المصدر: نورديك مونيتور
أكدت وثائق قضائية أن البعثات الدبلوماسية التركية في النمسا انخرطت في حملة جمع معلومات استخبارية، حيث جمعت معلومات عن أنشطة معارضي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وتشير الوثائق إلى أن الدبلوماسيين الأتراك قاموا بمراقبة معلمين أتراك وممثلي جمعيات محلية ورجال أعمال يعيشون في النمسا ومن ثم إبلاغ وزارة الخارجية عنهم في أنقرة، حيث تم استخدام المعلومات لاحقاً في لائحة اتهام جنائية بتهمة الإرهاب من قبل المدعي العام التركي.
وبحسب قرار أصدره المدعي العام بيرول توفان في 12 ديسمبر 2018، فتح مكتب المدعي العام في أنقرة تحقيقاً منفصلاً (ملف رقم 2018/27478) مع 13 مواطناً تركياً في النمسا تم إدراج أسمائهم في ملفات التجسس التي أرسلها دبلوماسيون أتراك هناك، ودون أي دليل ملموس على ارتكاب مخالفات.
وبحسب الوثائق، اتهم توفان الأشخاص الواردة أسماءهم “بالانتماء إلى جماعة إرهابية”، وقد استند التحقيق إلى ملفات تجسس تم إنشاؤها في السفارة التركية في فيينا بين عامي 2016 و2018.
ويخضع معارضو حكومة أردوغان في الخارج، وخاصة أعضاء حركة حزمت/ غولن، للمراقبة، كما يتعرضون للمضايقات والتهديدات بالقتل والاختطاف منذ أن قرر الرئيس أردوغان التخلي عن المجموعة بسبب مشاكله القانونية. ولطالما حُرموا من الخدمات القنصلية مثل التوكيل الرسمي وتسجيل المواليد وكذلك سحب جوازات السفر. كما يتم الاستيلاء على أصولهم في تركيا ويواجه أفراد عائلاتهم في تركيا تهم جنائية.
وتعتبر النمسا من بين الدول الأوروبية التي بدأت تحقيقات في أنشطة التجسس على الأتراك والمنظمات التركية في الخارج من قبل عملاء الحكومة التركية، حيث تحقق في عمليات تجسس نفذها مواطن نمساوي من أصل تركي، كان يتجسس على مواطنين أتراك ويرسل تقارير إلى السلطات الأمنية في أنقرة.
وقد عقد وزير الداخلية النمساوي كارل نيمر مؤتمراً صحفيا أكد فيه أن الجاسوس اعترف بأنه “تم تجنيده من قبل المخابرات التركية للتجسس على مواطنين أتراك آخرين أو مواطنين نمساويين من أصول تركية لإبلاغ السلطات الأمنية التركية عنهم”.
وقال نيمر إن 35 شخصاً ممن وصلوا تركيا من فيينا بين عامي 2018 و2020 اعتقلوا قبل أن تتصل بهم المخابرات التركية لتطلب تعاونهم مقابل إطلاق سراحهم، مؤكداً أن ذلك يعتبر ممارسة نفوذ من قبل قوة أجنبية في النمسا، وهو ما لن يتم قبوله بأي حال من الأحوال.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، هامي أكسوي، إن أنقرة نفت “المزاعم التي لا أساس لها”، مضيفاً أن التعليقات تظهر أن فيينا غير قادرة على “الهروب من الخطاب الشعبوي وهوسها المناهض لتركيا”.
كما اتهم المستشار النمساوي سيباستيان كورتس مؤخراً الرئيس أردوغان باستخدام الأتراك في أوروبا لتحقيق أهدافه الخاصة.
وأكدت الوثائق القضائية مرة أخرى أن أنشطة التجسس التي تقوم بها البعثات الدبلوماسية التركية تؤدي إلى عواقب وخيمة في النظام القضائي التركي.
وكانت وزارة الخارجية قد أرسلت عبر وثيقة رسمية قوائم بأسماء المواطنين الأتراك الذين تم تحديدهم في قرصين مضغوطين إلى مكتب المدعي العام في أنقرة والشرطة الوطنية ووكالة المخابرات التركية MIT في 19 فبراير 2018، لمزيد من الإجراءات الإدارية أو القانونية، بالإضافة إلى ومعاقبة أقاربهم في تركيا ومصادرة ممتلكاتهم.
وقد أرسل المدعي العام أكينجي، الذي تلقى وثيقة وزارة الخارجية في 23 فبراير 2018، أقراصاً مدمجة سرية تتضمن معلومات عن 4386 معارضاً لأردوغان إلى وحدة الجرائم المنظمة التابعة لإدارة شرطة أنقرة لاتخاذ مزيد من الإجراءات، ونقلت الشرطة بدورها نتائج تحقيقاتها إلى النيابة العامة.
وبحسب للوثائق القضائية الصادرة عن المحكمة الجنائية العليا الرابعة في أنقرة في 16 يناير 2019، قامت وزارة الخارجية بتجميع قائمة طويلة من الكيانات الأجنبية التي يمتلكها و / أو يديرها أشخاص يُنظر إليهم على أنهم مقربون من الحركة.
علاوة على ذلك، كشفت نورديك مونيتور كيف تسلل معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إلى مخيمات اللاجئين في اليونان للتجسس على المعارضين الذين أجبروا على الفرار إلى اليونان هرباً من حملة قمع غير مسبوقة في تركيا المجاورة.
يذكر أنه في أعقاب محاولة الانقلاب في تركيا في 15 يوليو / تموز 2016، حققت بعض الدول الغربية في أنشطة استخباراتية لموظفي وزارة الخارجية التركية وممثلين عن السلطات المختصة وأئمة وضباط استخبارات معتمدين كدبلوماسيين.
وفي عام 2018، أطلق المدعي العام السويسري تحقيقاً جنائياً في تجسس دبلوماسيين أتراك على الجالية التركية في سويسرا. وأكدت وزارة الخارجية السويسرية أن الاتهامات الواردة في الإجراءات الجنائية ليست مهام دبلوماسية، وبالتالي لا يمكن للأشخاص المعنيين الاستفادة من الحصانة، ونتيجة التحقيق اضطر اثنان منهم إلى مغادرة سويسرا.
في ديسمبر / كانون الأول 2016، اضطرت تركيا إلى استدعاء يوسف أكار، ملحق الشؤون الدينية في السفارة التركية في لاهاي، بعد أن اتهمته السلطات الهولندية بجمع معلومات استخبارية عن الحركة. كما رفضت السلطات البلجيكية طلبات الحصول على تأشيرة 12 إمام تركي يسعون للعمل في البلاد في عام 2017. إلى جانب ذلك، أنهت حكومة ولاية هيسن وسط ألمانيا تعاونها مع الاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية (ديتيب).
وكان وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو قد أكد القيام بالتجسس المنهجي على معارضي الحكومة التركية على أراضِ أجنبية كما فعلت البعثات الدبلوماسية التركية في فبراير 2020. وقال جاويش أوغلو إن الدبلوماسيين الأتراك المعينين في السفارات والقنصليات تلقوا تعليمات رسمية من الحكومة للقيام بمثل هذه الأنشطة في الخارج. “إذا نظرت إلى تعريف الدبلوماسي، فهذا واضح،” قال جاويش أوغلو للصحفيين الأتراك في 16 فبراير 2020 عقب مؤتمر ميونيخ للأمن، مضيفاً أن جمع المعلومات الاستخباراتية هو واجب الدبلوماسيين، وأن “جمع المعلومات الاستخباراتية وجمع المعلومات عموماً هو حقيقة”.
من الواضح أن البعثات الدبلوماسية التركية تنتهك القوانين المحلية للدول المستقبلة ومبادئ القانون الدولي من خلال القيام بحملات غير قانونية لجمع المعلومات وتنفيذ عمليات استخباراتية واسعة النطاق. أثناء تجسسهم بشكل منهجي على معارضي الرئيس، كان مبعوثو أردوغان بتمتعون بالامتيازات والحصانات المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية.
تخضع حصانات وامتيازات الدبلوماسيين والموظفين القنصليين للاتفاقيات الدولية، ومع ذلك، فإن الدبلوماسيين الذين يتمتعون بالامتيازات والحصانات الموصوفة في اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية ملزمون باحترام قوانين وأنظمة الدولة المستقبلة وتجنب التدخل في شؤونها الداخلية على النحو المفصل في المادة 41. وبالمثل، يتم منح الموظفين القنصليين امتيازات وحصانات محدودة بموجب اتفاقية فيينا للشؤون القنصلية، ولكن يمكن لسلطات الدولة المضيفة بدء التحقيقات وملاحقة أي من الموظفين إذا ارتكبوا جرائم داخل أو خارج مبنى القنصلية، وفقاً للمادة 43 من الاتفاقية.