تتصاعد التحذيرات من مصير مأساوي يحيط بلبنان واللبنانيين خلال الفترة المقبلة مع توقعات باشتداد الأزمات المالية والاقتصادية والسياسية خلال العام 2022، وسط غياب كامل للحلول، لا سيما مع إقرار رئيس الجمهورية اللبنانية، “ميشال عون” بأن بلاده بحاجة لما لا يقل عن ست إلى سبع سنوات لتعود للتعافي، وهو ما يأتي بعد سلسلة وعود بالإصلاح سبق “لعون” ان أطلقها خلال الأشهر الماضية.
يشار إلى أن “عون” قد ربط أزمات لبنان بما وصفه بـ “الخطيئة والسرقة والفساد والفشل في النظام”، لافتاً إلى أن ذلك سيفرض تغييرا معينا وهو التغيير الذي يحتاج إلى وقت كي يظهر.
شمس لا تغطى بغربال
في ظل ما وصلت إليه الظروف المعيشية والسياسية في لبنان، يرى المحلل السياسي، “ميشال بوصعب” أن الحقيقة لم يعد بالإمكان إخفاءها وأن الرئيس أدرك حقيقة انه غير قادر على تغطية الشمس بغرباله السياسي، وهو ما دفعه إلى إظهار جانبٍ من حقيقة الأوضاع في لبنان بعيداً عن الوعود الخلبية وإلقاء اللوم على النازحين السوريين، لافتاً إلى أنه حتى أطفال لبنان بدأوا يدركون حقيقة الوضع في بلادهم بعد الانهيار الكبير في قيمة الليرة وارتفاع معدلات البطالة والفقر والجوع.
يذكر ان العام 2021 كان عاماً مأساوياً على اللبنانيين حيث يكشف تقرير للجنة الأمم المتّحدة الاقتصاديّة والاجتماعيّة لغرب آسيا؛ ارتفاع معدلات الفقر إلى 74 بالمئة مقابل 55 بالمئة في العام 2020، و28 بالمئة في العام 2019، فيما تجاوز الدولار عتبة 20 ألف ليرة لبنانية.
ويقول “بوصعب”: “على الرغم من أنه لم يقل الحقيقة كاملة، إلا أن عون يقف الآن في أصدق مواقفه مع الشعب اللبناني ليس لأنه أراد أن يكون صادقاً وإنما كونه يطمح بتمديد ولايته الرئاسية وطرح نفسه كجزء أساسي من الحل، وهذا ما يجعله يحاول الاقتراب أكثر من الشارع من اللبناني”، لافتاً إلى أن سياسة الوعود الزائفة لم تعد مناسبة في ظل التدهور الحالي.
يشار إلى أن الرئيس اللبناني كان قد صرح قبل أسابيع باستعداده للبقاء في السلطة بعد انتهاء ولايته الرئاسية الحالية، إذا صوت مجلس النواب لصالح ذلك القرار.
غير بعيد عن الجوانب الاقتصادية، يلفت “بوصعب” إلى أن الأزمة تواصل امتدادها إلى بقية جوانب الحياة بما في ذلك الحياة الاجتماعية والجوانب الأمنية التي تأثرت بشكل كبير بسوء المعيشة من خلال تصاعد معدلات الجريمة والسرقة وحالات الانتحار، معتبراً أن التعديل الجزئي في خط تصريحات “عون” لن يساعده في تجنب المسؤولية عما يحدث في لبنان، على الأقل من ناحية تحالفه السياسي مع ميليشيات حزب الله المدعومة إيرانياً، وهو التحالف الذي زاد من سطوة الحزب ومكنه من التحكم بمفاصل الدولة اللبنانية.
يشار إلى أن “عون” كان قد وقع مع الأمين العام لميليشيات حزب الله، “حسن نصر الله” على ما يسمى بمذكرة “مارمخايل” عام 2008، والتي أسست لتحالف سياسي قوي بين الطرفين، على الرغم من عدائهما خلال فترة الوصاية السورية على لبنان.
حلفاء الأمس .. خصوم اليوم
تفاعلات الأزمة اللبنانية وتصاعدها، لن ينعكس فقط على الشعب اللبناني ومعيشته فحسب وإنما على الحياة السياسية وخارطة التحالفات فيها، خاصةً مع التطورات الإقليمية الحاصلة، بحسب ما يراه المحلل السياسي، “رينيه محفوض”، لافتاً إلى أن تحالف حزب الله والتيار الوطن الحر سيكون أول المتضررين من الظروف الحالية سواء في لبنان أو المنطقة ككل.
ويوضح “محفوض”: “لبنان من أكثر البلدان تأثراً بالمتغيرات الإقليمية والمحلية، وطموحات عون وصهره جبران باسيل تتعارض حالياً مع واقع حزب الله من ناحية تحميله مسؤولية الأزمة وضياع لبنان ومن ناحية إمكانية تعرضه لهجمات إسرائيلية تضعف قوته وهذا ما قد يدفع رجلا التيار الوطني الحر لإنهاء حالة التحالف مع حزب الله”، لافتاً إلى أن تبعات الملف النووي في إيران وتزايد الحديث عن إمكانية توجيه ضربات عسكرية للنظام الإيراني، الداعم الأول لحزب الله، ستجبر “عون” و”باسيل” على القفز من المركب الغارقة.
كما يشير “محفوض” إلى قلق “عون” ومن خلفه “باسيل” من وجود فيتو دولي على مسألة استمرارهما في السلطة في لبنان بسبب علاقتهما مع حزب الله، لا سيما وأن تلك العلاقة عرضت “باسيل”، الطامح بخلافة والد زوجته في كرسي الرئاسة” لسلسلة عقوبات أمريكية خلال العام الماضي.
ويُذَّكر “محفوض” بأن الصدامات المسلحة الأخيرة بين حزب القوات اللبنانية، ذو الخلفية المسيحية مع الثنائي الشيعي “أمل – حزب الله”، تضع التيار الوطني ذو الخلفية المسيحية، أمام خطر فقدان شعبيته في الشارع المسيحي لصالح خصومه في حزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب، مشيراً إلى ضرورة التأكيد على أن التحالف بين التيار العوني وحزب الله قام أساساً على المصالح وليس على الاتفاق الفكري أو المنهجي، وهو ما يجعله عرضة للتفكك في أي لحظة.
يشار إلى أن وسائل إعلام محلية كانت قد أكدت على أن التيار الوطني الحر، أكبر حزب مسيحي في لبنان، يتجه لإنهاء تحالفه السياسي مع ميليشيات حزب الله المدعومة من إيران، فيما أعلن “جبران باسيل” الأسبوع الماضي، أنه ستكون هناك عواقب سياسية على إجراءات اتخذها حزب الله وحركة أمل ضد التيار العوني.
تحولات كانت ستنقذ الكثيرين
بعيداً عن هدف التحولات في موقف “عون” وحزبه، يشدد الباحث في الشؤون الاقتصادية “خليل شاهين” أن تلك التحولات كانت كفيلة بإنقاذ لبنان من أزمته لو أنها جاءت في وقتٍ مبكر، لافتاً إلى أنها كانت ستنعكس بشكل إيجابي على عمل الحكومة كما انها كانت ستوفر على لبنان الدخول في مرحلة الفراغ الحكومي لمدة عام، والذي فاقم من ازمة البلاد الاقتصادية وشل مؤسسات الدولة اللبنانية.
ويرى “شاهين” أن تحولات الموقف “العوني” كانت ستقدم أيضاً دعماً لعمل رئيس الحكومة من خلال تخفيف الضغط النيابي عنه وخضوعه لسياسات حزب الله، الذي كان يستغل حالة الأغلبية النيابية لتعطيل العمل الحكومي، مستفيداً من تحالفه مع التيار الوطني الحر صاحب الأغلبية المسيحية، لافتاً إلى أن إقرار الرئيس بعمق الأزمة جاء متأخراً.
على المستوى السياسي، يعتقد المحلل السياسي، “عامر ضرغام” أن تخلي التيار الوطني الحر عن تحالفه مع حزب الله في حال تم، لن يكون كافياً لتجاوز الأزمات، وإنما عليه أن يتخلى أيضاً عن تسخير أكثيرته النيابية ووجوده القوي في الشارع المسيحي لصالح طموحات زعمائه السياسيين في السلطة والاتجاه أكثر لقراءة مصالح لبنان بشكل أعمق ومنحها الأولوية، معتبراً أن “عون” ارتكب جريمة بحق لبنان عندما وضع يده بيد حزب الله.
كما يشدد “ضرغام” على أهمية ان ينتقل التيار بكامل ثقله للجهات المطالبة بنزع سلاح حزب الله، كونه كان طيلة سنوات عديدة يمنحه شيئاً من الشرعية، لافتاً إلى أن وجود أنصار التيار الوطني الحر في الشارع اللبناني سيمنح الحراك الشعبي زخماً أكبر وسيضعف من معسكر ما يمكن ان تسميته بـ “معسكر إيران والنظام السوري” في لبنان على حد قوله.