، ويقال أيضا حافظ مخلوف، وهو أخ رامي الذي غادر في وقت سابق.
وعليه قد يكون هذا الخلاف مؤشراً لإزاحة عائلة مخلوف من دائرة القرار بعد وفاة الأم أنيسة لصالح الحضور الذي تمثله أسماء الأسد وأقاربها، وهو أمر ذو بعدين، الأول بعد عائلي يتمثل بالصراع داخل أجنحة العائلة، والثاني كون هذا الصراع يأتي استجابة للصراع السياسي وحاجة النظام لتجديد نفسه عبر التخلص ممن بات عبئا عليه، ناهيك عن “تجميل” الصبغة الطائفية للنظام عبر العمل على إبعاد رامي وإعادة المزايا التي سرقها للبرجوازية التقليدية السنية التي كانت شريكاً أساسيا في الاقتصاد السوري قبل أن يهمشها رامي مخلوف، وهو ما يذكرنا بالعهد الذهبي للبرجوازية التقليدية في سورية بعد أحداث الثمانيات ورحيل الوجه الطائفي المعلن للنظام آنذاك، رفعت الأسد، حيث حصلت هذه البرجوازية على امتيازات كبرى حينها طيلة سنوات التسعينات. فيما يتطلب التطبيع مع الطائفة السنية في سورية اليوم رحيل الوجه الطائفي الاقتصادي للنظام السوري، ونعني به رامي مخلوف، لحساب عائلة الأخرس ومن يمثلها.
من جهة أخرى، فإن هذا الأمر له علاقة دون شك بالضغوط الروسية على النظام السوري لإعادة هندسة نفسه بما يتلاءم مع التطورات الجديدة القادمة، فروسيا تعمل على ترسيخ وإعادة بناء المؤسسات السورية، وخاصة الجيش والمؤسسات الأمنية والاقتصاد، وبما يتلاءم مع مصالحها، في حين أن إيران تريد الإبقاء على قوة المليشيات واقتصادها بموازاة الدولة، فهذا الصراع هو صدى لصراع إيراني روسي في سورية أيضا.
ما علاقة السوريين بكل هذا؟
المؤلم من كل ما سبق، أن ليس للسوريين أي فائدة عملية من كل ما يحصل، فسواء رحل الأسد أم بقي، فإن الواضح في المدى المنظور أن الاحتلالات باقية في سورية وأن النظام بهيكلته الأساسية باق في سورية إلى أمد قريب، وأن السوريين ليس لديهم من يمثلهم، وهذا بدأ مذ أضاع السوريون طريقهم إلى الدولة الوطنية السورية، حين ضاعوا في حمى الصراعات والتجاذبات الداخلية والإقليمية والدولية. ولذا لا حل حقيقي للمسألة السورية، دون سعي السوريين لاستعادة قدراتهم وتنظيم أنفسهم سياسيا ونضاليا لاستعادة القرار السوري، وهذا يحتاج عملا طويلا وبعيد المدى.
مراجع تم الاستعانة بها:
- ما أسباب اندلاع التوترات في عرين القيادة السورية؟, معهد كارنيغي.
- فيليب خوري، سورية والانتداب الفرنسي، مؤسسة الأبحاث العربية.
- عبد الإله بلقزيز، ما بعد الربيع العربي، المركز الثقافي العربي
- سلامة كيلة، الثورة السورية، دار أطلس.
- روبرت أي . روتبرغ، سيث كابلان، كيف تحولت سورية إلى دولة فاشلة؟ دار الريس.
- عدد من المقالات والتقارير الإعلامية التي تتناول الشأن السوري، والتي يتعذر ذكرها هنا لكثرتها.