هيئة التحرير
“ننأى بنفسنا عن ما يحدث”، جملة يحدد من خلالها ابن عم رأس النظام السوري، “دريد الأسد” موقف عائلته من الخلاف الحاصل بين “بشار الأسد” وابن خاله وذراعه الاقتصادية، “رامي مخلوف”، واصفاً ذلك الخلاف بـ “المهاترات الضيقة”، التي اعتاد والده “رفعت الأسد” الترفع عنها منذ 36 عاماً.
يعيش “رفعت الأسد” عم رأس النظام وشقيق “حافظ الأسد”، في المنفى في فرنسا بعد محاولته الانقلاب على شقيقه، في ثمانينيات القرن الماضي، ضمن أحداث ما يعرف بـ “سرايا الدفاع”، ليمنع من دخول البلاد منذ ذلك الوقت.
استغلال للموقف والطائفة
خلافاً لما أريد منها، يشير مصدر خاص من داخل النظام السوري، “لمرصد مينا”، إلى أن تصريحات “دريد”، التي نشرها على موقع فيسبوك، تهدف إلى إعادة والده، أو عائلة رفعت على الأقل إلى واجهة الأحداث، وليس النأي بالنفس، مضيفاً: “حالة التوتر الحالية بين قطبي النظام باتت تمثل خطر مباشر على الطائفة ككل، وإمكانية انقسامها، وهنا قد يطمح رفعت وأبناءه إلى تقديم أنفسهم كضامن لوحدة الطائفة وسد في وجه انقاسمها في ظل تصاعد الأزمة داخل العائلة وظهورها على العلن”.
وذكر “دريد” في منشوره بأن والده كان على خلاف سياسي كبير مع السلطة السياسية الحالية وطرائق معالجتها للعديد من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأنه يتطلع إلى بناء سوريا تتشارك بها جميع القوى السياسية الوطنية عبر عملية سياسية شاملة ترعى المشاركة الحقيقية في مستقبل سوريا وأجيالها.
الخلاف بين “الأسد” ومخلوف”، بحسب ما يؤكده المصدر الخاص، لا يمكن حصره برجلين أو عائلتين، بقدر ما يمتد إلى الطائفة ككل، لا سيما وأن العلويين ينظرون إلى استمرار هيكيلة النظام بشكل الحالي، على أنه مسألة وجودية، موضحاً: “كلا طرفي الخلاف سيكون له قوته داخل الطائفة، وتصاعد الأحداث يعني أن الانزلاق إلى مراحل متقدمة من الصراع الداخلي، وربما إلى صدامات مسلحة، العلويون يدركون أن الانقسام يعني فناء تام لهم من السلطة، وبالتالي فإن هذه بالنسبة لرفعت الأسد قد تشكل فرصة لإعادة تعويم نفسه كطرف ثالث، خاصةً وأن نسبة عالية من العلويين تؤيده”.
ويتهم “رفعت الأسد” باتباع سياسة طائفية بحتة خلال وجوده في السلطة، والتي تجسدت بمنع ارتداء الحجابات في سوريا والحد من الوجود السني في هياكل الدولة، والتوجه نحو المزيد من تمكين العلويين في الحكم، وخاصةً في المؤسسة العسكرية.
شق الصف واللعبة الخبيثة
خطورة الخلافات بين “مخلوف” و”الأسد”، يشرحها رجل الأعمال السوري، والمقرب السابق من النظام، “فراس طلاس”، بأنها لعبة خبيثة، يمارسها “مخلوف” لمحاولة شق الصف داخل بنية النظام، مضيفاً: “فيديوهات رامي تخاطب بشكل مباشر البيئة الحاضنة للنظام والتي يمثلها العلويون، وذلك عبر التذكير المستمر بدوره الشخصي بدعم مصابي وقتلى النظام مالياً، وان الآن يوجد جهات داخل النظام تسعى للسيطرة على تلك الأموال ومنعها عنهم وصرفها على الأمور الشخصية”.
وكان “مخلوف” في فيديوهاته اتهم بشكل مبطن زوجة رئيس النظام “أسماء الأخرس” وأقاربها بمحاولة طرده والاستيلاء على شركة سيرياتيل، التابعة له.
كما يوضح “طلاس”، في مقابلة له مع تلفزيون روسيا اليوم، أن خلافات “مخلوف – الأسد”، هي جزء من صراع أعم على السلطة، يضاف له شقيق “ماهر الأسد” شقيق بشار، وهو ما أشار إليه أيضاً المصدر الخاص لمينا، معتبراً ان تعدد أجنحة الصراع بدورها كانت عاملاً إضافياَ شجع “رفعت” على محاولة الوصول إلى السلطة، لا سيما مع علاقاته القوية مع الجانب الروسي، الذي يعد الحكام الفعلي لسوريا.
في السياق ذاته، يصف “طلاس”، نجل وزير الدفاع الأسبق، “مصطفى طلاس”، “رفعت الأسد”، بأنه عراب الفساد الأول في سوريا، لافتاً إلى مرحلة الفساد المالي دشنها “رفعت” عام 1976، من خلال لإقناع “حافظ الأسد” بالسيطرةعلى أموال الدعم الخليجي إلى سوريا، التي أرسلتها على خلفية حرب تشرين.
ويواجه “رفعت الأسد” سلسلة تهم بارتكاب جرائم إبادة جماعية إبان أحداث حماة عام 1982، والتي قتل فيها نحو 44 ألف مدني، إلى جانب اتهامه بارتكاب مجزرة سجن تدمر بحق معتقلين سياسيين وإسلاميين، في ذات العام.
حرب الولاءات والبيانات
عملياً حالة التوتر الحالية بشكلها العام داخل النظام السوري، يشببها المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، بالصراع الذي اندلع على السلطة في ثمانينيات العام الماضي، مع الإعلان عن إصابة “حافظ الأسد”، والتي دفعت عدد من قيادات النظام، بينهم “رفعت” إلى خوض حرب ولاءات داخل الأوساط العلوية، والتي انتهت أخيراً لصالح “حافظ الأسد”.
كما يستند في حكمه إلى البيان الصادر عن جمعية البستان، التابعة “لرامي مخلوف”، والتي أكدت أنها تدار بتوجهات من رأس النظام “بشار الأسد” وليس بأوامر “مخلوف”، موضحاً: “في هذا البيان يحاول الأسد أن يسحب بساط دعم الطائفة العلوية وقتلاها من رامي، وبوجه رسالة إلى الحاضنة الشعبية بأنه كان المحرك الأساسي لدعم أبنائها وليس مخلوف، وبالتالي الحفاظ على أكبر قدر من الدعم داخل أوساط العلويين”.
وتصف جمعية البستان نفسها، كواحدة من الجمعيات الخيرية في سوريا، والتي كانت تقدم أموالاً وتعويضات لجرحى وقتلى قوات النظام، بالإضافة إلى تقديم معونات لفقراء العوائل العلوية.
أهمية تناول نشاط جمعية البستان، كما يطرحها المصدر، تأتي من حالة الفقر التي تخيم على أبناء الطائفة وارتفاع أعداد قتلاها، وبالتالي فإن الجهة التي تثبت وقوفها خلف المساعدات المالية، ستحظى عملياً بدعم القسم الأكبر منها، خاصة مع ارتفاع الأسعار الجنوني وانهيار الليرة السورية، لافتاً إلى أن “مخلوف” يسعى جاهداً لضرب الاقتصاد المحلي وتعميق معاناة الشعب السوري عموماً، كورقة لضرب النظام بحاضنته. لاسيما وأن سعر صرف الليرة وصل خلال الأيام الماضية، إلى 2000 ليرة مقابل الدولار الواحد، وسط اتهامات “لمخلوف” بشن حرب على العملة السورية.