هيئة التحرير
استقالات بالجملة في أركان الحكم اللبناني، أو ما يسمى بـ “العهد العوني”، مع دخول اليوم الخامس لكارثة مرفأ بيروت، ما طرح العديد من التساؤلات حول مستقبل النظام القائم ومستقبل رئيسي السلطة التنفيذية، رئيس الجمهورية، “ميشال عون” ورئيس الحكومة، “حسان دياب”، بشكلٍ خاص.
وشهد اليوم الأحد، تقديم وزيرة الإعلام اللبنانية، “منال عبد الصمد” استقالتها من منصبها، بالإضافة إلى استقالة النائب، “نعمة افرام” من مجلس النواب، بعد تقديم كل من النائب “مروان حمادة” والنائب “بولا يعقوبيان”، ونواب كتلة حزب الكتائب من مجلس النواب، استقالاتهم، وسط أنباء عن احتمالية تقديم المزيد من الوزراء اللبنانيين استقالاتهم، في مقدتهم وزير البيئة، “ديمانوس قطار”.
سقوط العهد والبطرك على خط الأزمة
مع تصاعد الضغوط على نظام العهد اللبناني، الذي يتزعمه الرئيس “عون”، يشير الباحث في الشؤون اللبنانية، “علي الأحمد”، مؤشراً على أن يوم انفجار بيروت، سيكون يوم انهيار العهد، لافتاً إلى أن دخول البطريرك “بشارة الراعي” على خط الأزمة من خلال الدعوة لإقالة الحكومة يعني أن الأمور تتجه نحو المزيد من الضغط والتصعيد، ليس ضد الحكومة فحسب وإنما ضد مؤسسة الرئاسة وأركان الحكم ككل.
وكان “الراعي” قد دعا اليوم الأحد، إلى استقالة الحكومة وإجراء انتخابات نيابية مبكرة وتشكيل لجنة تحقيق دولية، للوقوف على أسباب وظروف الانفجار وتحديد الجهة المسؤولة عنه، وهو ما أعلن الرئيس اللبناني رفضه بشكل مطلق.
تزامناً، يؤكد المحلل اللبناني “أحمد عيتاني”، أن تصريحات “الراعي” ستمنح القوى المسيحية والشارع المسيحي مزيداً من الدعم للمطالبة بإقالة “عون”، الذي يحمله الشارع اللبناني جزءاً كبيراً من المسؤولية، موضحاً: “موقف البطرك، سيعطي إحساس عام للمسيحيين بأن المستهدف هو شخص الرئيس وسياساته وليس المكون المسيحي، كما أنه سيشجع على مسألة الفصل بين المناصب الحكومية والمكونات اللبنانية عموماً”.
في السياق ذاته، يشدد “عيتاني” أن تصاعد الاستقالات بعد خمسة أيام من الحادثة، يعني أن الكثير من المشاركين في مؤسسات الحكم باتوا على قناعة بأن النظام القائم لن يفلت هذه المرة من الكارثة، واصفاً بعض تلك الاستقالات بأنها قفز من المركب الغارق، لا سيما بالنسبة لوزيرة الإعلام، “منال عبد الصمد”.
وسبق للوزيرة “عبد الصمد” أن أكدت قبل الانفجار بأيام قليلة، عدم نيتها الاستقالة وأنها مستمرة في عملها ضمن الحكومة لتنفيذ الإصلاحات الموعودة.
ما قبل زيارة ماكرون وما بعدها
حتى تاريخ زيارة الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون” للعاصمة بيروت، والتي تمت بعد يوم واحد من الانفجار، كان العديد من فريق السلطة والنواب، بحسب ما يعتقده “عيتاني”، في موضع شك، من قدرة “دياب” و”عون” وحلفهما من تجاوز الأزمة الحالية، إلا أن زيارة “ماكرون”، قطعت الشك باليقين، بأن الوضع في لبنان لن يستمر كما هو طويلاً، وهو ما أيده الباحث “الأحمد”، مؤكداً أن زيارة الرئيس الفرنسي، لم تكن فقط للتضامن وتقديم المساعدات وإنما أيضاً لإخطار المجتمع السياسي اللبناني بأن المجتمع الدولي سيعمل على تغيير الظروف في هذا البلد.
وكان الرئيس الفرنسي، قد صرح خلال زيارته بأنه لبنان قبل انفجار بيروت ليس كما هو بعده، وذلك قبل أن يعقد اجتماعات مغلقة مع العديد من الشخصيات والقيادات السياسية والحزبية اللبنانية.
إلى جانب ذلك، يرى المختص في الشؤون اللبنانية، “حسام يوسف” أن “ماكرون” كان يحمل رسالة من عدة بنود، أولها أن نظام الطائف لم يعد صالحاً لحكم لبنان، وأن المجتمع الدولي سيعتمد الدفع باتجاه نظام جديد في لبنان يتبنى الحياد الإقليمي، ويحد من سطوة حزب الله المدعوم من إيران، معتبراً أن المجتمع الدولي قد يكون كلف فرنسا بقيادة التغيير المفترض.
ويقوم نظام الطائف، الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، بتقسيم المناصب الرئيسية على أساس طائفي، بما فيها رئاسة الجمهورية، لصالح المسيحيين، ورئاسة الحكومة للمسلمين السنة، ورئاسة مجلس النواب لصالح المسلمين الشيعة.
كما يعتبر “يوسف” أن المجتمع الدولي وصل إلى قناعة بعجز النظام السياسي القائم عن إقرار الإصلاحات المطلوبة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، منوهاً إلى أن انفجار المرفأ كان الشعرة الأخيرة، التي كانت تربط النظام اللبناني باللبنانيين والمجتمع الدولي، لما كشفه من توغل لحزب الله في قيادة الدولة وفشله في مكافحة الفساد ووضع حد لمعاناة الشعب اللبناني.
ويعاني لبنان من أزمة اقتصادية، ارتفع خلالها الدين الخارجي إلى أكثر من 90 مليار دولار، كما ارتفعت معدلات الفقر إلى أكثر من 50 في المئة، والبطالة إلى أكثر من 35 في المئة، وسط تحذيرات الأمم المتحدة من إمكانية أن يعاني مليون لبناني من الجوع.
ورقة الحرب الأهلية
على الرغم من تلويح أركان النظام اللبناني، في مقدمتهم رئيس الجمهورية، “ميشال عون” والأمين العام لحزب الله، “حسن نصر لله”، بورقة الحرب الأهلية، عدة مرات خلال الأشهر الماضية، إلا أن المحلل السياسي “عيتاني” أكد أن حديث الرجلين هذه المرة عن الحرب الأهلية يحمل مؤشرات أكثر جدية من أي مرة سابقة، موضحاً: “بالنسبة لتيار العوني وحزب الله تحديداً، فإن سقوط نظام العهد، يعني نهاية سطوتهم وسلطتهم ووصايتهم على لبنان، ما يعني ان تهديدهم بالحرب الأهلية، سيكون خياراً متاحاً لهم في حال فقدوا تلك السلطة، وما حدث أمس أمام مجلس النواب، من استهداف للمتظاهرين، يؤكد تلك النظرية”.
وشهدت المظاهرات، التي اندلعت وسط العاصمة اللبنانية، بيروت، انتشار مسلحين يعتقد أنهم تابعين لحزب الله أو حركة أمل، في محيط البرلمان، بحسب ما أكده ناشطون، مشيرين إلى أنهم استهدفوا المتظاهرين ورجال الأمن بشكل مباشر.
مع نظرة إلى التاريخ اللبناني الحديث، يؤكد “يوسف” أن الأحداث خلال الثلاثين عاماً الماضية، تدل على أن التيار العوني وحزب الله على استعداد لخوض تجربة جديدة من الحرب الأهلية، بدءاً من انقلاب الجنرال “عون” على الحكومة اللبنانية، عام 1990، والذي أغرق البلاد بمواجهات مسلحة، وصولاً إلى 7 أيار عام 2008، عندما اجتاح مسلحي حزب الله شوارع العاصمة اللبنانية بيروت، احتجاجاً على قرارات الحكومة اللبنانية آنذاك.