تشهد الساحة العالمية منافسة شرسة حول النفوذ والهيمنة بين الولايات المتحدة بوصفها القطب الأوحد عالميًّا في مختلف المجالات، وبين القطب الصيني الصاعد مؤخرًا وبالتحديد في مجال النفوذ الاقتصادي مع إطلاق بكين مبادرة الحزام والطريق، المشروع الذي رصدت له الصين مئات مليارات الدولارات بشكل يعزز نفوذها وسيطرتها في مختلف بقاع العالم القديم.
وتعتبر القارة الآسيوية منطقة النفوذ والنزاع الرئيسي بين بكين وواشنطن، بالإضافة لتواجد روسي ضمن في جمهوريات آسيا الوسطى التي كانت ضمن حدود الاتحاد السوفياتي السابق ” الغريم القديم لواشنطن”.
ومع انقطاع دام لسنوات طويلة، تبدو الإدارة الأمريكية في وارد إعادة النفوذ في آسيا وبالتحديد آسيا الوسطى التي تعتبر طريقًا رئيسيًا لخطط الصين الاقتصادية الجديدة.. هذه ما توحي به وتعكسه الزيارات المتعددة التي يقوم بها وزير الخارجية الأمريكي ” مايك بومبيو ” إلى جمهوريات آسيا الوسطى.
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية، عن وصول بومبيو وزير الخارجية الأمريكي إلى أوزبكستان أمس الأحد، في المحطة الأخيرة من جولته التي شملت خمس دول في آسيا الوسطى تهدف إلى الحد من النفوذ الصيني والروسي.
وسبق زيارة بومبيو إلى أوزبكستان، زيارة سابقة إلى جوار طشقند، الجمهورية الغنية بالثروات النفطية ” كازخستان ” التقى خلالها بالمسؤولين الكازاخيين، وحثهم على الانضمام للدعوة الأمريكية لإنهاء قمع الصين للأقليات في إقليم شينجيانغ المضطرب الذي يسكنه الإيغور والكازاخ المسلمون.
وتستهدف واشنطن من دعواها تلك، محاصرة الصين ونفوذها المتنامي في تلك الجمهوريات، حيث قال بومبيو في مؤتمر صحفي مع نظيره الكازاخستاني مختار تلبردي “ببساطة نطلب منهم أن يقدموا ملاذا آمنا ولجوء لأولئك الساعين للفرار من الصين. وأثناء زيارته العاصمة نور سلطان، التقى مواطنين كازاخ قالوا إن أفرادا من عائلاتهم محتجزون في إقليم شينجيانغ حيث يعتقد أن السلطات الصينية تحتجز أكثر من مليون من اتنية الأويغور والكازاخ وغيرهما من الأقليات في إطار حملة قمع أمنية غير مسبوقة في المنطقة.
والتقى بومبيو في ختام زيارته لكازخستان الرئيس قاسم جومارت والرئيس السابق (والرجل الأقوى في كازخستان) نور سلطان نزارباييف لينطلق بعدها في زيارة إلى طشقند عاصمة أوزبكستان ويعقد هناك لقاء موسعًا مع وزراء خارجية الجمهوريات السوفياتية الخمس في آسيا الوسطى “كازاخاستان وقرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان”.
ويتضح من تصريحات بومبيو القلق الأمريكي من عجز واشنطن عن مجاراة النفوذين الروسي والصيني المتنامي في آسيا الوسطى حيث سبق أن أكد بومبيو قبل زيارته أن الدولتين في آسيا الوسطى اللتين تشملهما الجولة “تريدان السيادة والاستقلال. وقال إن واشنطن “لديها فرصة مهمة لمساعدتهما على التوصل لذلك.. ليعود ويؤكد أيضا وجود نشاط روسي صيني متزايد هناك، حيث تحتفظ روسيا بقواعد عسكرية وتقود تكتلات أمنية وتجارية ساعدتها في ترسيخ مكانتها هناك.
وفي إطار سياسة التموضع الجديد الذي تتجه له واشنطن في آسيا، زار بومبيو كذلك جمهوريتين سوفيتيتين سابقتين هما بيلاروسيا وأوكرانيا، في إطار جولة بدأت بتوقف في بريطانيا. وكانت الولايات المتحدة من أولى الدول التي اعترفت بالدول في آسيا الوسطى التي استقلت بعد انشقاقها عن الاتحاد السوفيتي في 1991. وفي ذروة الأعمال القتالية في أفغانستان، أقام حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة مراكز لوجستية مهمة في المنطقة، لكنها أغلقت الآن، حيث عملت واشنطن باستمرار من أجل الاحتفاظ بموطئ قدم لها في دول في آسيا الوسطى.
ودعا وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو السبت إلى إحراز «تقدم حقيقي» في العلاقات بين الولايات المتحدة وبيلاروسيا خلال لقائه الرئيس ألكسندر لوكاشينكو في مينسك. وهذه أول زيارة إلى بيلاروسيا، الحليف الوثيق لروسيا، يقوم بها وزير خارجية أميركي منذ 1994 عندما زار بيل كلينتون تلك الجمهورية.
ويمكن تلخيص السياسة الأمريكية في آسيا الوسطى بأن أهداف أميركا في آسيا الوسطى ظلت واحدة ومتناسقة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي؛ حيث دعمت الاستقرار الداخلي والتعاون الإقليمي لضمان ابتعاد تلك الجمهوريات عن الفلك الروسي، كما دعمت -وإن بشكلٍ متقطع- الإصلاحَ والسعي نحو الديمقراطية، وذلك في سبيل ضمان سيادة دول آسيا الوسطى واستقلالها في محيط جيوسياسي معقَّد. ومع انحسار الحرب في أفغانستان، تسعى واشنطن نحو تحقيق نفس هذه الأهداف، ولكن مع العمل على تعزيز التنمية الاقتصادية الإقليمية بالترويج لمشروع طريق حرير جديد ينافس المخططات الصينية.
وبهذا فهي تتواجه مع قوتين إقليميتين كبيرتين: الصين وروسيا اللتين تسعيان من أجل تحقيق “التكامل الأوراسي” وَفْق مخططاتها الخاصة وبتعاون جزئي بينهما؛ بسبب توتر علاقاتهما مع أميركا.