كشف غرق لبنان في العتمة الكاملة بعد توقف معامل الكهرباء عن العمل جراء نفاذ الوقود خلال الساعات الماضية، زيف استعراض “حزب الله” لشحنات النفط الإيراني، ولا سيما بعد زيارة “حسين أمير عبد اللهيان” وزير الخارجيّة الإيراني إلى بيروت، اذ اعتبرها متابعون حملة ترويج للوصاية الإيرانية على لبنان.
وفتح انقطاع الوقود عن معمل “الزهراني”، الذي كان يغذي الجنوب اللبناني بالكهرباء على مدى 24 ساعة، باب التساؤلات عن جدوى شحنات المازوت الايراني الذي لم يسجل فارقاً يذكر، إلا توزيع كميات قليلة مجاناً لبعض البلديات والجمعيات، واحتكار أصحاب المولدات بالتعاون مع ميليشيا “حزب الله” الوقود بفواتير اشتراكات خيالية.
استعراض وترويج..
وسائل اعلام لبنانية نقلت عن أبناء الجنوب اللبناني أن ”حزب الله نشر ليل الجمعة_السبت بأنَّ القافلة رقم 11 لصهاريج المازوت الإيراني قد دخلت الأراضي اللبنانية قادمة من بانياس ولكن ما زالت أزمات كل ما يعمل على المازوت كما هي”، لافتة إلى أن “المولدات زادت تسعيرتها، و المستشفيات و الأفران تعمل على مازوت سعر السوق السوداء والذي يُستورد على سعر صرف الدولار غير الرسمي”.
وتساءلت حاضنة “حزب الله” عن أهمية الوقود الإيراني بعد توقف معمل الزهراني عن العمل بسبب انقطاع المازوت، لافتين إلى أنه “لم يُغِّير شيء، إلا أن عناصر حزب الله تمنُّ على السكان بنصرها وعطاءاتها”.
يشار إلى أن شاحنات الوقود الإيراني بدأت بالوصول إلى لبنان منتصف الشهر الماضي وسط انتقادات للخطوة التي يرى معارضون لها أنها لن تقود سوى إلى المزيد من هيمنة طهران على البلاد وتعرض البلد الغارق في الأزمات إلى العقوبات الدولية.
وتمكن الجيش اللبناني من تأمين مخرج مؤقت أمس الأحد، عبر تزويد كهرباء لبنان بجزء من مخزونه من مادة الغاز أويل، فعادت التغذية لثلاث ساعات، على مدى ثلاثة أيام، كما أعلن وزير الطاقة انه تم الحصول على موافقة مصرف لبنان على 100 مليون دولار لشراء الفيول، وهذا سيساعد في زيادة ساعات التغذية بحلول أواخر الشهر الجاري.
يذكر أن لبنان يشهد واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم منذ خمسينات القرن الماضي ويواجه منذ أشهر صعوبات في توفير الكميات اللازمة من الوقود لتشغيل معامل إنتاج الكهرباء.
هيمنة إيرانية..
في المقابل، حذر رئيس حزب الكتائب اللبنانية “سامي الجميل” أمس الأحد، من أن “بلاده تقع تحت السيطرة الإيرانية”، لافتاً إلى أنه “حان الوقت لنزع الشرعية السياسية عن هذه الوصاية من خلال تغيير مجلس النواب في الانتخابات المقبلة واختيار الأكفاء الوطنيين القادرين على إنقاذ لبنان”.
وأكد جميل، أن “زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى لبنان أشبه بزيارة جنرال إلى المواقع التي كسبها فجال على رئاسة الجمهورية والحكومة ومجلس النواب حتى يتفقد المواقع السياسية التي سقطت بيده بفعل استسلام المنظومة وتسوياتها”.
يشار إلى أن “حسين أمير عبد اللهيان” وزير الخارجية الإيراني قد وصل إلى بيروت، يوم الأربعاء الماضي، قادما من موسكو، حيث التقى بكبار المسؤولين اللبنانيين وقوى وفصائل وطنية لبنانية، ووعد ببناء مصنعين جديدين لإنتاج الكهرباء بخبرات إيرانيّة والمشاركة في إعادة تشغيل مرفأ بيروت.
بدوره، حذر البطريرك الماروني “بشارة الراعي” أمس الاحد من أن تكون “المساعدات” العينية (الإيرانية) المرسلة إلى لبنان ذريعة لـ”الهيمنة” على البلد، لافتاً إلى أن “لبنان بقدر ما يحتاج إلى مساعدة أصدقائه يجب أن تحافظ الدولة على استقلال البلاد وسيادتها وعلاقتها الطبيعية فلا تكون بعض المساعدات العينيّة غطاء للهيمنة على لبنان والنيل من هويته ودوره المسالم في هذا الشرق”.
وكانت مجموعة مدنية أعلنت يوم الجمعة الفائت، من مقر حزب “الوطنيين الأحرار” اللبناني، اطلاق “الجبهة السيادية”، برعاية من البطريرك “بشارة بطرس الراعي”، وذلك لتقدم مشروعاً موحداً ضد الهيمنة الإيرانية.
واتفقت الجبهة السياسية الجديدة على تشكيل لجان لمتابعة العمل وتوسيع الجبهة لاحقا لتضم المجموعات السيادية المعارضة من مختلف الطوائف والانتماءات بهدف إنقاذ لبنان من سطوة “حزب الله” على الدولة.
كما تضم الجبهة مجموعات مدنية نشطت في التحركات الشعبية التي انطلق في 17 أكتوبر/ تشرين أول 2019 (18 مجموعة)، بالإضافة إلى عدد من الأحزاب اللبنانية مثل الوطنيين الأحرار، و”القوات اللبنانية”، وتتبنى جميعها خطاباً سياسيّاً مرتفع السّقف تجاه “حزب الله” وسيطرة إيران على لبنان.
تحذير أمريكي..
وفي الوقت الذي يطالب المجتمع الدولي لبنان بإصلاح شامل لقطاع الكهرباء الذي يكبّد خزينة الدولة خسائر فادحة وقد كلّف الخزينة العامة أكثر من 40 مليار دولار منذ انتهاء الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد بين عامي 1975 و1990، حذرت الولايات المتحدة الأمريكية، يوم الجمعة الفائت من عمليات استيراد الوقود من دولة خاضعة للعقوبات، مؤكدة أنّ ذلك لن يحلّ أزمة المحروقات الحادّة التي يعاني منها لبنان.
المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية “نيد برايس” قال إنّ “وقوداً من بلد خاضع لعقوبات عديدة مثل إيران ليس فعلاً حلاً مستداماً لأزمة الطاقة في لبنان”، موضحا أن “هذه لعبة علاقات عامّة يلعبها حزب الله وليست محاولة منه لإيجاد حلّ بنّاء للمشكلة”.
وأكد المسؤول الأمريكي، أن “بلاده تدعم الجهود الرامية لإيجاد حلول شفّافة ومستدامة لمعالجة مشكلة النقص الحادّ في الطاقة والوقود في لبنان، لكنه لم يشير إلى أن لبنان سيخضع لعقوبات أميركية بسبب شحنات المازوت الإيراني”.
يشار إلى أن لبنان توصل إلى اتفاق لاستجرار الكهرباء من الأردن والغاز من مصر إلى البلاد عبر سوريا، كما وقّعت الحكومة اتفاقا مع العراق لتسلّم كميات من “الفيول أويل” لتشغيل معامل إنتاج الكهرباء مقابل توفير خدمات طبية، فيما عمد الفصيل الشيعي حزب الله إلى استيراد المحروقات من إيران بمبادرة منفصلة.
وحذرت مؤسسة كهرباء لبنان، الشهر الماضي، من انقطاع الكهرباء عن جميع أنحاء البلاد، في ظل انخفاض حاد لمخزوناتها من المحروقات، مؤكدة أنها تستطيع توليد أقل من 500 ميغاوات من الكهرباء باستخدام زيت الوقود الذي تحصل عليه بموجب اتفاقية تبادل مع العراق.
كما أدى النقص الهائل في المحروقات إلى عجز الدولة عن توفير أي إمدادات تذكر للكهرباء على مدى الشهور القليلة الماضية، واعتمد الكثير من اللبنانيين على المولدات الخاصة، اذ تعرضت الشبكة خلال الأسبوعين الأخيرين فقط إلى ما يزيد عن سبع انقطاعات عامة على كامل الأراضي اللبنانية، وإذا ما استمرت الأمور على حالها فهناك مخاطر عالية من الوصول إلى الانقطاع العام والشامل.