هو سؤال أجاب عنه تقريرًا لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وكان الثنائي هارون ي. زيلين و مايكل نايتس، قد عملا على الاجابة عنه، فقد “حدثت أمورٌ كثيرة مع تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش») منذ آذار/مارس 2019، عندما خسر آخر معاقله في بلدة باغوز السورية”. ويتابع التقرير القول أن “التنظيم يواصل نشاطه اليوم كجماعة متمردة في مناطق متعددة من البلاد، ويتعامل في الوقت نفسه مع عملية انتقالية في قيادته”. واستطرادًا يقول التقرير بأن “عدة محافظات شهدت هجمات عديدة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» على مدى الأربعة عشر شهراً الماضية: 638 في دير الزور، و 168 في الرقة، و 153 في الحسكة، و 52 في حمص، و 51 في درعا، و 17 في حلب، و 4 في دمشق، وواحدة في القنيطرة”.
ويتابع التقرير”وقعت معظم هذه الهجمات – وخاصة في عام 2020 – في دير الزور، لذلك من المهم أن نفهم سبب القوة الكبيرة للتنظيم هناك. وأحد الأسباب الرئيسية لذلك هو أن المنطقة الحيوية لـ «قوات سوريا الديمقراطية» – الكيان الذي يقوده الأكراد والذي أثبت أنه خصم قوي لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» على مر السنين – تكمن في الحسكة، على مسافة بعيدة إلى شمال البقعة التي تشهد هجمات أكثر من سواها. وبالتالي تخوض «قوات سوريا الديمقراطية» اللعبة بصفة “الفريق الزائر” في دير الزور، حيث تفتقر إلى درجة التحكم والدعم المحليين اللذين استغلّهما تنظيم «داعش» هناك. وأدى التوغل العسكري التركي في أجزاء من شمال سوريا في تشرين الأول/أكتوبر الماضي إلى تفاقم هذه المشكلة، مما وفر مساحة أكبر لتنظيم «الدولة الإسلامية» لممارسة نشاطه، بينما حوّلت «قوات سوريا الديمقراطية» قواتها لحماية مجتمعاتها في المناطق الأقرب إلى الحدود. وكان للانسحاب الأمريكي الجزئي من سوريا تداعياته أيضاً”.
وفي تحليلهما لما آلت اليه الأمور جاء في التقرير بأن “قوات تنظيم «الدولة الإسلامية» الفرص الناجمة عن ذلك لشن هجمات انتقامية ضد القيادات المحلية، ومهاجمة خطوط إمداد النفط / الغاز، والهجوم على المواكب، واختطاف الناس للحصول على فدية. وقد مكّن التكتيك الأخير قيام التنظيم بالمطالبة بتبادل الأسرى وجمع المعلومات الاستخبارية عبر استجواب الرهائن”.
كما تواجه مناطق جنوب غرب سوريا عمليات تمرد متجددة. ومع تجدد العنف بين فصائل المعارضة المحلية والجيش، استغل تنظيم «الدولة الإسلامية» هذه الاضطرابات في محاولة لتجنيد عناصر جدد ربما يكنّون الضغينة لنظام الأسد أو الميليشيات المدعومة من إيران أو الجيش الروسي. وأفادت بعض التقارير عن وقوع عدة هجمات جنوب القنيطرة، وشمال شرق درعا، وشمال غرب السويداء. وكانت هذه المناطق موطناً للخلايا الناشطة لتنظيم «الدولة الإسلامية» في الماضي، وقد حافظ التنظيم على قدرته على العمل فيها حتى بعد هزيمته على ما يبدو في كل بلدة منها. وفي هذا الإطار، تسترعي درعا الانتباه بشكل خاص لأنها عانت من ارتفاع كبير في عدد الهجمات على مدار الشهرين الماضيين.
ويرى التقرير أن “هناك قضية عالقة أخرى وهي ما يجب فعله بعناصر تنظيم «الدولة الإسلامية» المعتقلين في سجون «قوات سوريا الديمقراطية»، ناهيك عن الآلاف من النساء والأطفال النازحين الذين لا يزالون في المخيمات الواقعة تحت سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية». فالكثير من الدول الأجنبية لم تسترجع بعد مواطنيها من تلك السجون، مما يوجِد احتمالاً بتكرار ما حدث في العراق بين عامَي 2012 و2014: أي فرار جماعي لسجناء تنظيم «الدولة الإسلامية». يشار إلى أن عمليات الفرار السابقة في العراق التي حدثت في التاجي وأبو غريب جاءت بعد عدة محاولات فاشلة، لذلك لا يجدر بالسلطات أن تطْمئِن خطأً بعدم حدوث محاولات ناجحة في سوريا حتى الآن”.
وعن حال المخيمات جاء في التقرير بأن “عدد سكان المخيمات قد انخفض إلى حد ما ولكن ليس بالقدر الكافي – على سبيل المثال، لا يزال مخيم “الهول” موطناً لحوالي 65,000 شخص. فالعديد من الأطفال هناك أمضوا حياتهم بالكامل إما تحت سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» أو عاشوا في ظروف خاصة بالمخيمات، مما يزيد من احتمال التطرف”.
وعن صلة “كوفيد-19″،وتأثيراته فهو “مرض من غير الواضح ما إذا كان هذا الوباء العالمي يفاقم عودة ظهور تنظيم «الدولة الإسلامية» أم لا، لا سيما أنه يصعب الحصول على إحصاءات دقيقة للعدوى في سوريا. وحتى الآن، فإن عدد الحالات المحلية المبلغ عنها ليس مرتفعاً كما هو الحال في دول المنطقة الأخرى، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن «قوات سوريا الديمقراطية» أغلقت معظم أراضيها ونفذت حظر التجول. ولا يبدو أن تحويل الموارد لدواعي الرد على الوباء يعيق عمليات «قوات سوريا الديمقراطية» ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»؛ وعلى أي حال، بدأت الجماعة الإرهابية في وضع خططها الخاصة بالتمرد منذ فترة طويلة، حتى قبل خسارة الباغوز”.
من المحتمل أن يرى تنظيم «الدولة الإسلامية» العراق على أنه جائزةً أكبر من سوريا بسبب اقتصاده الأكبر ولأنه يضم ظاهرياً مجموعة أوسع نطاقاً من المقاتلين المحتملين. وحتى الآن، لم يصل التنظيم إلى نفس مستويات القوة في العراق التي تفاخر بها في عام 2014، عندما سيطر على مساحات شاسعة من الأراضي، ولا في عام 2013 حين كان يستعد لانتشاره الكبير (على سبيل المثال، نفذ التنظيم 6,216 هجوماً في العراق عام 2013، مقارنة بـ 1,669 فقط في 2019). وتشير دراسة جديدة متعمقة للحوادث خلال العام الماضي إلى أن قوة التنظيم كانت أقل بقليل من تلك التي شوهدت في عام 2012، عندما كان يحاول بناء الزخم في المراحل المبكرة من التعافي النهائي من هزيمة التنظيم الذي سبقه قبل سنوات من ذلك التاريخ.
ولا تعطي هذه المقارنة سبباً كبيراً للاطمئنان. فقد كانت الزيادة في هجمات تنظيم «الدولة الإسلامية» ثابتة منذ الربع الثاني من عام 2019، حيث ارتفعت إلى 566 في الربع الأول من عام 2020 وحده. ويعود ذلك إلى حد كبير إلى تدابير التخطيط والتنفيذ التي يتّبعها تنظيم «داعش»، والتي وضع إطار عملها منذ وقت طويل. أولاً، أنشأ التنظيم البنية التحتية المادية للتمرد، باستخدامه الكهوف لتخزين المئات – إن لم يكن الآلاف – من المخابئ التي تحتوي على أسلحة وذخائر ومتفجرات ومعدات أخرى. كما أعاد تنظيم «الدولة الإسلامية» بعض الكوادر الرئيسية من سوريا إلى العراق، علماً بأن إعادة إلحاق هؤلاء العناصر (العراقيون بشكل رئيسي) تؤثر على القيادة التكتيكية على المستوى المحلي – بما في ذلك تصنيع القنابل على جانب الطريق واستخدامها.
وأصبحت التغيرات المثيرة للاهتمام في نشاط تنظيم «الدولة الإسلامية» واضحة في كل المحافظات العراقية. وتُعتبر محافظة ديالى المصدر الأكثر انتظاماً للهجمات منذ عام 2003 – وليس ذلك مستغرباً نظراً لتضاريسها البشرية والطبيعية المعقدة، والوجود المكثف فيها للميليشيات المدعومة من إيران، وحقيقة أن قوات التحالف لا تستطيع الاندماج مع القوات المحلية هناك. وشهدت المحافظات التي تتعاون فيها قوات التحالف والقوات المحلية انخفاضاً في العنف، وخاصة كركوك. ومع ذلك، بدأت ديالى وجنوب صلاح الدين وبعض أجزاء حزام بغداد تشهد المزيد من الهجمات. من هنا، سيتعيّن على القائد العام الجديد للقوات المسلحة في العراق إيجاد طريقة لمعالجة هذا الترابط بين تزايد عدد الهجمات وغياب دخول التحالف/الحكومة إلى المنطقة.
وبالفعل، يستخدم تنظيم «الدولة الإسلامية» “استراتيجية التغلب الريفية” في عدة مناطق من البلاد، محاولاً إنشاء معاقل ومناطق محظورة في المناطق الريفية يصعب كثيراً على الحكومة المركزية الوصول إليها. ويتوجّه التنظيم إلى المناطق التي تضم أقل عدد من السكان في البلاد، ويعمل على إخلائها أكثر من سكانها، فيتحّدى أساساً القوات العراقية وقوات التحالف على التحرك إلى داخلها. وما يزيد الوضع تعقيداً هو مواصلة الميليشيات الشيعية عرقلة الدعم الذي يقدّمه التحالف للجيش النظامي. ويكمن التحدي في المرحلة المقبلة في قدرة تنظيم «الدولة الإسلامية» على انتظار ظهور ظروف أفضل قبل أن يحاول الانبعاث بشكل كامل – وفي غضون ذلك يعلم تماماً إين بإمكانه الاختباء.
ووجاء في التقرير “من ناحية إعادة الإعمار والاستقرار، لم يتم عمل الكثير في المعاقل السابقة لتنظيم «الدولة الإسلامية» مثل الموصل والرمادي. ويقيناً أنه لم يلاحَظ سوى القليل جداً من نشاط مقاتلي تنظيم «داعش» في هذه المدن – مما يجعل احتمال تجدد الوجود الجهادي فيها غير مرجحاً على المدى القريب. ومع ذلك، فإن عدم إحراز تقدم يمكن أن يؤدي إلى زيادة وتيرة التجنيد في المدن المتضررة بشدة على المدى الطويل. وهناك حاجة ماسة لإعادة الإعمار في المناطق الريفية بالنظر إلى الضرورات المزدوجة لإعادة توطين النازحين وحرمان تنظيم «الدولة الإسلامية» من بيئته العملياتية المفضلة. فالتنظيم يفضّل الأماكن الخالية التي يوجد فيها عدد قليل من الغرباء أو المُخْبرين أو قوات الأمن، وهذا وصفٌ ينطبق إلى حدٍّ كبير على الكثير من المناطق المهجورة في العراق في الوقت الحالي”.
وبالنظر إلى هذا التفضيل للأرياف وعوامل أخرى، رجّح التقرير أن تؤثر جائحة فيروس كورونا على قوات الأمن العراقية أكثر مما تؤثر على تنظيم «الدولة الإسلامية». وللأسف، قد يضعف هذا السيناريو تصميم المجتمع الدولي على المساعدة في إضفاء الطابع الاحترافي على القوات المسلحة. وإذا لم تتم إعادة إرساء علاقات التدريب بسرعة خلال فترة الوباء العالمي أو بعدها، فسيكون العراق في وضع أسوأ بكثير، وسوف تُقوَّض جهوده لمكافحة التمرد إلى حدٍّ كبير.