هيئة التحرير
اتهامات جديدة بالمتاجرة بالقضية الفلسطينية، يوجهها عدد من الناشطين العرب على مواقع التواصل الاجتماعي، للرئيس التركي، “رجب طيب أردوغان”، بعد تسريب صورة لطائرة إسرائيلية في مطار اسطنبول الدولي، تحمل علمي تركيا وإسرائيل، بالتزامن مع تصريحات الرئيس التركي، التي اعتبر خلالها أن “القدس خط أحمر” بالنسبة للحكومة التركية.
منطق المصالح لا يعرف الخطوط الحمراء
الحديث بلغة المصالح والسياسة لا يعرف الخطوط الحمراء، وفقاً لما يؤكده مصدر خاص لمرصد مينا، رفض الكشف عن هويته، خلال تناوله لمواقف الرئيس “أردوغان”، لافتاً إلى أن أولويات الحكم وعلاقات الدول لا يمكن تقييمها بمنطق العلاقات الشخصية، على اعتبار أنها تقوم وترتبط بشبكة معقدة من المصالح والأولويات، خاصة بالنسبة للحالة التركية الراهنة غير المستقرة سياسياً ولا اقتصادياَ.
وتشهد الليرة التركية انخفاضاً كبيراً أمام الدولار بسبب شح احتياطي النقد الأجنبي في البنك المركزي، بالتزامن مع وصول الدين العام التركي إلى 170 مليار دولار.
يضيف المصدر: “أردوغان كشخص يحمل طموحاً سياسياً كبيراً بلعب أدوار كبيرة في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي تقوم سياسته على أساس الموازنة بين ما هو عملي ونظري، فمن جهة يؤمن لنفسه حاضنة شعبية داخل دول المنطقة العربية، من خلال التصريحات والزخم الإعلامي، ومن جهة أخرى يعمل على أساس المصالح المشتركة مع إسرائيل، كي يتحول بقاء حكومته في السلطة إلى مصلحة إسرائيلية، تحديداً على المستوى الاقتصادي”، لافتاً إلى أن التصريحات في علم السياسة تبقى للاستهلاك العام وممارسة الدعاية الإعلامية بأشكالها ليس أكثر.
وبحسب البيانات الرسمية فإن إسرائيل تعتبر واحدة من أهم 5 أسواق تسوّق فيها تركيا بضائعها، حيث بلغت المبادلات التجارية بين البلدين في العام 2016 أكثر من 4.2 مليار دولار لترتفع بنسبة 14 في المئة في العام 2017.
مشاريع إقليمية تمر عبر البوابة الإسرائيلية
على عكس ما يتمناه المناصرون للرئيس التركي، يشير المصدر إلى أن “أردوغان” يدرك تماماً أن الكثير من المشاريع التركية، أياً كان نوعها تمر عبر البوابة الإسرائيلية، خاصة ما يتعلق بالحرب على التنظيمات الكردية، ودخول الأراض السورية وإدارة مشروع الإخوان المسلمين في المنطقة وزرع قواعد عسكرية في قطر والسودان والصومال والخلافات مع قبرص واليونان على حقول الغاز في المتوسط، مضيفاً: “كل هذه المعطيات كفيلة لإفراغ تصريحات الرئيس التركي من محتواها وجعلها أشبه بخطاب المقاومة والممانعة، الذي يطلقه النظام السوري وإيران، أو حتى شعار لن نسمح بحماة ثانية في سوريا، والذي رفعه الرئيس التركي إبان الثورة السورية”.
وتُعد تركيا أكبر ثاني دولة بعد الولايات المتحدة تحتضن أكبر مصانع أسلحة للجيش الاسرائيلي، اذ كشفت الإحصائيات عن زيادة في معدلات التعاون العسكري مع إسرائيل منذ الاحتلال التركي لشمال جزيرة قبرص عام 1978، مع اعتماد أنقرة آنذاك على الجانب الإسرائيلي في تحديث الجيش التركي.
حلم تركيا القديم جداً بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ينضم بدوره أيضاً إلى قائمة الأسباب، التي تحول دون أن تتحول التصريحات التركية إلى واقع، وهو ما تلفت إليه الباحثة “رنا عبد العزيز خماش”، مشيرة إلى أن رفض المنظومة الأوروبية لانضمام تركيا إليها، قد يدفع أنقرة إلى تعزيز علاقتها أكثر مع إسرائيل، موضحةً: “علاقات جيدة مع إسرائيل قد تمنح جهود تركيا بالاقتراب أكثر من أوروبا دعماً وزخماً كبيرين، كونه سيساعد على إظهار أن بالوجه العلماني وأنها ليست متعصبة، كونها دولة مسلمة وتقيم علاقات مع الدولة اليهودية”.
الصديق العدو
طبيعة العلاقات الفعلية بين الحكومة التركية وإسرائيل، يشرحها وزير الاستخبارات والمواصلات الإسرائيلي السابق، “يسرائيل كاتس”، من خلال وصفه تركيا بـ “الصديق العدو”،لافتاً إلى طموحات الرئيس التركي، لاكتساب نفوذ كبير في المنطقة العربية من خلال على أجنحة تنظيمات الإسلام السياسي المنبوذة، على حد قوله، في إشارةٍ إلى ارتباط تلك الطموحات بالعلاقات مع إسرائيل.
وكان الرئيس التركي قد انسحب من منتدى دافوس في العام 2006 خلال كلمة الرئيس الإسرائيلي الأسبق، “شمعون بيريز”، احتجاجاً على السياسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.
في هذا السياق، يشير الوزير الإسرائيلي الأسبق، إلى أن الحكومة الإسرائيلية لا تأبه للتصريحات التركية، التي وصفها بـ “العنتريات عبر وسائل الإعلام”، طالما أنها لا تمنعه من جعل حجم التجارة عبر حيفا يرتفع إلى نحو 25 في المئة من تجارة تركيا، موضحاً أن عمق العلاقات الاقتصادية بشكل خاص، تجعل إسرائيل متعايشة مع “أردوغان”، بالرغم من تلك التصريحات النارية.
وتظهر المؤشرات البيانية، ارتفاع معدلات التجارة البينية التركية-الإسرائيلية، حيث شهدت خلال الفترة الممتدة من شباط وحتى تشرين الأول من عام 2019، نمواً بنسبة 1.6 في المئة، بواقع 137 مليار دولار أمريكي، مقارنة عن ما كانت عليه في ذات الفترة من العام 2018، وفقاً لبيانات وإحصائيات وزارة التجارة التركية.
قيود الغاز وضرورات الاستقرار
قضية الغاز والرغبة التركية بالتحرر من القبضة الروسية، يعتبرها الخبير في الشؤون التركية، “كريستيان باركل”، واحدة من النقاط الأساسية في رسم العلاقة بين تركيا وإسرائيل، والضامن الأكبر بالنسبة لها، لافتاً إلى أن تركيا حالياً تبحث عن مزود غاز بديل عن موسكو، وهو ما تجده في إسرائيل، لا سيما وأن ستين بالمئة من الطلب التركي على الغاز يأتي من روسيا، وفقاً لما نشرته وكالة دويتشه فيلي الألمانية.
تناول أسباب الخطاب الناري تجاه إسرائيل، يربطه أيضاً “باركل” بالساحة الداخلية التركية، وتحديداً بما يتعلق بمسألة الانتخابات وكسب أصوات الناخبين، خاصةً وأن طموح الرئيس تمتد إلى الظهور بمظهر الزعيم أو المنقذ.
من جهته، يذهب الكاتب “عاصف الخالدي” في تقييمه لجدية التصريحات التركية إلى التركيز على الجانب الاقتصادي والسياسي على حد سواء، مشيراً إلى أن إسرائيل تمثل دولة مهمة ومستقرة سياسياً مقابل أوضاع متدهورة في المنطقة، خاصة بالنسبة لمسألة الغاز، التي اعتبرها الضامن الأكبر للعلاقات بين الجانبين.
وكانت وسائل إعلامية عبرية، قد كشفت نهاية العام الماضي عن إبداء حكومة العدالة والتنمية التركية استعداها للشروع في عملية تفاوضية مع الحكومة الإسرائيلية، حول نقل الغاز الإسرائيلي إلى القارة الأوروبي.
كما يضيف “الخالدي” في مقال له: “لا يمكن تجاوز ما تكشفه الأرقام، عن الارتفاع المطرد نسبياً في حجم الدعم التركي لاقتصاد الاحتلال؛ حيث تنطلق تركيا من واقعية اقتصادية وسياسية في دعم إسرائيل على الرغم من تصريحات أردوغان في المحافل العربية والدولية”.
وكانت مستشار الدولة التركية والرئاسة، “هاتيس كارهان”، قد أشارت في وقتٍ سابق إلى أن الاقتصاد لا يفهم سوى لغة الأرقام، كاشفةً أن صادرات تركيا إلى إسرائيل تجاوزت خلال الأعوام القليلة الماضية حاجز 2,5 مليار دولار.
ووصل التبادل التجاري بين إسرائيل وتركيا إلى 3.9 مليار دولار سنويا، حيث يقول المسؤولون الإسرائيليون والأتراك إنهم يطمحون لرفعه إلى 10 مليارات دولار في غضون السنوات الخمس المقبلة.
وفي العام 2013 أشار مدير سلطة الطيران المدني الإسرائيلي إلى أن شركات الطيران التركية تقوم بأكثر من 60 رحلة جوية أسبوعياً إلى إسرائيل، وتنقل بين إسرائيل وتركيا أكثر من مليون مسافر سنويا، حيث تعتبر تركيا من بين الوجهات المفضلة للإسرائيليين.