عبارة “إسقاط النظام في إيران”، التي يصرح أطلقها المسؤول الأول لمجلس السياسة الخارجية الأمريكية، “لإيلان بيرمان”، هي آخر ما كان النظام الإيراني يتوقع سماعه من مسؤولي إدارة الرئيس الأمريكي، “جو بايدن”، لا سيما وأن الإيرانيين راهنوا على ذهاب إدارة سلفه “دونالد ترامب”، كخطوة أولى للحد من الأزمات، التي واجههم بسبب العقوبات.
ويشير “بيرمان” في تصريحاته إلى أن أول خطوات إسقاط النظام تتمثل بالاجتماعات المعقودة بين أطياف المعارضة الإيرانية في الخارج، وزيادة التقارب فيما بينها، معتبراً أن المعارضة الإيرانية في الوقت الحالي باتت في أقصى درجات توحدها وجهوزيتها لإسقاط نظام ولاية الفقية في إيران.
يذكر أن نحو 640 شخصية إيرانية معارضة، أطلقت الأسبوع الماضي، واحدة من أكبر الحملات التي عرفتها البلاد، بهدف إسقاط النظام الإيراني القائم وإنشاء جمهورية مدنية بدلاً من ولاية الفقيه، تحت مسمى “لا للجمهورية الإسلامية”، التي اعتبرها مطلقو الحملة أساس مشكلات البلاد والشعب الإيراني، مشيرين إلى أنهم على اتصال بالحركات السياسية والمدنية الأخرى في البلاد، بهدف توسيع الحملة ورفع زخمها.
حملة تتسرب إلى الداخل
ينطلق “بيرمان” في حكمه على قوة التحركات الراهنة للمعارضة في إيران وقدرتها على هز النظام القائم من خلال حالة التنسيق التي تشهدها حملة “لا للجمهورية الإسلامية”؛ وتمكنها من التسلل إلى داخل البلاد، على الرغم من تشديد القبضة الأمنية للنظام الإيراني، مضيفاً: “لأول مرة في إيران تصل ملصقات حملة مدنية جديدة إلى داخل البلاد، فقد انتشرت تلك الملصقات خلال الأيام الأخيرة في أسواق إيران والأماكن العامة على شكل ملصقات ورسومات على الجدران وغيرها”.
يشار إلى أن الحراك الشعبي في إيران تصاعد بشكل كبير وشبه متواصل منذ مطلع العام 2017، والذي شهد اندلاع انتفاضة كبيرة في معظم مدن البلاد، احتجاجاً على الأوضاع المعيشية، وهي الانتفاضة التي تجددت في تشرين الثاني 2019، والتي لا تزال مستمرة بشكل متقطع حتى الآن في عدة مناطق من إيران.
يقول الباحث في الشؤون الإيراني، “ميلاد هيدايتي”: “كل شي في إيران يقول إن حدثاً ما سيقع، لا أحد يستطيع تخمين ما هو، ولكن من المستحيل أن يستمر الوضع على ما هو عليه حالياً خاصةً مع الارتفاع الكبير في معدلات القتل والاعتقال الجوع والفقر والبطالة، يمكن القول بأن إيران كلها على فوهة بركان، ليس فقط بسبب الأوضاع الاقتصادية وإنما الامنية والسياسية والحقوقية أيضاً”، معتبراً أن وحشية النظام الإيراني خلال الأشهر الأخيرة زادت بشكلٍ كبير وعلني، خاصة مع تنفيذ الأمن الإيراني لسلسلة إعدامات في الشوارع وأمام المارة في بعض المناطق.
كما يرجح “هدايتي” أن تشهد إيران المزيد من أعمال القمع والانتهاكات والإعدامات في الأشهر، التي تسبق الانتخابات الرئاسية الإيرانية، المقررة صيف العام الجاري، لافتاً إلى أن النظام يمر حالياً في فترة انتقالية وبحاجة إلى ترسيخ المزيد من الإرهاب في قلوب الإيرانيين لمنع أي تحركات احتجاجية.
يذكر أن بعض الدراسات والتقارير رجحت فوز التيار المتشدد الموالي للمرشد الاعلى، “علي خامنئي” بمنصب الرئاسة، خلفاً للرئيس “حسن روحاني”، وسط ترجيحات بأن يكون الرئيس القادم من خلفية عسكرية وأحد ضباط الحرس الثوري، كحطوة أولى أمام توريث المرشد منصبه لنجله “مجتبى”.
سيناريو العراق وصدام حسين
يعتبر “هدايتي” أن كل الظروف الحالية، تذكر بوضع العراق قبل أسابيع قليلة من دخول الجيش الأمريكي إلى العراق، وسقوط نظام “صدام حسين”، موضحاً: “في الفترة التي سبقت إسقاط صدام في العراق، تزايدت وتيرة اجتماعات المعارضة العراقية بشكل كبير، وبدأت الأطراف الدولية تتداول مسألة إسقاط صدام وملف العراق ما بعد هذه الفترة، وأخذت الظروف المعيشية والاقتصادية تبلغ أقصى عمق لأزمتها، واعتقد أن إيران ليست ببعيدة من ناحية الظروف الداخلية والخارجية عن ما كان يعيشه العراق في تلك المرحلة”.
من جهته، يستبعد المحلل السياسي “فرج العودة”، فرضية تكرار سيناريو العراق في إيران، أي من خلال تدخل عسكري خارجي يسقط النظام، مرجعاً ذلك إلى اختلاف الظروف الإقليمية بين 2003 و 2021، خاصةً وان منطقة الشرق الأوسط اليوم مشتعلة في عدة دول بينها سوريا والعراق ولبنان.
ويضيف “العودة”: “الحديث الأمريكي وطرح قضية إسقاط النظام في إيران في الفترة الحالية ليس مطروح بجدية، على الرغم من إمكانية أن يتحول ذلك إلى أحد الحلول المطروحة أمام بايدن لمعالجة الملف الإيراني والتعامل معه، سواء من الناحية النووي أو الصاروخية أو الحقوقية، واعتقد أن تناول هذا التصريح بعد يوم واحد من استهداف قاعدة بلد الجوية العراقية، يمكن تفسيره على أنه رسالة جديدة من واشنطن مفادها أن الإدارة الأمريكية مستعدة للذهاب إلى أبعد الخيارات في سبيل إنهاء ملف إيران”.
أما العنصر الأهم في القرار الأمريكي أو الدولي بالتوجه نحو إسقاط النظام الإيراني، فيحصره “العودة” بقدرة المعارضة الإيرانية على تقديم نموذج بديل عن النظام الحالي، قادر على قيادة المرحلة الانتقالية في البلاد وضمان عدم تكرار ما حدث في العراق أو حالة الشرذمة التي تعيشها المعارضة السورية، معتبراً أن ضمان حالة الاستقرار ستكون أهم ما يمكن ان تقدمه المعارضة الإيرانية إلى المجتمع الدولي مقابل إسقاط النظام، وهو ما لم تقدمه حتى الآن بسبب تباينات مواقفها من فترة ما بعد حكم الملالي، على حد قوله.
وتتمثل المعارضة الإيرانية بعدة كيانات مختلفة تستقر خارج البلاد، في مقدمتها منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، التي تقودها “مريم رجوي”، والمجلس الوطني للمقاومة، بالإضافة إلى التيار السياسي التابع لولي العهد الإيراني السابق، “رضا بلهوي”، وتيارات ممثلة للأقليات العرقية في إيران مثل حركة النضال العربي لتحرير الأحواز.
مشكلة المعارضة الإيرانية، وكما يشرحها “العودة” هي أنها تسبق الحدث، على اعتبار أن تفكر في شكل نظام الحكم القادم وتصارع عليه قبل وجود أي تحرك فعلي لإسقاط النظام الحالي، موضحاً: “أبرز نقاط الخلاف بين المعارضة الإيرانية هي نظام الحكم، بين من يطالب باستعادة الملكية ومن يطالب بالعلمانية المشددة أو النظام الديني المخفف، بالإضافة إلى حالة التنازع في التوجهات السياسية والفكرية، وهو عملياً ما يمكن اعتباره إحدى عثرات إسقاط النظام”.
إسقاط تام الأركان
يصف الخبير في شؤون الشرق الأوسط، “مصطفى عبد الباري”، وضح إيران بأنه وضع تام الأركان والشروط لإسقاط النظام الحالي، داخلياً وخارجياً، مشدداً على أن ما يفصل إيران عن مسألة سقوط النظام الحاكم هو شعر رفيعة تغذيها القبضة الأمنية المشددة.
ويقول “عبد الباري”: “من الناحية الداخلية، البلاد تغلي من ما لا يقل عن 11 عاماً، عندما انطلقت الثورة الخضراء عام 2009، وطالبت بإسقاط نجاد وخامنئي، هذه الحركة ذاته لا تزال مستمرة حتى اليوم وبشكل تصاعدي، من خلال ما شهدته البلاد في 2017 و 2019 وما تشهده في 2021، وبات العلاقة بين الإيرانيين والنظام مقطوعة بشكل كامل، ولا اعتقد أن الإيرانيين بات لديهم أي محفز للدفاع عن نظام حكمهم، إذا ما استثنينا الطبقة المتشددة”، لافتاً إلى أن إحصائيات الاقتصاد والسياسة تدل على ان البلاد وصلت إلى القاع.
يشار إلى أن إيران تعيش منذ سنوات وضعاً اقتصادياً صعباً بسبب العقوبات الاقتصادي الأمريكية، كما تعمقت الأزمة خلال العام الماضي، مع انتشار وباء كورونا المستجد، كوفيد 19، حيث كشف وزير الداخلية الإيراني “عبد الرضا رحماني فضلي” أن أكثر من مليون شخص في إيران فقدوا وظائفهم بسبب جائحة فيروس “كورونا”، خلال الأشهر الـ12 الماضية.
حالة الانفصال بين الإيرانيين والنظام، يحددها “عبد الباري”، بأنها ممثلة بتباين الاهتمامات والأولويات، ففي الوقت الذي يدفع فيه النظام مليارات الدولارات على برنامج النووي ودعم ميليشياته في منطقة الشرق الأوسط، يلتفت المواطن الإيراني إلى أساسيات حياته التي بات عاجزاً عن تأمين معظمها، على حد قول “عبد الباري”.
أما على المستوى الخارجي، فيشدد “عبد الباري” على أن الكثير من الأطراف الدولية تتبنى فكرة إسقاط النظام في إيران، خاصةً وأنه بات يشكل تهديداً على الأمن والسلم في المنطقة بالإضافة إلى خطورته على حركة التجارة والملاحة العالميتين ويرعى منظمات وميليشيات مدرجة على قوائم الإرهاب، مؤكداً على أن المجتمع الدولي قابل لتبني فكرة إسقاط النظام، في حال التأكد من أن تلك الخطوة لن تؤدي إلى إشعال المنطقة.