تتنامى ظاهرة انتحار المدنيين في المجتمع اليمني بشكل كبير منذ الانقلاب، الذي نفذته ميليشيات الحوثي في العام 2014، وبدء المعارك في مختلف المناطق، إذ تركت الحرب آثارها على جميع نواحي حياة المواطنين الاقتصادية والثقافية والصحية، لتشهد البلد ارتفاعا ملحوظاً بعدد حالات الانتحار وتحديداً في أوساط الفئات العمرية بين 18 – 45 عاماً.
وبالرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة، بسبب فرض الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران؛ قيود صارمة على المستشفيات ووسائل الإعلام في المناطق الخاضعة لسيطرتها بهدف منع تسريب أي معلومات حول معدلات الانتحار، إلا أن مصادر مطلعة في وزارة الداخلية الحوثية؛ كشفت عن حصيلة وثقت خلالها حدوث 152 حالة انتحار خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2020، والتي انحصرت جميعها في 10 مدن يمنية، في مقدمتها محافظة إب بـ 42 حالة، تلتها صنعاء بـ 41 حالة.
أما عن أكثر الطرق المتبعة في عمليات الانتحار، فتشير الإحصائيات الى أن معظمها تم باستخدام الأسلحة، يليها الانتحار عن طريق الشنق، ثم السقوط من أماكن مرتفعة، ثم الحرق بالنار، إلى جانب الانتحار عن طريق تناول مواد سامة.
أرقام مضللة
يرى باحثون اجتماعيون في صنعاء أن الأعداد الحقيقية لحالات الانتحار في اليمن أكثر بكثير من الأرقام المذكورة في إحصائية الداخلية الحوثية، إذ أكدوا توثيق 24 حالة خلال الربع الأول من العام في صنعاء وحدها، مشيرين الى أنه لا يمر أسبوع إلا ويسمع أهالي العاصمة عن حالة انتحار هنا أو هناك.
في سياق تعمقهم في تلك الظاهرة، يتناول الباحثون حالات الانتحار، التي أقدمت عليها سيدات معتقلات داخل السجون الحوثية، لافتين إلى أن حجم تلك الظاهرة أعلى بكثير من العدد الصادر في الإحصائية، لاسيما وأنه تم توثيق 9 حالات انتحار لمعتقلات في السجون الحوثية، خلال الأشهر الخمسة الأولى فقط من العام الحالي.
وكانت وزارة الداخلية التابعة للميليشيات الحوثية، قد أعلنت في وقت سابق، عن وقوع 13 حالة انتحار لسيدات، دون أن تحدد أسباب الانتحار أو مكان وقوعه.
يشار إلى أن اليمن قد احتل المرتبة الرابعة عربياً عام 2014 بنسبة 3.7 حالة انتحار لكل 100 ألف شخص، وفقا لتقرير سابق أعدته منظمة الصحة العالمية، ليصعد في عام 2019 على سلم الترتيب و يحتل المركز الثالث عربياً بتسجيل 2335 حالة انتحار.
صعوبات الحياة
تزايد التزامات الكثير من اليمنيين، الذين ضاقت بهم الدنيا فقراً ومرضاً وبطالة وتشرداً نتيجة سياسات ميليشيات الحوثيين، التي جعلت حياتهم جحيماً، وأفقدتهم الآمال، من بين أهم أسباب ارتفاع معطلات الانتحار في اليمن، كما يقول المحامي والناشط في إحدى منظمات المجتمع المدني “ابراهيم”، مؤكداً لمرصد مينا أن حالات الانتحار لم تخل من إقدام آباء على تصفية أفراد أسرهم هرباً من شبح الجوع والحاجة الماسة إلى مساعدات.
كما يضيف “إبراهيم”: “خلال شهر شباط من العام الحالي تم توثيق انتحار شخص يلقب أبو رضوان، بعد إجباره على الخروج من البيت، الذي تعود ملكيته للأوقاف بحجة عدم تجديد عقد الإيجار، وهو ما دفعه إلى إخراج روحه من جسده بطلقة كانت كفيلة بإنهاء آخر نفس في حياة دامت أربعين عاماً، تاركاً زوجته وأربعة أبناء عرضة للتشرد”.
وفي الشهر ذاته أقدم شاب على إحراق نفسه في صنعاء وسط حي سكني احتجاجاً على الوضع الاقتصادي المتردي واضطهاد الميليشيات الحوثية له، بالإضافة إلى سيدة أربعينية، كانت قد انتحرت مع طفلتيها بجرعة سم قاتلة، في مديرية السدة شرق محافظة إب، بسبب تردي الأوضاع المعيشية، ووصولها لحد العجز، خصوصا بعد انفصالها عن زوجها وعدم قدرتها على إعالة ابنتيها، بحسب ما ذكرته مصادر محلية.
إحصائيات الأمم المتحدة من جهتها، بينت أن نحو 24 مليون نسمة من إجمالي سكان البلاد البالغ 30 مليون نسمة، باتوا بحاجة ماسة لمساعدات إنسانية عاجلة، ووفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة الفاو، فإن الأزمة الإنسانية في اليمن هي الأكبر في العالم، في ظل انعدام الأمن الغذائي، منذ بداية الانقلاب الحوثي على الشرعية، وهو ما عرّض المواطنين للخطر جراء المجاعات والفقر المحدق بهم.
يشار الى أن وزير الإدارة المحلية رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية، “عبد الرقيب فتح”، أوضح أن أكثر من 24 مليون شخص في حاجة إلى مساعدات إنسانية مختلفة، أي 80 بالمئة من تعداد السكان.
ضغوط نفسية
ترجح الناشطة “عهود الصراري” أن يكون سبب معظم حالات الانتحار هو الضغوط النفسية، والتمييز الطائفي الذي تمارسه ميليشيات الحوثي، مضيفة أن الحكومة الانقلابية تعمدت قطع رواتب الموظفين، وهو الأمر الذي خلف مشاكل أسرية وضغوطاً نفسية واقتصادية أوجدت اختلالات نفسية، ووضعت المواطن أمام خيار واحد هو الموت، على حد قولها.
كما تؤكد “الصراري” أن أغلب المنتحرين تلقوا التعليم الأساسي ومنهم موظفين، في حين جاء المنتحرون من فئة الأميين في المرتبة الثانية، كما أن أقل عدد من المنتحرين هم ممن تلقوا التعليم الجامعي.
وبحسب دراسة أعدتها مؤسسة التنمية والإرشاد الأسري وهي منظمة مجتمع مدني، فإن 195 شخصا من كل ألف يمني يعانون من ضغوط واضطرابات نفسية حادة.
يذكر أن تقرير نشرته منظمة الصحة العالمية، أفاد بأن شخصاً واحداً ينتحر كل 40 ثانية في العالم، حيث جاء اليمن في المرتبة الثالثة من بين البلدان العربية ليصل العدد طبقاً للتقرير إلى 800 ألف شخص سنوياً، أي أكثر من الذين قتلوا في الحروب وعمليات القتل أو سرطان الثدي.