باتت العملة الرقمية المشفرة “بتكوين” اليوم حديث الشارع، بعد الارتفاع الهائل الذي حققته على مدى الشهرين الماضيين، اذ واصلت مكاسبها في سوق العملة الرقمية، لتسجل أمس الأحد ذروة جديدة مع استمرار صعودها، الامر الذي رفع قيمتها السوقية إلى أكثر من تريليون دولار يوم الجمعة الفائت.
وقفزت أكثر العملات المشفرة رواجا في العالم إلى مستوى قياسي جديد بلغ 58354 دولارا، لتحقق مكاسب أسبوعية بنحو 20 بالمئة، أي ان العملة المشفرة بتكوين صعدت هذا العام بنحو 100 بالمئة، وفقا للأرقام.
الارتفاع الهائل للعملة الرقمية طرح سؤالا بدى بديهيا في العالم الاقتصادي، وهو هل تمثل بيتكوين تهديدا للدولار؟ ولاسيما أنها إحدى أهم أدوات الاقتصاد المستقبلي بحسب خبراء.
وشهدت العملة إقبالا غير مسبوق من بعض الشركات العالمية والبنوك المركزية، متدافعين لتداول العملة الجديدة وإمكانية الاستثمار بها.
النشأة وأغلى قطعتي البيتزا..
تشير المعلومات المتاحة إلى ان اول طرح للعملة الرقمية جاء عبر شخص أطلق على نفسه الاسم الرمزي “ساوتشي ناكاموتو” فكرة بيتكوين للمرة الأولى في ورقة بحثية في عام 2008، ووصفها بأنها نظام نقدي إلكتروني يعتمد في التعاملات المالية على مبدأ “الند للند” ، وهو مصطلح تقني يعني التعامل المباشر بين مستخدم وآخر دون وجود وسيط.
وصرح “ناكاموتو” المجهول حتى اللحظة أن العمل على البيتكوين قد بدأَ في 2007، وفي 18 أغسطس 2008 تم تسجيل اسم المجال bitcoin.org كنطاق، ونشر ناكاموتو بحثًا عن القائمة البريديَّة للتشفير على موقع metzdowd.com يصف عُملَة رَقمِيَّة مُشفرة بعنوان “بيتكوين: نِظَام نقدي إلكترونيّ من نظير إلى نظير”.
يقول القائمون على بيتكوين إن الهدف من هذه العملة التي طرحت للتداول للمرة الأولى سنة 2009 هو تغيير الاقتصاد العالمي بنفس الطريقة التي غيرت بها الويب أساليب النشر.
وكانت أول عملية شراء تمت بواسطة بتكوين، كانت مقابل قطعتا بيتزا، حينما قام مبرمج يدعى “لازلو هانيتش” بنشر نقاش على منتدى بتكوين يطلب فيه شراء قطعتين بيتزا كبيرتا الحجم مقابل 10 آلاف بتكوين في 18 مايو 2010، أي ان سعر قطعتي البيتزا اليوم يبلغ قرابة 580 مليون دولار أميركي.
تدافع عالمي..
صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية لفتت إلى أن القيمة التي اكتسبتها هذه العملة رفعت من مكانتها بشكل كبير لتشهد إقبال عالمي من شركات كبرى وبنوك عالمية، إذ أعلنت شركة “تسلا” (Tesla) الشهيرة عن استثمارها 1.5 مليار دولار من احتياطاتها النقدية البالغة 20 مليار دولار في البتكوين.
كذلك صرح “بنك أوف نيويورك ميلون كورب” المرموق بأنه سيستخدم بتكوين في إدارة الأصول نيابة عن عملائه، ومن المرجح أن تنسج على خطاه شركات أخرى من سوق الاقتصاد الأميركي وول ستريت.
موقع “كيتكو” الاقتصادي، سلط الضوء على بحث جديد لشركة “تردينج فيو” يشير إلى وجود علاقة بين الأسواق الناشئة وزيادة الاهتمام بالعملات المشفرة، مما أثار تساؤلات عدة حول تعليقات بعض مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بأن البيتكوين لا يمثل تهديدًا للدولار الأمريكي.
وأصدرت منصة رسم الأسهم العالمية “تردينج فيو” بيانات جديدة تظهر أن بلدانا مختلفة تختار البيتكوين كأصل آمن.
“بيرس كروسبي” المدير العام لشركة “تريدينج فيو” قال “ما كان من الممكن أن يكون ذهبًا أو دولارًا أمريكيًا في الماضي، أصبح الآن عالم التشفير هو الذي يوفر الأمان للمستثمرين من مناطق غير مستقرة في العالم”.
وعن الدراسة التي أنتجتها شركته قال “كروسبي” “ما حدده هذا البحث بالنسبة لنا هو أن الزيادة في الاهتمام بالأسواق الناشئة للعملات المشفرة تشير إلى أن هناك أسئلة كبيرة حول استقرار أسعار العملات الورقية المختلفة، وأن الناس قلقون بشأن مستقبلهم المالي”.
وأضاف “كروسبي” “ما يفعلونه، نتيجة لذلك، هو البحث عن تحوط طبيعي لتلك الأصول التي هي إما غير مستقرة، أو تشهد الكثير من الرياح التضخمية المعاكسة المحتملة”. مؤكداً أنه “عندما تناقش بعض الدول فكرة طباعة أطنان من المال، فإن ذلك يضر بشكل أساسي بالمالكين الحاليين لتلك العملة”.
الدراسة أشارت إلى أن البلدان التي تعاني من مستويات عالية من عدم الاستقرار هي أكثر مهتم بالأصول الرقمية أكثر من الدول المتقدمة”.
معوقات ومخاطر الاستثمار..
لا شك أن الارتفاع الهائل والتقلب بسعر العملة الرقمية، يحفه الكثير من المعوقات حتى بتكوين تهديدا حقيقيا للدولار، وفق “نزار العريضي” الخبير المتخصص في أسواق المال والاقتصاديات العالمية والمقيم في الإمارات، حيث قال في تصريحات له “مفهوم العملات الرقمية أو الافتراضية يعد مفهوما متطورا جدا يعتمد على البلوك تشين، وهو نوع متطور من عملية نقل وتحويل الأموال ضمن حلقة مفرغة تعطي المزيد من السرعة وتخفف من الإجراءات وتضفي المزيد من الخصوصية”.
وتابع “العريضي” “بيتكوين وغيرها من العملات الرقمية لم تقم حتى الآن باستخدام التكنولوجيا، فلم نر بعد أي عمليات تحويل أموال، ما يتم فقط طرح كود بالعملة يتملكها البعض ويقومون من خلاله ببيع وشراء العملات.
كما أكد أن “هذه العملات لم يتم استخدامها في الدور الذي دشنت من أجله، الأسعار المرتفعة نتيجة عمليات المضاربة الكبيرة، حيث وصلت بيتكوين إلى 50 ألف دولار، وهو أمر مخيف نظرا لعدم احتواء هذه العملات على مرجعيات أو أصول مدرجة، ووفقا لمفهوم أسواق المال لا يوجد عملة تظل في حالة صعود دائم.
وأشار إلى أن “الاستثمار في هذه العملات خاصة بيتكوين يعد استثمارا عالي المخاطر، لعدم وجود لها مرجعية تنظيمية، لا بنوك منظمة أو شركات، أو منظمات ومؤسسات، ومن المتوقع هبوط عملة البيتكوين بعد عمليات المراجعة التي ستتم قريبًا من قبل الدول والبنوك المركزية الدولية”.
حتى الآن يرى خبراء أنه يكاد يكون من المستحيل أن تحل بتكوين أو غيرها من العملات الرقمية محل الدولار الأميركي كعملة احتياطية عالمية، على الأقل على المدى القصير، وإن تقلب سعر بتكوين وإمداداتها المحدودة للغاية، يجعلها غير مؤهلة لاتخاذ هذا الدور.