تصدرت حركة “رشاد الإسلامية” المشهد السياسي في الجزائر مؤخراً، اذ دعا مجموعة من المحامين لتصنيف الحركة كـ”منظمة إرهابية”، وبدأت الاتهامات تلوح حول الدور التركي في دعم الاخوان والحركات الإسلامية في الجزائر، وسط استمرار الحراك الشعبي الذي يطالب بتغيرات جذرية.
النقاش تركز حول حركة “رشاد”، وإعادة فتح باب الماضي و”العشرية السوداء” التي عانى من نيرانها الجزائريون، اذ خاضت الحكومة حربًا طاحنة ضد “المتطرفين” الساعين إلى الاستيلاء على السلطة، وقُتل ما يقدر بنحو 200 ألف شخص حينها.
وطالبت مجموعة من المحامين الجزائريين، أمس الأحد، وزارة العدل في العاصمة، لتصنيف “حركة رشاد” كمنظمة “إرهابية” في الجزائر، بينما وجّهت الرئاسة لحركة “رشاد” كونها (حركة ذات مرجعية قريبة من الإرهاب)، اتهامات شديدة اللهجة باستغلال المسيرات الأسبوعية لتنفيذ “أعمال تحريضية وانحرافات”.
بين العشرية السوداء وتركيا
الرئيس الجزائري “عبد المجيد تبون” أصدر خلال اجتماع للمجلس الأعلى للأمن الأسبوع الفائت “أوامره للتطبيق الفوري والصارم للقانون ووضع حد لهذه النشاطات غير البريئة والتجاوزات غير المسبوقة، تجاه مؤسسات الدولة ورموزها والتي تحاول عرقلة المسار الديمقراطي والتنموي.
يذكر أن الحراك الشعبي عاد إلى شوارع الجزائر العاصمة ومدن أخرى ابتداء من الذكرى الثانية للحراك، في 22 فبراير، بعد عام من إغلاق الفيروس، وسط مخاوف من أن حركة “رشاد” ربما تستخدم “ثورة الابتسامة” للحراك من أجل أجندة خاصة بها.
وفي الوقت الذي يعتبر عدد من نشطاء الحراك الشعبي الجزائري، أن السلطات تسعى إلى تقسيم المتظاهرين بالترويج للخوف من حركة “رشاد”، توجه الاتهامات إلى تركيا بدعم الحركة باعتبارها “حركة اخوانية” وامتداداً إلى حزب “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” التي كانت لسنوات سبباً للفوضى والعشرية السوداء.
مذكرة فرنسية سرّية، كشفت عن استقبال كوادر “حركة رشاد” بشكل سرّي من قبل المخابرات التركية في كل من أنطاليا وإسطنبول، اذ حصل مبعوثو الحركة على وعود بتقديم مساعدات مالية ودعم لوجستي لتعزيز أنشطتهم الدعائية لاستقطاب الشارع الجزائري.
وأشارت المذكرة التي سربت عن الاستخبارات الفرنسية، إلى أن “الأتراك حرصوا على تأمين اتصالات لكوادر الحركة الجزائرية مع معارضين إسلاميين آخرين من دول عربية أخرى يُديرون وسائل إعلام تبثّ من تركيا”.
كما، اعتبر، خبراء من مركز “غلوبال ووتش أناليز” الفرنسي للدراسات الجيوسياسية، ومقرّه باريس، أنّ “الهدف من تلك الزيارات السرّية لإسلاميي الجزائر إلى تركيا، هو جمع الأموال لإطلاق قناة تلفزيونية جديدة مقرّها لندن أو إسطنبول، لتعزيز خطاب الحركة واستقطاب الشارع الجزائري بلغة وأسلوب فاعلين”.
ما هي حركة رشاد..
أعضاء حركة “رشاد”، التي تتخذ من أوروبا مقراً، لا هوية واضحة لها ، والأعضاء لا يعلنون عن وجودهم، الا أن السلطات الجزائرية تصف حركة “رشاد” بأنها حركة “ذات مرجعية قريبة من الإرهاب”، لأن أبرز مؤسسي الحركة منذ العام 2007 والناشطين فيها هم من القيادات السابقة في “جبهة الإنقاذ” المحظورة، كمنسقها العام “مراد دهينة”، المطلوب للقضاء الجزائري بتهم الإرهاب ومحكوم عليه غيابياً بـ20 سنة.
وتستند التوصيفات إلى الداعمين للحركة في الخارج، اذ تعتقد السلطات أنه كانت لهم مواقف ملتبسة من المجموعات الإرهابية، كمنظّر الحركة عباس عروة، وعمر قيدوم ورشيد مصلي يوسف نجادي، وكذلك ضباط سابقين منشقين عن الجيش والمخابرات كالضابط محمد سمراوي (انسحب من الحركة قبل سنوات) والدبلوماسي المنشق محمد العربي زيتوت، وكلهم من المقيمين في عواصم غربية كفرنسا وبريطانيا وسويسرا وألمانيا وغيرها.
إلى جانب ذلك، تقول السلطات الجزائرية أن “الحركة تتخذ من الانقلاب الذي قاده الجيش على المسار الانتخابي في 11 يناير/ كانون الثاني 1992، بعد فوز “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” (محظورة منذ مارس/ آذار 1992) كنقطة رئيسة ومحدد مفصلي لنشاطها السياسي”/
لكن حركة “رشاد” التي كانت تملك قناة تلفزيونية تبث من الخارج “العصر”، تنفي عن نفسها أي توجهات لاستخدام العنف أو التحريض، وتعلن في مواثيقها وأدبياتها المعلنة أنها “تنتهج اللاعنف كوسيلة للتغيير”، وتعرّف نفسها بأنها “حركة جزائرية بادر إلى إنشائها والدعوة لها مجموعة من الجزائريين الذين عُرفوا بمعارضتهم المبدئية لنظام الحكم الذي تمخض عن انقلاب 11 يناير 1992 كمستقلين أو منضوين تحت أطر أخرى.
وتعرف الحركة نفسها بكونها “فضاء واسعاً لكل الجزائريين على اختلاف رؤاهم وتعدد توجهاتهم، وترفض التطرف بجميع أشكاله، وترفض كل ممارسات الإقصاء والتمييز”.
وتقول حركة “رشاد” عبر موقعها على الانترنت إنها شاركت في مسيرات الحراك منذ بدايتها في أوائل العام 2019، وتؤكد أنها “تقضي على جميع أشكال التطرف… وتدعو إلى اللاعنف”.
رموز العشرية السوداء
ويعد “مراد دهينة”، وهو المدير التنفيذي لمنظمة الكرامة لحقوق الإنسان ومقرها جنيف، والقيادي الثاني في حركة “رشاد”، من أبرز قيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر، ورغم هروبه إلى سويسرا، فإن ذلك لم يمنع وزير الداخلية الفرنسي الراحل “شارل باسكوا” من اتهامه بالاسم بالتورط في تهريب الأسلحة إلى الجزائر، في العام 1993، انطلاقاً من سويسرا، والسودان الذي كان يقيم فيه أيضاً في عهد حكومة الرئيس المعزول “عمر البشير”.
وفي العام 2003 رفع القضاء الجزائري مذكرة توقيف عالمية ضده للأنتربول، بعد اتهامه بالتورط في دعم الجماعة الإسلامية المسلحة، التي ارتكبت عشرات العمليات الإرهابية والمجازر في الجزائر وفرنسا أيضاً، ليحكم عليه لاحقاً غيابياً بالسجن 20 عاماً.
أما في العام 2004 وبعد إطلاق سراح قياديي الجبهة الإسلامية للإنقاذ عباسي مدني وعلي بلحاج، قرر الانسلاخ عن قيادة مكتب الجبهة في الخارج، ورفض المصالحة الوطنية في الجزائر، ليدعو في العام 2006 صراحة، إلى “العمل المسلح المشروع” ضد الدولة.
ولاحقت الدولة الجزائرية عدد من الشخصيات المحسوبة على حركة “رشاد” وفي نهاية مارس/آذار الماضي أصدرت محكمة في الجزائر العاصمة مذكرات توقيف دولية ضد 4 متهمين بالانتماء للجماعة الإرهابية، على رأسهم، محمد العربي زيتوت، أحد قياديي الحركة، والمُدوّن أمير بوخرس الشهير باسم “أمير دي زد”، الذي يسبب إزعاجاً كبيراً للحكومة، وضابط جهاز المخابرات السابق الصحافي المعروف هشام عبود، وشخص رابع يُدعى محمد عبد الله.
ويعتبر “زيتوت” من أبرز مؤسسي “رشاد” في العام 2007، بعد أن عمل طويلاً في السلك الدبلوماسي والاستخبارات الجزائرية، في ليبيا حتى العام 1991، قبل الانشقاق والتحول إلى لندن في 1995.
كما، يعرف موقع ويكبيديا الحركة على أنها “حركة جزائرية معارضة لنظام الحكم في الجزائر (الذي تمخض عن انقلاب 12 يناير 1992). وتأسست حركة رشاد في العام 2007م، وبادر إلى إنشائها والدعوة لها مجموعة من الجزائريين الذين عُرِفوا كمستقلين أو منضوين تحت أطر أخرى وهم (مراد دهينة، محمد العربي زيتوت، محمد سمراوي، عباس عروة، رشيد مصلي” اذ تبين بعد سنين من المعارضة لهؤلاء أن يجتمعوا داخل حركة تكون بمثابة المحرك والمؤطر الجامع لقوى التغيير الشامل في الجزائر.
وهي حركة مقاومة غير أنها لا تؤمن باستخدام العنف سبيلا لذلك وإنما تتبنى أسلوب الاحتجاجات السلمية بما فيها من عصيان مدني، أهداف الحركة على حدّ قولها: “تسعى الحركة إلى تغيير جوهري شامل في الجزائر. تغيير ينهي استبداد الحكم وطبائعه ينتج عنه بناء وإرساء دعائم حكم راشد. يعيد للشعب عزته وأمانه وللوطن حرمته وسلامته وللإنسان – قبل ذلك – حريته وكرامته”.