أيام تحبس الأنفاس هي تلك التي يعيشها أهالي محافظة إدلب شمالي سوريا، قصف عنيف لا يتوقف، مستهدفاً المدنيين وبشكل خاص الحاضنة الأساسية والأخيرة للثورة السورية.
إدلب هي سورية المصغرة، حيث نازحي دمشق وريفها، ونازحي درعا وحمص وحماة، ودير الزور والحسكة، بالإضافة إلى أهالي المدينة.
يعيش السوريون وعلى اختلاف انتماءاتهم في تلك المحافظة الحدودية، سنة، وعلويون، ودروز،ويزيديون .. كرد وعرب.. مسيحيون ومسلمون، حيث اجتمعوا على معارضة نظام الأسد، ورفض الاحتلال الأجنبي بكافة مسمياته.
تفتقد المشافي الميدانية هناك، إلى أي شيء قد يساعد الملايين القاطنين فيها على البقاء، فقط تلك الحالات الاضطرارية هي التي يتم استقبالها، بينما يعود أصحاب الجراح المتوسطة إلى منازلهم، وينقل أصحاب الإصابات الخطيرة ذوو الحظ السعيد منهم، إلى المشافي التركية بحثاً عمن يساعدهم في البقاء على قيد الحياة.
مأساة إنسانية ودعوات لمجلس الأمن
أعلنت مليشيا الأسد أنها تستعد لما أسمته بـ “معركة إدلب الكبرى” وأنها تقصف ما ادعت أنه تجمعات “الإرهابيين”، بينما تؤكد الأخبار المدعومة بالصور والفيديوهات الواردة من إدلب بأن من يتم استهدافهم هم المدنيون، أطفالاً ونساءً، وعجائز، ورجالا.
هائلة ومروعة هي الفيديوهات التي يبثها ناشطو إدلب يومياً، ما يفند إدعاء النظام بأنه يستهدف من وصفهم بالإرهابيين من الفصائل المسلحة، ونقاط تجمعهم.
أكثر من 11 ألف عائلة نزحت في الساعات القليلة الماضية إلى المجهول، تبحث عن المناطق الأقل قصفاً، فيما تغص المخيمات بالنازحين، وليس بإمكانها استقبال المزيد، ما يجعل الوضع الإنساني كارثياً ويزداد سوء بعد أعوام الحرب التسع.
وضمن هذه الصورة المأساوية، دعا “فريق منسقو استجابة سوريا” اليوم الجمعة، مجلس الأمن الدولي لعقد جلسة طارئة لمناقشة الأوضاع الحالية في شمال غرب سوريا، كما طالب الفريق الدول الأعضاء في المجلس باتخاذ إجراءات فورية وجادة من أجل إنقاذ المدنيين العالقين في إدلب.
وبالرغم من الإمكانات القليلة المتوفرة لدى منظمات المجتمع المدني شمالي سوريا، إلا أن الوضع الكارثي أجبر العديد منها على فتح “الخط الساخن” و”خط الاستجابة الفورية” للحالات الطارئة والتي لا تتحمل التأجيل، خاصة وأن برد الشتاء قارص في تلك المنطقة، حيث لم تتوقف الأمطار منذ أيام.
وأصدر مسنقوا الاستجابة السريعة، بياناً رسمياً يصف الوضع الإنساني في المحافظة والأرياف التابعة لها، حيث تشير القرائن إلى اقتراب حلول كارثة إنسانية حال لم يتم الاستجابة للنداءات الإنسانية.
وحذر فريق منسقوا الاستجابة السريعة في بيانه من خطورة التقاعس، أو التباطؤ عن دعم ومساندة السكان المدنيين، الذين يوجد بينهم نسبة كبيرة من الإصابات الخفيفة والمتوسطة، والتي من الممكن أن تتفاقم، كما أن هناك عدد كبير من الأطفال والنساء والعجّز.
وتشهد المنطقة المنزوعة السلاح والتي يفترض أن تكون المنطقة الأكثر أمناً، إطلاقاً كثيفاً للنار وقصفاً مستمراً، ما يجعل الحياة فيها صعبة ومستيحلة، لذلك فإن الفريق الإنساني طالب الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي التابع لها، بإدانة كل أشكال القتل الذي تمارسه روسيا والنظام السوري على الشعب الأعزل، باعتباره انتهاكا صارخاً للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان وانتهاكاً صارخاً لجهود إحلال السلام في المنطقة، واستهتاراً بخطوات تثبيت وقف إطلاق النار والمنطقة المنزوعة السلاح.
وقال منسقو استجابة سوريا، في بيانهم، “نتابع تطورات الأحداث المؤسفة الجارية في شمال غرب سوريا بشكل عام والمنطقة المنزوعة السلاح بشكل خاص في أعقاب الأعمال العدائية والإرهابية لروسيا وقوات النظام وميلشياتها على المنطقة وقصفها العشوائي على الأحياء السكنية للسكان المدنيين واستهداف عشرات المنشآت والبنى التحتية في المنطقة وخاصة خلال الفترة الواقعة بين 1 تشرين الثاني و 20 كانون الأول وسقوط 209 ضحاية من المدنيين بينهم 70 طفلا ونزوح أكثر من 477 ألفا من السكان باتجاه مناطق أكثر أمناً”.
رصاص النصرة
أكد مراسل “مينا” في الشمال السوري، أن عناصر هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة”، أطلقوا مئات الرصاصات ضد المتظاهرين الهاربين نحو الحدود السورية- التركية، مما أدى إلى إصابة 20 سوري برصاص النصرة، إضافة إلى قيام جبهة النصرة باعتقال عدداً من الإعلاميين ممن حاولوا تقديم تغطية إعلامية للحركة الاحتجاجية ضد تركيا والقصف الذي تقوده روسيا ومقاتلات النظام السوري.
في حين خرج عشرات السوريين بمظاهرات حاشدة ضد تركيا، متهمين الأخيرة بـ “الخيانة للعهود” التي قطعتها إبان الاتفاق مع روسيا حول منطقة خفض التصعيد في الشمال السوري.
لا للاحتلال والاتفاقيات السوداء
لا تشير الوقائع بأن الدول اللاعبة في الملف السوري “تركيا، إيران، روسيا”، تلتزم بما تتفق عليه، وتعمد هذه الدول إلى كسب الوقت لا أكثر، بينما يعرف السوريون تماماً ما الهدف.
وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي وبالأخص الفيس بوك، ذو الشعبية الكبيرة في سورية، ردود فعل غاضبة من الدول الضامنة للاتفاقات الهشة، متهمين إياها بالعمل على احتلال سوريا، والسماح للأسد بإبادة السوريين في إدلب، وفق معاهدات “سوداء” تجري بالخفاء، وتهدف لقضم الأراضي السورية الغنية بالنفط والغنية بالمنتجات الزراعية، في معركة السباق الدولي، التي تشهدها سوريا وخاصة المنطقة الشمالية، والشمالية الشرقية منها.
فكتب “أيمن فهمي” وهو صحفي سورية معارض على حسابه الشخصي في فيس بوك: ” السيطرة على الطرق الدولية، بند أساسي من تفاهمات أستانة، وجريمة إبادة معرة النعمان في هذه الأثناء، ما هو إلا تطبيق روسي أسدي لتلك التفاهمات، التي لاتقتصر على الضامنين فحسب، بل إن صمت الأطراف الدولية والأقليمية والعربية عن تدمير المدن والبلدات الواقعة على تلك الطرق، لاستعادة السيطرة عليها، يؤكد أن الجميع شركاء في استباحة دماء الأبرياء، لتأمين مصالحهم السياسية والأقتصادية والتجارية على حساب الدم السوري، أما قصة مكافحة الإرهاب في إدلب، فهي جزء من البروبغندا الهزلية، التي لم تعد تنطلي على رضيع سوري”.
ويرى “عبد الرحمن عبارة”؛وهو باحث سياسي سوري، أن السوريين لا يرغبون بالكرم التركي، الذي تدعي تركيا تقديمه لهم، بادعائها القتال إلى جانبهم، بينما تبدو النتائج عكسية على الأرض، فكتب عبر منصة فيس بوك قائلاً :” للمرة الألف . . . لا أحد يريد من تركيا أن تحارب عن السوريين ولا أن تعطيهم رصاصة واحدة، والمطلوب منها فقط”، ملخصاُ مطالب السوريين في بندين.
- وقف ضمانتها لروسيا وإيران، والتي بموجبها تضمن تركيا عدم قيام فصائل المعارضة بعمل عسكري ضد النظام وحلفائه.
- كفّ يدها وسلطتها ونفوذها عن نحو 80 ألف مقاتل سوري يأتمرون بأمرها الآن ويقاتلون عنها في جبهات شرق الفرات، ليتجهوا من فورهم إلى إدلب للدفاع عنها.
وكتب المفكر السوري “محي الدين اللاذقاني”: ” إذا كان هناك اتفاق بين بوتن وأردوغان لتسليم مناطق في ادلب لشبيحة النظام كما حصل في محافظات أخرى، فلا حاجة لكل هذا الدم والدمار، فالسوريون يعرفون أن بلادهم تحت احتلالين وسيعملون على تحريرها مهما طال الزمن، أما هذا الموقف الملتبس الذي يدفع ثمنه مدنيون أبرياء وأطفال، فجريمة لا يمكن الدفاع عنها تحت أي عنوان”.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.