بين القتل والتعنيف والحقوق الضائعة، تعيش المرأة التركية أصعب فتراتها، وفقاً لما يؤكده ناشطون وناشطات أتراك في مجال حقوق المرأة، وهو ما يتزامن مع إحصائيات جديدة كشفت عنها منصة أوقفوا قتل النساء، التركية، والتي أشارت إلى مقتل 226 إمرأة تركية بسبب العنف المنزلي، في الأشهر العشرة الماضية من العام 2020.
تعليقاً على الإحصائيات السابقة، تكشف المتحدثة باسم المنصة، “ملك أوندر”، أن معدلات العنف ضد المرأة آخذ في التصاعد خلال السنوات التسع الماضية، على الرغم من أن تركيا وقعت على اتفاقية مع المجلس الأوروبي بخصوص مكافحة العنف ضد المرأة، عام 2011.
قتل مشبوه وجرائم مغطاة
تناول العنف ضد المرأة، يمتد وفقاً لما تؤكده الناشطة النسوية “فطمة توركان”، إلى حالات قتل بحق النساء، غير مسجلة، لافتةً إلى وجود نحو 150 حالة قتل مشبوهة لنساء تركيات تم تسجيلها في ظروف غير معروفة، مشددةً على إمكانية أن تكون حالات الوفاة تلك ناجمة عن عمليات تعنيف وضرب تعرضن له.
إلى جانب ذلك، تشير “توركان” في حديثها مع مرصد مينا، إلى أن تركيا تحولت خلال السنوات الماضية، إلى ساحة موت وقتل واضطهاد للنساء، لافتةً إلى أن معظم تلك الجرائم يرتكبها الزوج بحق زوجته، وبظروف وأساليب وحشية، على حد وصفها.
وكان المجتمع التركي قد تعرض لصدمة كبيرة، جراء إقدام تركي صيف 2019، على قتل زوجته أمام ابنتها، البالغة 10 سنوات من العمر، فيما عرف وقتها باسم “جريمة أمينة بولوت”، نسبةً إلى اسم الضحية.
في السياق ذاته، توضح “توركمان” ان البيانات المتوفرة حالياً، تكشف الخط التصاعدي للجرائم المرتكبة بحق النساء التركيات، مضيفةً: “في عام 2016 كانت 53 في المئة من التركيات بتعرضن للعنف، ولكن تلك النسبة ارتفعت إلى 57 في المئة عام 2017، في حين تم تسجيل مقتل 474 إمرأة عام 2019”.
وبحسب مراكز حقوقية تركية، فإن معدلات العنف ضد المرأة، قد تصاعد بشكل كبير خلال أزمة انتشار وباء كورونا، مشيرةً إلى أن 18 سيدة تركية قتلت خلال الأيام الـ 15 الأولى بعد اكتشاف الفيروس، بسبب العنف المنزلي.
ضحايا سياسات حكومية ودعم قانوني
تربط الناشطة الحقوقية، “خديجة أوغلو” ظاهرة العنف ضد المرأة في تركيا، بناحيتين، الأولى موروث ثقافي قديم، ينظر للمرأة على أنها تابع للرجل وأن للأخير حق الوصاية والطاعة الكاملة منها، وذلك ضمن إطار قانوني غير متشدد تجاه الجرائم الأسرية، التي غالباً ما تكون مبررة بأسباب اجتماعية وثقافية ذكورية، على حد قولها.
إلى جانب ذلك، تعتبر “أوغلو” أن المجتمع التركي بنسبة كبيرة، ينظر إلى ذلك النوع من الجرائم، كوسيلة للحفاظ على كيان الأسرة ومنظومتها المتوارثة، ضمن سلطة الأب أو الأخ، دون النظر إليها كأداة لتبرير جريمة بحق إنسان آخر، على حد قولها، مشيرةً إلى أن تلك القناعة منشرة حتى ضمن الأسر التركية المقيمة في الدول الأوروبية.
في سياق متصل، لا تنفي “أوغلو” وجود علاقة بين السياسة وبين تلك الظاهرة المجتمعية، لافتةً إلى أن حزب العدالة والتنمية، راهن منذ عام 2000، على الطبقات الاجتماعية المحافظة لدعمه في تزعمه للسياسة التركية، متهمةً الحزب بدعم تنامي قناعات تلك المجتمعات، لإبقائها ضمن حاضنته الشعبية.
وكانت مجموعة من التيارات السياسية المحافظة، بينها حزب السعادة التركي وعدة أحزاب مقربة من العدالة والتنمية، قد طالبت بالانسحاب من الاتفاقية مع المجلس الأوروبي لحقوق المرأة، بذريعة أنها تهدد كيان ووحدة الأسرة التركية.
الجانب الأكثر وضوحاً في مسألة الربط بين السياسة والظراهر الاجتماعية السلبية عموماً، والتي من بينها العنف ضد المرأة، يلفت إليه، الناشط الحقوقي “سليمان يلديرم”، من خلال التأكيد على أن القضاة والشرطة والأجهزة المختصة الحكومية، تتعامل بتساهل كامل مع مرتكبي تلك الجرائم، ما يجعل من كافة القوانين ذات العلاقة، مجرد حبر على ورق.
حقوق ضائعة رغم المطالبات
قضية المرأة التركية، لا تعني القتل والعنف فقط، بقدر ما تمتد إلى أسباب أخرى، قادت إلى ذلك العنف، حيث تشير الناشطة “أوغلو”، أن قضايا العنف كثيراً ما ترتبط بمحاولة المراة التركية الحصول على حقوقها، كمرأة تعيش في عصر التقدم والانفتاح، لافتةً إلى أن الكثير من النساء وصلن لمرحلة الانفجار من قناعة الرجل بانها ملك له وأنها تابعة مطيعة له.
كما توضخ “أوغلو” ان الحكومة مصرة على لعب دور الحاضر الغائب، من خلال تجاهلها لكافة النداءات والمناشدات، التي تطلقها المنظمات النسوية والحقوقية، لحماية المرأة وحقوقها، لافتةً إلى أن المراة التركية تعاني ليس فقط من انعدام السند القانوني وإنما حتى السند داخل عائلتها، على اعتبار أن الكثير من العوائل تتبنى فكرة قوامة الرجل على المرأة، وحقه في التعامل بها ولو بقسوة.
اما في سردها لقائمة الحقوق الضائعة، تلفت “أوغلو” إلى أن الكثير من النساء التركيات محرومات العمل والتعليم، أو حتى حقها باختيار الشريك أو الانفصال عنه، بالإضافة إلى وجود سيطرة ذكورية على الكثير من القرارات المتعلقة بحياتها الشخصية، مؤكدة على أن المجتمع العلماني التركي الظاهر على وسائل الإعلام، يوازيه أو قد يتوفق عليه، مجتمع محافظ متشدد ينمو بشكل متسارع منذ عام 2002، أي مع وصول المحافظين ممثلين بحزب العدالة والتنمية إلى السلطة.