تتمكن الوحدات الأمنية التونسية بين الفينة والأخرى من القبض على مناصرين للعمليات الإرهابية التي يرتكبها متطرفون، ويتم التعبير عن دعم تلك العمليات الإرهابية والاحتفاء بها على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة الفايسبوك وتويتر، فعدد من الموالين فكرياً للتنظيمات الإرهابية والذين ينشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، سرعان ما ينساقوا وراء مشاعر الكراهية فلا يكبحون جماح تعابيرهم التي غالبا ما تكشفهم وتجعلهم عرضة للاعتقال.
وقد سبق ان احتفلت عناصر متشددة دينياً بالعمليات الإرهابية، التي حدثت في عدة أماكن من تونس وخارجها، كما سبق أن نزل متشددون إلى الشوارع احتفاء بمقتل جنود تونسيون في جبل الشعانبي إثر كمين بالرشّاشات و الآربيجي، هؤلاء عبروا علنا في ذلك الوقت عن احتفالاتهم وفرحتهم بالمجزرة، ولعل الغريب في الأمر هو أن احتفالات هؤلاء حصلت في بعض المساجد وفي الطريق العامة.
المؤلم هو أن تحصل جرائم بهذا الحجم وأن تبكي الأمهات ويتيتم أطفال في المقابل يحتفل البعض الاخر على نخب دماء الأبرياء، فقاقيع وطفيليات تستقي ما تؤمن بأنه دين من صفحات الانترنيت المشبوهة ولا تكلف نفسها عناء البحث والتقصي والقراءة والتعمق في المعاني الحقيقية والمقاصد المرغوبة، صفحات عدوانية هدفها التكفير والدعوة الى اراقة الدماء لا غير.
يوميا تطالعنا أنباء عن القاء القبض على شباب بتهمة الارهاب، ليصل عدد المتهمين في قضايا إرهابية إلى آلاف الموقوفين ومئات الأشخاص، الذين تتم متابعتهم عن بعد لوجود شبهات وشكوك حول انتمائهم الى مجموعات ارهابية أو مد يد المساعدة لعناصر إرهابية، تشكيات من اكتظاظ الوحدات السجنية في ظل الايقافات المتعددة لهؤلاء المتهمين، تساؤلات عن عوامل الاستقطاب وأصابع الاتهام توجه مباشرة الى عدد من المساجد غير المرخصة أو الخارجة عن سيطرة الدولة.
مرصد مينا تناول ملف استقطاب الشباب وعمليات غسل ادمغتهم وكيف أنها انتقلت من مرحلة المباشر أي تلك التي تتم في إطار جمعيات ملتحفة بغطاء ديني أو خيري أو داخل المساجد او في السجون لتصل إلى مرحلة للامباشر أو الافتراضي.
آلاف الشباب يتم استقطابهم عبر مواقع الكترونية وعن طريق شبكات التواصل الاجتماعي، فكيف يستقطبون؟ ماهي تلك المواقع ؟ واية حلول لمنع عمليات الاستقطاب الإلكتروني؟
شباب يستقطبون عن طريق الفايس بوك وتويتر
في الحقيقة صدمنا عندما اكتشفنا أن الاستقطاب الأكبر يتم الكترونياً دون لقاءات مباشرة، حيث اتضح أن 90 بالمائة من الشباب الموجود حاليا في مناطق النزاع بغاية القتال في صفوف الجماعات المتشددة، تم استقطابه عن طريق المواقع الالكترونية على غرار الفايس بوك وتويتر وغيرهما، حيث يوجد 12 ألف موقع جهادي أصولي من بينهم 4800 موقع مخصص لاستقطاب الشباب للالتحاق بما يسمى في مفهومهم الجهاد،
أما بقية المواقع فهي مخصصة لتصنيع القنابل وتفخيخ السيارات وكل ما له علاقة بطرق وآليات الجهاد ومواقع أخرى لنشر الدعوة والأفكار الجهادية، وحسب العديد من الدراسات، التي أجريت حول هذا الموضوع فإن المشرفين على تلك المواقع يتعرفون على شخصية الشاب الهدف ووضعيته الاجتماعية والمادية ثم يقومون باستقطابه عن طريق تمرير أفكارهم الدعوية وترويج نظرتهم للاسلام.
وقد أكد عضو جمعية آفاق للأمن الداخلي والديوانة سيف الدين الهيشري ان هناك ألف شاب تونسي من جملة 3 آلاف او أكثر الموجودين في سوريا والعراق، تم تجنيدهم عبر المواقع الإكترونية، لافتاً إلى أن عملية الاستقطاب التي تتم عبر شبكات الانترنيت والتي تم رصدها في تونس تتم عن طريق الذكور والإناث، مشيراً إلى التفطن لاستقطاب اربعة بنات في تونس ووجود 3 تونسيات شابات يسيرن ويشرفن على مواقع استقطاب الكترونية.
وأوضح الهيشري بأن الجماعات الإرهابية لها ثقافة متطورة في مجال الانترنيت شبكات التواصل، وذلك في غياب منظومة قانونية تونسية واضحة لحماية الشباب التونسي من هذا الخطر.
وقد أثبتت التحقيقات الأمنية تزايد عدد الشباب التونسي الذين يقع استقطابه عن طريق المواقع الالكترونية، التي تدعو إلى الجهاد وتبث الفكر التكفيري بهدف التحاقه بصفوف الجماعات المسلحة بسوريا وغيرها وهو ما يشكل خطرا حقيقيا على الشباب خاصة منه الفئات التي تشكو مشاكل اجتماعية واقتصادية نتيجة الفقر والبطالة ونقص التنمية أو مشاكل نفسية ذات علاقة بالتنشئة الاجتماعية الأمر الذي يجعل هؤلاء الشباب فريسة سهلة لهذه المواقع التي يؤكد المختصون حسن اختيارهم للفئات المستهدفة ودمغجتها والسيطرة على تفكيرها إلى حد جعلها تخطط للالتحاق بالجماعات الارهابية.
تشديد الرقابة على المبحرين
يمكن القول إن الإرهاب الإلكتروني أصبح أحد الأدوات الرئيسية في النشاطات الإرهابية ويستغل لتجنيد المقاتلين العرب والأجانب، حيث أصبح التجنيد يتم أكثر عبر الأنترنات عوضا عن الجمعيات، باعتبار أن عديد من الدول بدأت تشدد الرقابة على نشاط الجمعيات المشبوهة والمورطة في تجنيد الإرهابيين للقتال في سوريا والعراق وحتى في ليبيا، وهو ما يفسر اللجوء إلى الأنترنيت.
ويشمل الإرهاب الإلكتروني تقنيات متطورة من حيث بيداغوجية الانتدابات أو من حيث التأثير النفسي والإعلامي، الذي يسلّطه على الأفراد الذين يقبلون التواصل معهم.
ويمكن القول إن مواجهة الإرهاب الإلكتروني في تونس يمكن أن تتم عبر اتخاذ جملة من الإجراءات، ومنها تشديد الرقابة على المبحرين على المواقع التي يستعملها الإرهابيون، وتجريم العمليات الإرهابية التي تتم عبر المواقع الإلكترونية، بالإضافة إلى حملة تحسيسية لتوعية الرأي العام الوطني بخطورة التواصل مع المواقع المشبوهة.
فيما يتعلق بالحلول، التي من المفروض أن يتم اتخاذ إجراءات في شأنها، قال سيف الدين الهيشري :”التوعية هي أول الحلول، ففي تعليمنا وبرامجنا المدرسية غابت التوعية الإسلامية الى درجة جعلتنا لا نعرف ديننا الصحيح ونلجأ إلى القنوات الدينية والى المواقع الجهادية، كما أنه لا بد من تشخيص الأسباب الاجتماعية والتربوية والتوعوية والتنموية وغيرها التي قد تجعل الشاب في متناول هذه الجماعات التي تستقطبه وتلحقه بصفوف داعش، كما انه لا بد من تشريك جميع الأطراف وجميع الفاعلين للتصدي لظاهرة الاستقطاب على غرار مراجعة مسائل عديدة كغياب التنمية وغياب التشجيع على البحث العلمي وغلق الفضاءات الثقافية وأسباب التهميش وغيرها من العوامل الأخرى”.
ورغم الجهود، التي تقوم بها وزارة الداخلية بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة لمراقبة تواصل بعض الشبان التونسيين بالمواقع الالكترونية الجهادية إلا أن خطر هذه الظاهرة ما يزال يتربص بشباب تونس خاصة أن هذه المواقع العالمية يصعب السيطرة عليها، سيما وأن التنظيم الإرهابي “داعش” لديه 90 ألف صفحة باللغة العربية على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، و40 ألفاً بلغات أخرى، إضافة إلى موقعه الذي دشنه التنظيم بـ7 لغات، وينشط هذا التنظيم والجماعات الإرهابية الأخرى في مواقع التواصل الاجتماعي لابتزاز الشباب عاطفياً ومادياً لضمهم إليه، أو تمويلهم.
تغلغل الإرهاب الإلكتروني
اعتبر العميد المتقاعد بالجيش التونسي ورئيس المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل، “مختار بن نصر” أن المعطيات الأمنية المنشورة، وجميع الدراسات والبحوث الأمنية والعسكرية تبيّن أنّ الإرهاب ما يزال يشكّل تهديدا لتونس، لافتاً إلى إن الخطر الإرهابي يمكن تلخيصه اليوم في عنصرين: الاستقطاب عبر شبكة الانترنت، وبعض الخلايا النائمة في البلاد .
وشدّد بن نصر على أنّ المشكل الأهم هو عملية الاستقطاب والاستمالة في كثير من الفضاءات، والتي عادة ما تجري عبر شبكة الانترنت وفي المؤسسات التربوية والمساجد، مشيراً إلى وجود بعض الجمعيات القادرة على دفع التمويلات من أجل استقطاب شباب وتجنيده لتنفيذ أعمال إرهابية.
وتساور التونسيين اليوم مخاوف جدية من تغلغل الإرهاب الالكتروني في صفوف الفئات المتعلمة وخاصة الطلبة والتلاميذ لذلك تطالب الأحزاب السياسية والخبراء بضرورة وضع خطة استراتيجية أمنية وعسكرية وأيضا اجتماعية وثقافية ودينية لمكافحة الإرهاب مكافحة شاملة لا تقتصر على الجوانب الأمنية.