نيويورك، بروكسل، باريس، مدريد، برلين: على مدار العقود الثلاثة الماضية، تعرضت هذه المدن، بدرجات متفاوتة وفي أوقات مختلفة، لموجات من الإرهاب امتدت لاحقاً لتغمر الغرب بأسره. هذه الهجمات تسببت في خلق انقسامات بين فئات السكان المختلفة وأثارت الخوف في نفوس الجميع. رغم اختلاف تفاصيل الهجمات، إلا أن النمط العام واحد: أحياناً ينفذها أفراد بمفردهم، وأحياناً أخرى خلايا منظمة. في بعض الأحيان، تكون الضربات عشوائية؛ وفي أحيان أخرى، تتم بعد تخطيط طويل.
ومع ذلك، يمكن تلخيص مصدر هذا الإرهاب في مصطلح واحد: الإسلاموية – أيديولوجية سياسية، مهدوية، شمولية. في السابع من أكتوبر 2023، ظهر هذا التهديد مجدداً في إسرائيل، حيث ارتكبت حركة حماس مجازر راح ضحيتها مئات الأبرياء من اليهود، بالإضافة إلى اختطاف العديد منهم. هناك أوجه تشابه كبيرة بين هذه المجازر وتلك التي شهدتها نيويورك وباريس. كما حدث بعد هجمات 11 سبتمبر، جاءت فظائع السابع من أكتوبر بردود فعل أولية من الصدمة، تبعتها دعوات لاتخاذ إجراءات انتقامية واسعة النطاق.
وبنفس الطريقة التي أعقبت بها هجمات 11 سبتمبر، ظهرت موجة من ردود الفعل المعادية لإسرائيل والمعادية للسامية. شهدت شوارع وجامعات المدن الغربية خلال الاثني عشر شهراً الماضية موجة غير مسبوقة من معاداة الصهيونية، تفوق حتى معاداة أمريكا التي شهدتها بداية الألفية بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق.
كما حدث في السابق، كانت ردود الفعل معقدة وغير فعّالة. بقيت الولايات المتحدة في أفغانستان حتى عام 2021، بينما تنخرط إسرائيل اليوم في توسيع حربها ضد حماس في لبنان، وربما قريباً ضد إيران.
لكن العامل الأكثر تشابهاً بين هذه الهجمات والمجزرة الأخيرة في أكتوبر ليس العنف بحد ذاته، ولا ردود الأفعال أو التصعيد الذي تلاها. إنه الإسلاموية، والطريقة التي يرفض بها الغرب باستمرار تحديد عدوه الحقيقي: جماعة الإخوان المسلمين، التي خرجت منها حماس والعديد من المتطرفين الآخرين المستعدين للانضمام إلى هذا الجهاد.
في 12 سبتمبر 2001، أعلنت الولايات المتحدة “الحرب على الإرهاب”. لكن الإرهاب ليس أيديولوجية. خلال السنوات اللاحقة، ومع توسع العدو وهجماته على مدننا الغربية، لجأنا إلى تسميته “التطرف العنيف”، ووضعناه في نفس خانة الفاشية وأشكال التطرف الأخرى.
حدث هذا أولاً لأن العدو زعم أنه يقاتل باسم الإسلام. رفضنا – وما زلنا نرفض – شن حرب ضد أيديولوجية تنتمي إلى واحدة من أعظم ديانات العالم. ثانياً، كنا نظن أن بإمكاننا استخدام مواردنا العسكرية والاستخباراتية الهائلة لإضعاف العدو دون الانزلاق إلى حرب ضد خمس سكان العالم. لكننا ارتكبنا خطأً فادحاً: فشلنا في التمييز بين الإسلام والإسلاموية – بين المسلمين وجماعة الإخوان المسلمين.
من خلال عدم تحديد الإسلاموية كعدو، سمحنا لها بالانتشار. انظر إلى ما حدث في أفغانستان. لسنوات، حارب الغرب هذا العدو الذي لم يُسمَّ، وأنفق تريليونات الدولارات. وبعد آلاف التضحيات البشرية، تركنا البلاد في أيدي طالبان، ليصبح هذا الانسحاب واحداً من أكثر التراجعات المهينة في التاريخ الأمريكي، مغلفاً بأعذار سياسية واهية.
وفي الوقت نفسه، كانت جماعة الإخوان المسلمين وفروعها تغرس جذورها بصمت في مدننا الغربية، من الجامعات الأسترالية إلى ضواحي مانشستر. سمح لهم صمتنا ببناء المساجد، والسيطرة على المدارس، والادعاء بأنهم الممثلون الوحيدون للمسلمين في الغرب. ومع تدفق المزيد من اللاجئين اليائسين من البلدان المدمرة بالحروب، وجد العديد منهم عزاءً في هذه المساجد والمدارس التي يديرها الإسلامويون، وكذلك على الإنترنت.
وأي شخص يحاول مواجهة هذا الواقع الجديد يواجه اتهامات مألوفة بالإسلاموفوبيا. يستغل المتعاطفون مع الإسلامويين هذه الاتهامات لإسكات النقاش حول طبيعة التهديد الذي تشكله الإسلاموية.
في الوقت الذي يبدو فيه الغرب متردداً في تسمية عدوه، فإن دولاً إسلامية عديدة اتخذت خطوات حاسمة ضد جماعة الإخوان المسلمين. السعودية، مهد الإسلام وحامية الحرمين الشريفين، حظرت الجماعة تماماً. وكذلك فعلت الإمارات ومصر وسوريا والأردن.
هذه الدول التي كانت في الماضي تستضيف جماعة الإخوان وتدعمها، أدركت في النهاية خطرها. فعندما أظهرت الجماعة وجهها الحقيقي وحاولت الإطاحة بالأنظمة الحاكمة، قامت هذه الدول بملاحقة عناصرها وإزاحتهم من المساجد والمدارس والصحف، ومن ثم طردتهم.على الغرب، مثل هذه الدول، أن يتعلم من أخطائه. لن يزول الخطر إلا عندما تُدمر أيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين تماماً. والخطوة الأولى في ذلك هي الاعتراف بالعدو وتسميته.