مع قرار الولايات المتحدة تخفيض عدد قواتها في العراق، يتصاعد الحديث والتسؤلات عن أثر تلك الخطوة على نفوذ الميليشيات وهيمنتها على العراق، بالإضافة إلى مدى تأثر جهود الحكومة العراقية في استعادة السيادة وهيبة الدولة.
وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت قبل أيام عن خفض عدد قواتها من 5000 إلى 3000 جندي في العراق.
تعليقاً على التساؤلات السابقة، يشير المحلل الأمني، “علي الدليمي”، إلى أن وجود القوات الأمريكية على الأراضي العراقية، لم يمنع سقوط الدولة بشكل كامل بيد الميليشيات، لافتاً إلى أنه منذ عام 2004، أي بعد أشهر من سقوط النظام السابق، تحولت الميليشيات وقياداتها إلى الحكام الفعلي في البلاد، على الرغم من وجود عشرات آلاف الجنود الأمريكيين.
ويضم العراق نحو 30 ميليشيا مسلحة موالية لإيران، أكبرها، فيلق بدر وحزب الله العراقي، وجيش المهدي، بالإضافة إلى ميليشيات الحشد الشعبي، والتي تتخذ من مدينة البصرة جنوب العراق، معقلاً لها.
بين الجعفري والمالكي.. عرابو الدولة العميقة
في الحديث عن دور الميليشيات في العراق، يوضح “الدليمي” أن بداية تغلغل الميليشيات في الدولة العراقية، تزامنت مع تولي “إبراهيم الجعفري” لمنصب رئيس الحكومة، خلفاً “لإياد علاوي”، عام 2004، كثاني رئيس لحكومة عراقية بعد سقوط نظام “صدام حسين”، لافتاً إلى أن تلك الفترة شهدت تحول الميليشيات من مجموعات مسلحة إلى دولة عميقة تمسك بكامل خيوط الحكم في العراق، وتدير دولتها الخاصة، على الرغم من الوجود الأمريكي.
ويعتبر “الجعفري” أحد أهم الشخصيات السياسية العراقية الموالية لإيران، والذي شغل عدة مناصب هامة، بينها رئاسة الحكومة ووزارة الخارجية.
إلى جانب ذلك، يشير “الدليمي” إلى أن سلطات وهيمنة الميليشيات ترسخت بشكل أكبر مع تولي “نوري المالكي”، رئاسة الحكومة، خاصةً وانه منحها فرصة الانخراط في الجيش العراقي، من خلال قراره بدمجها ضمن الوحدات العسكرية، لافتاً إلى أن قرار الدمج مكن قادتها الميدانيين فرصة لتحكم بالقطع العسكرية العراقية وإدارتها والاستفادة من تسليحها.
في السياق ذاته، يعتبر المحلل السياسي “إبراهيم الجنابي” أن الميليشيات لم تكن بحاجة إلى انسحاب القوات الأمريكية من العراق لتسيطر على القرار العراقي وتنشئ دولتها الخاصة، معتبراً أن المشكلة ليست بوجود القوات الأمريكية أو انسحابها، بقدر ارتباطها بجدية الحكومة العراقية بالتخلص من سطوة الميليشيات.
دولة أمنية وإمبراطورية رعب
تناول نفوذ الميليشيات في العراق، بحسب ما يراه الخبير الأمني، “الدليمي”، يعني ضرورة الولوج أكثر داخل دولتها الخاصة، التي وصفها بإمبراطوربة رعب حقيقية، لافتاً إلى أن سطوة الميليشيات لم تقتصر فقط على التوغل داخل الدولة العراقية، وإنما بإنشاء دولة أمنية مستقلة، لا سيما وأنها امتلكت سجونها الخاصة ومنشآتها الأمنية وقواتها العسكرية، التي تضاهي قوة الجيش العراقية والأجهزة الأمنية.
وكان ملف المختفين قسراً والمختطفين قد سيطر على المشهد العراقي خلال الأعوام الماضية، لا سيما بعد شهادات ناشطين وناشطات عراقيين، أكدوا خلالها أنه تم اعتقالهم من قبل الميليشيات وأنهم وضعوا في سجون سرية، في حين وثقت مفوضية حقوق الإنسان العراقية، اختفاء 79 ناشطاً بينهم 4 فتيات خلال الفترة الممتدة من تشرين الأول 2019 وحتى منتصف شباط 2020، على خلفية الاحتجاجات الأخيرة.
إلى جانب ذلك، ينوه “الدليمي” إلى أن كافة الأنشطة، التي قامت بها الميليشيات بجناحيها السياسي والعسكري، تمت في ظل التواجد العسكري الأمريكي والدولي، ما يقلل من أهمية الانسحاب الأمريكي في معركة الحد من النفوذ الميليشيوي، معتبراً أن ضغط إيران والميليشيات باتجاه خروج الجيش الأمريكي ليس سوى دعاية وبحث عن مبررات للتواجد في الساحة العراقية.
تكتيك استراتيجي وقراءة بالاتجاه الآخر
على الجانب الآخر من التحليلات المتعلقة بالانسحاب الأمريكي، يعتبر الباحث في السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، “مايكل كيلي” في حديثه مع مرصد مينا، أن انسحاب القوات الامريكية من العراق قد يحمل مؤشرات على جدية واشنطن في محاربة الميليشيات، موضحاً: “الولايات المتحدة تخشى من الانزلاق إلى حرب عصابات مع الميليشيات التي هددت باستهداف القواعد الأمريكية في العراق، وبالتالي يمكن تصنيف تخفيض عدد القوات الأمريكية في العراق كتكتيك استراتيجي، لسحب ورقة الضغط من يد الميليشيات، ولحصر المعركة بين الميليشيات والدولة العراقية”.
بالإضافة إلى ذلك، يؤكد “كيلي” أن مقاومة النفوذ الميليشيوي في العراق لا يرتبط بالجيش الأمريكي ولا بوجوده، لافتاً إلى أن الدور الأمريكي في تلك القضية، ينحصر في تقديم الدعم اللوجستي والعملياتي، دون الخوض في مواجهات مسلحة مع الميليشيات.