أقرت الحكومة العراقية مشروع قانون الخدمة الإلزامية الذي كان محل جدل وخلاف لدى الأوساط النيابية منذ سنوات، اذ واجه معارضة كبيرة بشأن تفاصيل إلزامه وصلاحيات توقيتاته، كما اعتبره آخرون وسيلة لقطع الطريق على الاستقطاب الذي تقوم به ميليشيا الحشد الشعبي للشباب تحت عناوين طائفية.
مجلس الوزراء العراقي وافق في جلسته الاعتيادية التي عقدها برئاسة “مصطفى الكاظمي”، على مشروع قانون خدمة العلم، وإحالته إلى مجلس النواب، اذ اعتبر “الكاظمي”، أن “إقرار الحكومة إنجازا لوعد قطعه، والقانون الجديد سيكرس القيم الوطنية لدى الجيل الشاب”.
يشار أن سلطة الائتلاف المؤقت بعد الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، ألغت التجنيد الإلزامي بقرار من الحاكم المدني الأميركي “بول بريمر” الذي حل الجيش العراقي ومختلف التشكيلات الأمنية، ومنذ ذلك الحين تحول نظام العمل بالجيش إلى التطوع والخدمة غير الإلزامية.
قرار مجلس الوزراء العراقي -بالموافقة على مشروع قانون إعادة التجنيد الإلزامي بالجيش وإحالته للبرلمان- أثار جدلا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي، بعد إلغاء استمر أكثر من 18 عاما لخدمة العلم، اذ تباينت ردود فعل العراقيين على منصات التواصل الاجتماعي بشأن قرار الحكومة.
ويرى ناشطون أن “قانون الخدمة الإلزامية يصلح للدولة الوطنية وليس لبلد قوى اللا دولة أقوى من الدولة والخدمة الإلزامية عبارة عن استهلاك مادي يولد ثغر في العجز المادي الذي يعيشه العراق بدل صناعه طبقة متعسكرة”، لافتين إلى أن “توفير الأمن الذي يفتقده العراق وكذلك توظيف جيوش العاطلين أولى من إعادة الخدمة الإلزامية وعسكرة المجتمع وإشغال الشباب عن واقعهم المر”.
يشار إلى أن العراق يمتلك حالياً، بالإضافة إلى قوات الجيش العراقي، مئات الآلاف من العناصر الأمنية التابعة لوزارة الداخلية، وأكثر من 100 ألف متطوع في الحشد الشعبي.
ولا يعرف إن كان المشروع يضم مدونة ملزمة بمواقيت ومدد واضحة لهذه الخدمة حتى لا يستعيد العراقيون ذكريات الخدمة العسكرية مجهولة النهاية مثلما حصل في السبعينات والثمانينات والتسعينات ويتحول الجيش إلى قوة طاردة بدلا من أن يكون عنصرا وطنيا جامعا.
الخدمة الإلزامية والميليشيات..
في المقابل، اعتبره آخرون قرارا سليما لأنه يحدث التوازن بين الطوائف في الجيش، وسينعكس إيجابيا على المجتمع”، والهدف منها هو تشجيع الشباب على الالتحاق بالمؤسسة العسكرية وقطع الطريق على الاستقطاب الذي تقوم به ميليشيا الحشد الشعبي للشباب تحت عناوين طائفية”
ويقول المراقبون إن “القرار ينطوي على محاولة متأخرة لرد الاعتبار للمؤسسة العسكرية التي ألغاها الأميركيون عام 2003، وحين أعادوا تشكيلها وفق مقاساتهم أذلّها نوري المالكي عام 2014 حين دفع بها إلى التخلي عن الموصل لفائدة تنظيم داعش بعد أن ترك أسلحته الحديثة في أرض معركة لم تقع، مشيرين إلى أن “تلك المعركة كانت مناسبة لشرعنة وجود الميليشيات الشيعية تحت مسمّى الحشد الشعبي الذي صار يستقطب الشباب في سن الخدمة الإلزامية”.
إلى جانب ذلك، قال الباحث العراقي “حذيفة المشهداني” لـ”مرصد مينا” أن “الخطوة الأهم تكمن في تنفيذه على أرض الواقع وهو أمر يصعب توقعه بسبب تعارضه مع مصالح الميليشيات التي ستقف في وجهه بكل قوة وهذا القانون لا يخدم مصالح الأحزاب والميليشيات ورجال الدين والطبقة السياسية الحاكمة”، مؤكداً أن “تنفيذه بحاجة إلى نوع من الانضباط الذي اختفى من المجتمع منذ أن سقطت الدولة العراقية وفقدت هيبتها”.
يشار إلى أنه لا يعرف ما إذا كان المشروع الحكومي لإعادة العمل بالخدمة الإلزامية سيضم إغراءات تشجع الشباب على الالتحاق بالمؤسسة العسكرية، وتسهيل مهمة التطوع من الإلزامي إلى الجيش المحترف، وعدم الاكتفاء بالرهان على الوازع الوطني الذي يفقد جاذبيته لفائدة البعد الطائفي والعرقي والمناطقي.
وأكد “المشهداني” أن هذا القانون مهم لبناء الوحدة الوطنية العراقية، ومن يعارضه هم من القوى التي تمتاز بالطائفية أو الولاء لدولة أخرى، لأنه من شأن وجود قانون واضح وملزم للجميع أن يقطع الطريق على أيّ مسعى من ميليشيات الحشد الشعبي لاعتبار الانتساب إليها بديلا عن الخدمة الإلزامية”.
بدوره، أكد “إبراهيم حبيب” السياسي المستقل ورئيس النادي العراقي: إن “إعادة الخدمة الإلزامية للجيش العراقي من شأنها أن تحيي الأمل في النفوس ببناء جيش عراقي يعلو بنيانه باسم العراق بعيدا عن الطائفية والمذهبية”، معتبراً “أن نجاح هذه الخطوة الحكومية سيعني أن جميع مظاهر الطائفية والأقليات العنصرية والمذهبية كالحشد الشعبي وما شابهها من مظاهر التسلح خارج المؤسسة العسكرية سينتفي وجودها، وستفتح أمام جميع الشباب العراقيين فرصة التفرغ للخدمة العسكرية للمتطوعين والالتحاق بالجيش العراقي المهني والاستغناء عن الانتماء إلى ميليشيات طائفية مسلحة تكرس في مضامينها العداء لبعضها البعض وانحيازها إلى طائفة دون أخرى”.
أرقام واحصائيات..
وشهد العراق أولى محاولات فرض التجنيد الإلزامي خلال الحكم العثماني نهاية القرن التاسع عشر، ثم تحول الأمر إلى تطوع اختياري إبان العهد الملكي في منتصف ثلاثينات القرن الماضي، ليتحول بعد ذلك تدريجيا إلى فرض التجنيد على الشباب في عمر 18 عاماً، واستمر هذا السياق حتى عام 2003.
الخدمة الإلزامية في العراق تمّ إلغاؤها عام 2003، عقب الاحتلال الأمريكي للعراق وتمّ حلّ الجيش العراقي بقرارٍ صادرٍ من الحاكم المدني آنذاك بول برايمر، بعد أن كان قانونها يعدّ من أعرق القوانين في تاريخ الدولة العراقية الحديثة، إذ تمّ تشريعه لأوّل مرّة في منتصف عام 1935.
ويخصص العراق مليارات الدولارات كل عام للإنفاق على التسليح والقوات المسلحة، وبلغت موازنة القوات المسلحة، وبضمنها الجيش وقوات وزارة الداخلية من موازنة عام 2021 نحو 18.7 مليار دولار، اذ تضمنت الموازنة أيضا طلبا لقروض لتمويل التسليح بمبلغ 600 مليون دولار، مما رفع الإنفاق العسكري إلى أكثر من 16 في المئة من نفقات العراق.
كما تنص المادة (3- أولا- أ) أن يكلف بالخدمة الإلزامية مدة 18 شهرا كل من أكمل 19 من عمره ولم يلتحق بالمدارس، أو من تركها، أو من لم يكمل الدراسة المتوسطة أو من أكملها دون أن يلتحق بالدراسة الإعدادية أو ما يعادلها، أو التحق بها ولم يكملها بعد إكماله 23 من عمره.
وتشير ذات المادة فقرة (ب) إلى أنه يكلف بالخدمة الإلزامية مدة 12 شهرا كل من أكمل الدراسة الإعدادية أو ما يعادلها ولم يلتحق بإحدى الكليات أو المعاهد أو ما يعادلها، في الوقت الذي أشارت فيه مسودة القانون إلى أن مدة الخدمة الإلزامية ستقتصر على 9 أشهر فقط لخريجي الكليات الجامعية، ويُعفَى من الخدمة الحاصلون على شهادات عليا سواء كانت شهادة الماجستير أو الدكتوراه.
وضع تصنيف “غلوبال فاير باور” لعام 2021 العراق في المرتبة السادسة من حيث القوة على مستوى الدول العربية، في حين حلّ في المرتبة 57 عالميا من مجموع 140 دولة شملها مسح المؤشر، اذ يقدر تعداد الجيش يبلغ 310 آلاف منتسب بين مدني وعسكري، ويضم 14 فرقة عسكرية منتشرة في مختلف المحافظات باستثناء إقليم كردستان.