هيئة التحرير
“آليات الحرب الأمريكية على النفوذ الإيراني في العراق”، عنوان تحول بفعل تصعيد واشنطن تجاه طهران، إلى واحدٍ من أبرز العناوين تداولاً بين وسائل الإعلام، لا سيما وأن العراق اليوم يمثل أهم مناطق النفوذ الإيرانية في الشرق الأوسط، منذ العام 2003.
في هذا السياق، يذهب مصدر عراقي خاص بمرصد مينا، إلى أن الحرب الأمريكية على إيران تأخذ ثلاثة محاور أساسية، بدأ أولها بالسياسة العسكرية عبر استهداف قائد فيلق القدس، وعراب الميليشيات الإيرانية في العراق، “قاسم سليماني”، ثم انتقل إلى الضغط الاقتصادي، ليصل حالياً إلى التضييق السياسي عبر حكومة “مصطفى الكاظمي”، الذي يعتبر من أبرز المعارضين لسلاح الميليشيات.
وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت عن اغتيال “قاسم سليماني” مطلع العام الحالي، عبر غارة بالقرب من مطار بغداد الدولي، أدت أيضاً إلى مقتل نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، “أبو مهدي المهندس”.
قائمة الموت وحرب بلا صواريخ
استهداف “سليماني” وخلافاً للمعتقد السائد، لم يكن مقدمة لتصعيد عسكري أمريكي في العراق، كما يراه المصدر، موضحاً أن “مقتل سليماني كان يهدف لإرهاب قادة الميليشيات ومنعهم من الإقدام على أي تصعيدٍ تجاه المصالح الأمريكية في العراق والمنطقة، وللإيحاء بأن واشنطن لديها قائمة أهداف من الممكن ضربها في حال وقوع أي تصعيد من جانب الميليشيات المدعومة إيرانياً”.
وكانت ميليشيات عراقية قد دعت في وقت سابق إلى إخراج القوات الأمريكية من العراق، بالإضافة إلى التهديد بضرب القواعد التي تستضيف قوات التحالف والقوات الأمريكية، كما تعرضت السفارة الأمريكية في بغداد إلى اعتداءات من قبل أنصار الحشد الشعبي المدعوم من إيران.
أهداف عملية مقتل “سليماني” والغارات الجوية، التي استهدفت مواقع الميليشيات في العراق خلال الأشهر الماضية، يربطها المصدر، بوجود رغبة أمريكية بتهيئة الظروف لشن حرب اقتصادية على إيران وأذرعها في العراق، بالإضافة إلى حرب سياسية على المستوى الداخلي تجرد الميليشيات من سطوتها على القرار العراقي، موضحاً: “أمريكا تغير من استراتيجاتها النمطية القديمة المعتمدة على العسكرة، وتعلم تماماً أن الشرق الأوسط لا يحتمل أي توتر عسكري جديد، في ظل استمرار الحرب السورية والحرب في اليمن والتوتر في لبنان والعراق، كما أن الحرب التقليدية والصواريخ لا تصب في مصلحة أياً من الطرفين”.
وترى إيران في “الكاظمي” مرشحاً أمريكياً، لا سيما وأنه يسعى لوضع الحشد الشعبي والميليشيات العراقية تحت إمرت القائد العام للجيش العراقي وإعادة هيكلتها.
الاقتصاد واستراتيجيات مضادة
نفوذ إيران يعني عادةً الارتباط بمجموعات مسلحة غير رسمية تعمل على تشكيل حكومات ظل ودول عميقة داخل الدول، يقول المصدر، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة تحاول عبر رعاية العملية السياسية وتنفيذ انقلاب أبيض في العراق إلى فرض حصار سياسي على الميليشيات يجنبها الدخول في حرب عصابات، قد تكلف الجيش الأمريكي خسائر عسكرية كبيرة على حد قوله.
وتتألف ميليشيات الحشد الشعبي من حوالي 67 فصيل مسلح، مدعوم من إيران، بالإضافة إلى نيله نحو 60 مليون دولار أمريكي من ميزانية الحكومة العراقية.
تزامناً مع محاولات الحد من الدعم المالي القادم من طهران، عبر العقوبات الاقتصادية، تشير صحيفة ناشيونال إنترست الأميركية إلى أن إدارة الرئيس “دونالد ترامب”، ستواصل الجانب العسكري من عملياتها ضد الميليشيات العراقية، على أن يقتصر على الغارات الجوية وتركيزها على المواقع ذات الأهمية الاستراتيجية، لا سيما وأنها السياسة التي ساهمت بإلحاق أضراراً كبيرة بالميليشيات الإيرانية، على حد وصف الصحيفة.
في السياق ذاته، تعتبر الصحيفة في تحليلها للنفوذ الإيراني في المنطقة، أن سياسة الغارات الجوية أدت إلى تباطوء انتشار النفوذ الإيراني خلال الفترة الماضية، لافتةً إلى ضرورةأن تقومتلك الغارات على معلومات استخبارية دقيقة.
وسبق للقيادي في إئتلاف دولة القانون، “حيد اللامي”، التأكيد على تراجع النفوذ الإيراني في العراقبعد مقتل “سليماني”، مضيفاً: “هذه الكلمة أنا أتحملها إن وضع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في العراق، ليس كما كان بعد وفاة قاسم سليماني”.
قلق وارتباطات عامة
في سياق تناول الحرب الأمريكي في التفوذ الإيراني في العراق، لا يمكن تجاهل مدى تغلغل الميليشيات في الحياة العامة العراقية، حيث يشير الباحث “شاكر نوري” إلى أن الولايات المتحدة تسعى إلى تحجيم الدور الايراني، ليس في العراق، بل في المنطقة كلها، وأن هذا يخلق توترا عاليا لا يمكن الاستهانة به، لافتاً إلى أن أكثر ما يخشاه الأمريكيون أن تنأى إيران بنفسها، وتترك مهمة الدفاع عن نفوذها إلى أذرعها من المليشيات الموالية لها بعد أن ربطت العراق بمكانتها الإنتاجية: الكهرباء، المواد الغذائية والاستهلاكية.
ويصل حجم التبادل التجاري بين كل من إيران والعراق إلى نحو 20 مليار دولار سنويا، بالإضافة إلى سيطرة عدد من الأحزا الموالية لإيران على العديد من المناصب الحكومية والمالية.
كما أضاف “نوري”: “الولايات المتحدة من خلال الغارات الجوية تهدف إلى تصفية البؤر المؤيدة لإيران، الخارجة عن نطاق الدولة العراقية، رغم أن بعضها شريك في إدارة دفة الحكم، بعد أن صنفتها تنظيمات إرهابية”، معتبراً أن تلك الغارات فاجأت الميليشيات وقياداتها.